شاشات: علاقات مشدودة

الحلقة التاسعة من «صديق العمر» لا تزال تحفل بالكثير من المواجهات بين الرئيس جمال عبد الناصر (جمال سليمان) والمشير عبد الحكيم عامر (بسام السمرة)
الحلقة التاسعة من «صديق العمر» لا تزال تحفل بالكثير من المواجهات بين الرئيس جمال عبد الناصر (جمال سليمان) والمشير عبد الحكيم عامر (بسام السمرة)
TT

شاشات: علاقات مشدودة

الحلقة التاسعة من «صديق العمر» لا تزال تحفل بالكثير من المواجهات بين الرئيس جمال عبد الناصر (جمال سليمان) والمشير عبد الحكيم عامر (بسام السمرة)
الحلقة التاسعة من «صديق العمر» لا تزال تحفل بالكثير من المواجهات بين الرئيس جمال عبد الناصر (جمال سليمان) والمشير عبد الحكيم عامر (بسام السمرة)

الحلقة التاسعة من «صديق العمر» لا تزال تحفل بالكثير من المواجهات بين الرئيس جمال عبد الناصر (جمال سليمان) المشير عبد الحكيم عامر (بسام السمرة) وبين المشير والقادة العسكريين السوريين الذين كانوا يخططون للانقلاب.
لا أستطيع أن أتحول إلى باحث تاريخي وسياسي في تلك الظروف الصعبة التي مرت بها الوحدة العربية. كانت حلما لدى البعض وتحولت إلى واقع بالنسبة للبعض الآخر أو على الأقل إلى ضرورة تفرضها التطورات والمراحل والتطلعات. لكن السؤال الذي يتداعى بالنسبة للمعنيين بالمسلسل وما يرويه هو إذا ما كانت الأمور سارت على هذا الوجه تحديدا، وحياله فإن الرأي ما زال بدوره منقسما بين مؤيدين يرون أن المسلسل لا يبتعد كثيرا عن واقع الأحداث خصوصا وأنه استند إلى مذكرات وحيثيات تاريخية معروفة، وبين معارضين يميزون بين حفاظ «صديق العمر» على الخط العريض من الأحداث في حين يتحرر تماما من شروط المحافظة على التفاصيل.
والأسئلة التي يطرحها المسلسل في هذا النطاق متعددة ومنها: هل كان جمال عبد الناصر عصبيا طوال الوقت؟ هل كان مخطئا في تصوراته وأفعاله إلى هذا الحد؟ هل تشاجر مع «الحكيم» في أربع مرات من كل خمس لقاءات جمعت بينهما؟ وما حكاية هذا الصوت الغاضب والعالي الذي واجه به المشير عبد الحكيم عامر كل من تحدث إليه بمن فيهم رئيس الجمهورية؟
الأجوبة التي تطرحها الشاشة ليست وافية. المسلسل يقول إن عبد الناصر كان عصبيا وفي بعض مواقفه ضعيفا وكان يندفع وراء مبادئ ربما كانت محقة لكن ثقته بالبعض وعدم ثقته بالبعض الآخر وضعته أمام سلسلة إجراءات خاطئة. يقول إن الرئيس والمشير تشاجرا أكثر مما تحدثا بهدوء وأنهما اختلفا أكثر مما توافقا. يقول إن المشير كان مثل ذئب وحيد يحاول الخروج من مصيدة وضعته فيها التزاماته حيال عبد الناصر ومشروع الوحدة ومن ناحية أخرى ناتجة عن كرهه الشخصي لعبد الحميد السراج.
الأداء الذي بدا لافتا لسلمان والسمرة في البداية بدأ بدوره يرضخ لمنوال التكرار مع افتقار الإخراج إلى حلول جديدة للمشاهد المتكررة. حلول تحتوي على تنويع المشاهد كنبرة وكسياق وكمعالجة وكمونتاج. ما زال يطرح مسائل حساسة لكنه بات ينأى تحت ثقل موضوعه وعدم وجود منافذ في السيناريو يمكن بها مواجهة تكرار الأماكن والمشادات. لكن يبدو أن الصياح والمشادات أمر عادي بالنسبة للكثير من المسلسلات. في الحقيقة تبدأ الحلقة التاسعة من مسلسل «صاحب السعادة» بوزير الداخلية (شخصية خيالية) يصيح في وجه ابنه وينعته بالغباء والجهل ويكرر على مسامعه كلمة «يا حيوان».
هل هذا النوع من الحديث الصفة الغالبة في العلاقات بين العائلات أو هو ضرورة لتفعيل الدراما؟ اللافت أن شخصية عادل إمام في هذه الحلقات ما زالت تثير الاهتمام الذي بدأت به. صحيح أن التطورات التي تقع لا تشمل أحداثا تتطلب جهدا كبيرا لا في الحركة ولا في الأداء، لكنها تسير على منوال مثير للاهتمام. إنه رب الأسرة الكبيرة المؤلفة من عشرات الأفراد، بين بنات وأولاد وأزواج وأحفاد ومن البداية وهو يوحي بأنه الشخص الذي يمارس حضارة العلاقات الأسرية على نحو صحيح وملتزم. في الحلقة التاسعة من المسلسل يجمع أفراد العائلة ويجلس بينهم للتشاور في مسألة هجران زوجته (لبلبة) للبيت. يبدأ بخطاب قصير حول الوضع الحاصل ثم يبدأ بسماع ردود الفعل من بناته وبعض أزواجهن على نحو ديمقراطي. وتنتقل الكاميرا لتظهر هذا التوجه الديمقراطي فالأطفال يتكلمون معبرين عن فهم يسبق أعمارهم والشابات لديهن وجهات نظر معارضة لوجهة نظر الأب.
ثم وبلفتة ذكية لا بد من الإشارة إليها، يزيح رب الأسرة وعادل إمام (كلاهما واحد على أكثر من وجه) بيده ذلك الطقس الديمقراطي عندما يقرر أنه سيحل المسألة بخبرته وجهوده ويطلب التصويت على قراره. حين لا يرفع أحد من الحضور يده موافقا يقول «بالموافقة»، بذا يسخر من كل ما بدا أنه أسسه وبالتالي من الصورة الشخصية التي يمثلها.
لفتة ذكية لأنها نقد ذاتي قلما نجده ممارسا لدى أي ممثل في وزن عادل إمام. ومسألة أنه الشخصية والشخصية هو كانت دائما محط أخذ ورد بين مؤيديه ونقاده. لكن الحقيقة أنها باتت مسألة غير قابلة للعلاج وفي الوقت ذاته هي لم تعد تمثيلا. إنه هو نفسه وبجهده البالغ لتقديم شخصيته على نحو متكامل المواصفات. لا ننسى أنه أشبعنا درسا بأنه لا يزال يتمتع بممارسة الحب كل ليلة، ولا يفوتنا لون شعره الكستنائي الداكن (تكشفه الكاميرا) ولا ملابسه الرياضية الفاقعة كما لو كان يريد أن يؤكد لنفسه ولمشاهديه أنه ما زال شابا. وها هو في هذا المسلسل يطرح نفسه على نحو أنه سباق عصره في الممارسة الديمقراطية داخل البيت.
البعض قد يرد أنه يستطيع بالفعل أن يفعل ذلك لأن المنزل الذي يعيش فيه يشبه القصر. شخصيته تملك من الثراء ما يجعلها مميزة، لكن ذلك ليس صحيحا بقدر ما هو نمطي. ليس كل ثري يحرص على أن تعيش عائلته معه بكل مشكلاتها ولا هو مكترث لأن يبرهن لها ولنا أنه ديمقراطي ومصيب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».