{الزربية المزابية} وحُلي الطوارق في ضيافة سرفانتس في الجزائر

علبة حُلي المرأة الطارقية
علبة حُلي المرأة الطارقية
TT

{الزربية المزابية} وحُلي الطوارق في ضيافة سرفانتس في الجزائر

علبة حُلي المرأة الطارقية
علبة حُلي المرأة الطارقية

التقى أمازيغ الطوارق وبني مزاب بمعرض للحرفيين في معهد سيرفانتس الإسباني بالجزائر، حيث عرضوا مشغولاتهم، الزرابي المزابية (البسط المنسوجة يدويا) والمصوغات الفضية الطارقية.
الزربية (البساط) تنسجها المرأة المزابية في منزلها، وتتعلم حياكة البسط منذ طفولتها، تلازم أمها في المنسج لتتعلم نسج الزربية بزخرفة بني مزاب التي تميزهم عن غيرهم من الأمازيع، وما إن تكبر البنت حتى تنسج لوحدها البساط، وعندما تتزوج تنقل الحرفة إلى دارها، حيث تعلم ابنتها كما تعلمت هي من أمها.
يتوارث بني مزاب حرفة نسج الزربية جيلا بعد جيل، مما جعلها حية حتى اليوم، وتتميز الزربية الميزابية، بزخارفها وألوانها، فيمكن تمييز الزربية المزابية من بين مئات الزرابي كما قال العارض قاسم بن سليمان لـ«الشرق الأوسط»: «عندنا (موتيف - motif) زخرفة خاصة لبني مزاب، تتناقله الأجيال أبا عن جد، والألوان حسب طلب الزبون، ورسوم الزرابي متنوعة، وتختلف زخرفة (motif) بني مزاب عن نظيرتها زربية القبائل، ونحن نعرف الزربية من الموتيف بأي منطقة نُسجت».
قديما كانت حرفة نسج الزربية شاقة جدا، لأن المرأة المزابية تتولى العملية بداية من تنظيف الصوف بعد جزّ صوف الأغنام، ثم تقوم بغزله بمغزلها الخشبي، وتكبكبه للصباغة بألوان تستخرجها من حشائش الطبيعة. بعد تهيئة صوف النسج تقوم بالحياكة، وتكون قد اختارت الزخرفة المناسبة وتصميم توزيعها بالزربية. أما الآن ومع ظهور مصانع الغزل والنسيج أصبحت خيوط صوف الزربية تُباع في الأسواق، ولا داعي لتشقى المرأة المزابية بتحضير صوف الزربية كما كانت تفعل قديما - حسب بن سليمان.
ونفى بن سليمان أن تكون حياكة البسط (الزرابي) مهنة المطلقات والأرامل كما يشاع عن بني مزاب في اضطهاد المرأة، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «حياكة الزرابي هي تقليد ميزابي، وفي كل دار يوجد منسج الزرابي، تنسج المرأة حاجة البيت من الزرابي، والبعض يبيع الفائض كدخل للأسرة، وأصبح بيع الزرابي التقليدية يشكل دخلا لكثير من عائلات بني مزاب، ومن يقول إنها (مهنة المطلقات والأرامل)، هو عدو الجزائر، حتى لو قالها جزائري فالمرأة المزابية ملكة في دارها».
في منتصف مارس (آذار) يحتفل بني مزاب بعيد الزربية في ولاية غرداية شمال الصحراء الجزائرية، موطنهم الأصلي، حيث يُنَظْم معرض الزرابي، مع مهرجان فني، تُقَدِم الفرق الفنية المحلية عروضا موسيقية ورقصات تراثية تتميز بها منطقة بني مزاب. ولا تشارك المرأة المزابية بالمهرجان بأي شكل كان، كما قال قاسم بن سليمان «أبدا لا تشارك المرأة المزابية بمهرجان فيه رجال، فالاختلاط ممنوع عند بني مزاب، فهي تبقى في بيتها». وردا على ما يقال عن اضطهاد المرأة المزابية بأنها لا تخرج من منزل والدها إلا لبيت زوجها أو القبر، قال بن سليمان: «هذا الكلام افتراء على المرأة المزابية، فهي ملكة في مملكتها البيت، تتزوج برضاها وفق الشرع تتم مشاورتها، تدرس في المدارس وبالجامعة. أما الخروج للشارع وحضور مهرجانات فهو غير موجود في تقاليد بني مزاب».
وتنحجب البنت الميزابية عن الذكور غير المحارم ببلوغها سن الرابعة عشرة، وسن الزواج: للرجل 25 أو26 سنة، والبنت 20 و22 عاما. ولتخفيف نفقات الزواج على الشباب يُنظم بني ميزاب العرس الجماعي، ولا تتزين العروس بالحلي التقليدية لأنه كما قال بن سليمان: «ليس عندنا حُلي تقليدية للمرأة، كانت قديما حرفة الفضة خاصة ببني مزاب، تشبه حُلي الشاوية، لكنها اندثرت الآن».
على النقيض عند الطوارق الذين يعيشون في الصحراء الكبرى، في الجنوب الجزائري، تحتل المرأة الطارقية المقام الأول في العائلة. ففي الاحتفالات الدينية والتقليدية تشع المرأة الطارقية مرصعة بكل أشكال الحلي التقليدية، من مشط الرأس والأقراط والعقد والخلخال، تتبختر بحليها وملابسها الزاهية لتأخذ مكانها في صدارة الاحتفالات السنوية مثل «عيد السبيبة»، والذي يكون مناسبة للفرح الجمعي، حيث يلتقي الشباب والصبابا برقصات جماعية على أنغام موسيقى التندي، ترفرف المرأة الطارقية كفراشة ربيع، تُحلق مع الموسيقى، تحلم بفارس أحلامها، وغالبا ما تختاره في عيد السبيبة.
المرأة الطارقية سافرة الوجه، تكاد تطير بلباسها الفضفاض الزاهي، رافعة رأسها بشموخ، دون كلام فائض، هي سيدة الدار وعماده، تحظى بهذه المكانة الرفيعة، الأقرب «للعصر الأمومي»، لأنها ترعى بيتها والماشية في غياب الزوج، الذي تستغرق رحلته في الصحراء شهورا، وربما أعواما كما في الماضي عندما كانت وسيلة النقل الجمال. لهذا الدور الذي تقوم به المرأة الطارقية يُكرمها الرجل بصنع الحلي الفضية، ليقدمها هدية لها عرفانا، لذا الحرفيون رجال في صناعة مصوغات الحلي الطارقية.
وقال العارض الطارقي الصادق إسماعيل لـ«الشرق الأوسط» : أنا سعيد بحرفتي، أصنع الحلي الفضية للمرأة الطارقية، تلك هدايا تستحقها لما تقدمه من تضحية في رعاية أولادها وبيتها والماشية في غياب الزوج، وهو يقوم برحلات طويلة تستغرق أكثر من عام، ليتاجر مع دول الجوار لكسب الرزق». وعرض مشغولاته الفضية، من أطواق، وأحجار كريمة، بعضها لرد عين الحسود، وصليب الجنوب، والأساور، والخلخال، والحزام، والأقراط، والعقود المرصعة بالأحجار الكريمة.
في معرض الحرفيين في معهد سرفانتس اجتمع ما يمكن وصفه بـ«المتناقضين»، تشدد المجتمع الميزابي، وتحرر وانفتاح المجتمع الطارقي. وقالت سميرة مشرفة المعرض في معهد سرفانتس: «إن هدف هذه المعارض توثيق العلاقات بين الحرفيين الجزائريين والحرفيين الإسبان، وتبادل الخبرات بين حرفيي البلدين لتطوير الصناعات التقليدية».


مقالات ذات صلة

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

يوميات الشرق الاحتفال بمرور 70 عاماً على تأسيس معهد الدراسات القبطية (وزارة السياحة والآثار)

مصر تحتفي باللغة القبطية وتوثيق الحضارة الفرعونية 

احتفت مصر باللغة القبطية التي يجري تدريسها في المعهد العالي للدراسات القبطية التابع للكنيسة الأرثوذكسية المصري، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على إنشاء المعهد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج بجنوب مصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
TT

«القاهرة للسينما الفرانكفونية» يراهن على أفلام عالمية تعالج الواقع

تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)
تكريم عدد من الفنانين خلال افتتاح المهرجان (إدارة المهرجان)

بالتضامن مع القضية الفلسطينية والاحتفاء بتكريم عدد من السينمائيين، انطلقت فعاليات النسخة الرابعة من مهرجان «القاهرة للسينما الفرانكفونية»، الخميس، وتستمر فعالياته حتى الثاني من ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بعرض 75 فيلماً من 30 دولة فرانكفونية.

وشهد حفل الافتتاح تقديم فيلم قصير منفذ بالذكاء الاصطناعي، للتأكيد على أهمية تطويع التكنولوجيا والاستفادة منها في إطار تحكم العقل البشري بها، بجانب عرض راقص يمزج بين ألحان الموسيقار الفرنسي شارل أزنافور احتفالاً بمئويته، وموسيقى فريد الأطرش في ذكرى مرور 50 عاماً على رحيله.

وكرّم المهرجان المخرج المصري أحمد نادر جلال، والإعلامية المصرية سلمى الشماع، إلى جانب الممثلة إلهام شاهين التي تطرقت في كلمتها للتطور الذي يشهده المهرجان عاماً بعد الآخر، مشيدة بالأفلام التي يعرضها المهرجان كل عام من الدول الفرانكفونية.

وأكد رئيس المهرجان ياسر محب «دعم المهرجان للشعب الفلسطيني في الدورة الجديدة»، مشيراً إلى أن السينما ليست بمعزل عما يحدث في العالم من أحداث مختلفة.

وأوضح أنهم حرصوا على تقديم أفلام تعبر عن التغيرات الموجودة في الواقع الذي نعيشه على كافة المستويات، لافتاً إلى أن من بين الأفلام المعروضة أفلاماً تناقش الواقع السياسي.

جانب من الحضور في حفل الافتتاح (حساب إلهام شاهين على «فيسبوك»)

وشهد حفل الافتتاح كلمة للمستشار الثقافي للسفارة الفلسطينية بالقاهرة ناجي الناجي، أكد فيها على دور الفن في دعم القضية الفلسطينية، مشيداً بدور الأعمال الفنية المتنوعة في التعبير عن القضية الفلسطينية وعرض 14 فيلماً عنها ضمن فعاليات الدورة الجديدة للمهرجان.

وتضمن حفل الافتتاح رسالة دعم ومساندة للشعب اللبناني من خلال عرض الفيلم التسجيلي «ثالث الرحبانية» عن حياة وإبداعات الموسيقار اللبناني إلياس الرحباني، وحظي بتفاعل كبير من الحضور.

وقال المنتج الفلسطيني حسين القلا الذي يترأس مسابقة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة لـ«الشرق الأوسط» إن «السينما ليست مجرد مشاهدة للأفلام فحسب، ولكن ربط بين الثقافات والحضارات المختلفة»، مشيراً إلى طغيان ما يحدث في غزة على كافة الفعاليات السينمائية.

ويترأس القلا لجنة التحكيم التي تضم في عضويتها الفنانة التونسية عائشة عطية، والفنان المصري تامر فرج الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المهرجان ليس منصة فقط لعرض الأفلام السينمائية للدول الفرانكفونية، ولكنه مساحة للتعبير عن المبادئ التي تجمع هذه الدول، والقائمة على المساواة والأخوة والسعي لتحقيق العدل، الأمر الذي ينعكس على اختيارات الأفلام».

وعدّ الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين، المهرجان «من الفعاليات السينمائية المهمة التي تهدف لتعزيز التبادل الثقافي مع 88 دولة حول العالم تنتمي للدول الفرانكفونية، الأمر الذي يعكس تنوعاً ثقافياً وسينمائياً كبيراً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المهرجان يركز على استقطاب وعروض أفلام متنوعة وليس (الشو الدعائي) الذي تلجأ إليه بعض المهرجانات الأخرى».

وعبر عن تفاؤله بالدورة الجديدة من المهرجان مع أسماء الأفلام المتميزة، والحرص على عرضها ومناقشتها ضمن الفعاليات التي تستهدف جانباً ثقافياً بشكل بارز ضمن الفعاليات المختلفة.