طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

يشترون الضوء ويبيعونه لنا

انطلقت كعادتها أصالة وفضحت ما يجري في أحد المهرجانات الغنائية الكبرى، أكدت أنها غابت عن ثلاث دورات، لأن هناك من حاول (السمسرة)، والحصول على رقم 5 آلاف دولار من أجل أن يضع اسمها في برنامج الحفل، ربما لا يبدو رقماً كبيراً، في عالم الصفقات الغنائية التي تتجاوز بعضها الستة أصفار، إنه (المسكوت عنه) في عالم الغناء.
من يطالب أصالة بدفع هذا الرقم، ولها كل تلك المكانة في دولة الغناء والطرب العربي، فما الذي من الممكن أن يفعله مع فنان ليس له رصيد ولا إمكانيات؟ المؤكد أن الرقم سيتضاعف.
عالم الأغنية مرتبط عبر الزمن، بالكثير من تلك التفاصيل التي تجري أحداثها عادة (تحت الترابيزة)، الكل يتعامل معها باعتبارها شراً لا بد منه.
قبل نحو ثلاثين عاماً كشف الموسيقار الكبير كمال الطويل تحت قبة البرلمان المصري، وكان وقتها ممثلاً عن حزب الوفد، الكثير من الغبار، وأشار صراحة إلى عدد من المخرجين، مؤكداً أنهم يحصلون على أموال مقابل عرض أغاني المطربين على الشاشة، طبعاً تلك الحادثة قبل عصر الفضائيات، والأمر بعد دخولنا زمن (الستالايت)، من الممكن أن يزداد ضراوة.
يجب أن نذكر أن أكثر جائزة أحاطتها شبهات مماثلة هي (الميوزيك أوارد)، قال المطرب الإماراتي الشهير حسين الجسمي، قبل بضع سنوات إنهم ساوموه على دفع رقم كبير للحصول على الجائزة وفضحهم في (الميديا)، ورغم ذلك لا يزال كُثر من المطربين والمطربات يلهثون وراء تلك الجائزة.
هل سيتوقف المطربون عن المشاركة في مثل هذه المهرجانات أو في البحث عن جائزة؟ أبداً، ولكنهم سوف يجدون مبررات، مثل تلك المطربة الكبيرة التي قالت نعم إن هناك من يدفعون ثمن جائزة (الميوزيك أوارد)، إلا أنها أضافت، ولكني لم أدفع شيئاً وحصلت عليها لأحقيتي بها!
سؤال من المؤكد احتل مقدمة (الكادر)، ما هو شعور الفنان عندما يحصل على جائزة هو يعلم تماماً أنها مدفوعة الأجر؟ إجابتي من واقع معايشتي للوسط الفني، أن النجوم في نهاية الأمر يفكرون في شيء واحد، أن هناك لقطة لهم وهم يحتضنون الجائزة، ستنشر في كل صفحات التواصل الاجتماعي، وأن تلك اللقطة سوف تنضم مثل غيرها إلى (السي في)، وبين الحين والآخر سوف يتباهى الفنان بها أمام جمهوره ومعجبيه، ولا بأس أيضاً أن يذكرها النقاد وهم يشيدون بمواهبه الاستثنائية، وكيف استطاع أن يقفز فوق الحواجز ويتحدى العراقيل ليحقق تلك المكانة.
النجوم في جزء كبير من تكوينهم يعيشون عالم الوهم، موقنين أن الناس لا ترى كل التفاصيل، ولا تتابع كل الخلفيات، وكما قال الشاعر (وعين الرضا عن كل عيب كليلة). يكفي النجم أنه يعيش في عالم سرمدي من الوهم الذي ساهم هو في صنعه، وسوف يتغاضى محبوه عن أي ظلال سلبية تحيط بالصورة.
لا تنسَ مثلاً المطرب الشاب الذي نشر على صفحته قبل أربع سنوات، صورة لفتاة ظلت قعيدة لمدة عشر سنوات، وعندما حضرت حفلته الغنائية في تونس، هبّت من مقعدها الحديدي وأخذت تغني وترقص معه (عشرة بلدي).
المؤكد أن جمهوره الغفير صدق تلك الأكذوبة، لأن لديه استعداداً فطرياً لكي يصدق ما هو أكثر من الأكاذيب.
هم يطاردون الضوء ويدفعون أيضاً ثمن الضوء، على اعتبار أنهم بعد ذلك سوف يبيعون لنا الضوء بأعلى الأسعار!