أسئلة التنوير المقلوبة

أسئلة التنوير المقلوبة
TT

أسئلة التنوير المقلوبة

أسئلة التنوير المقلوبة

ستبقى أسئلة التنوير، أو بالأحرى عدم وجوده، مطروحة لأمد بعيد كما يبدو: لماذا تأخرنا وتقدموا؟ لماذا لم تبلغ النهضة العربية، أو إرهاصاتها الأولى، أهدافها، والمقصود مشاريع عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، وعلي عبد الرازق؟ ما أسباب الانسداد التاريخي الذي نعانيه؟ لماذا لم ندخل التاريخ بعد، بل لا نزال مرميين أمام أبوابه المغلقة؟ لماذا ما زلنا نعيش «وهم الحداثة»؟
يقول الزميل هاشم صالح، المنشور مقاله هنا، عن الموضوع نفسه، إن «العرب والمسلمين لن يدخلوا التاريخ ما لم تتغير عقليتهم القديمة وتتفكك يقيناتهم التراثية الجبارة التي أصبحت عالة عليهم وعلى العصر»، وأن أوروبا لم تدخل عصر التنوير «إلا بعد أن تحررت من قيودها التقليدية وأصفادها اللاهوتية».
وتذهب أغلب الدراسات التي تناولت موضوعة التنوير، وربما آخرها «سؤال الحداثة والتنوير بين الفكر الغربي والفكر العربي» لمجموعة باحثات جزائريات، في هذا المنحى.
وكل هذا صحيح، ولكنها أسئلة تقف على رؤوسها بدل أقدامها، فهي تتناول النتائج، أو انعكاسات التخلف والقمع في واقعنا من دون أن تتناول الأسس الذي أنتجها، وبذلك نبقى ندور في حلقة مفرغة، وتبقى الأسئلة معلقة: كيف نغير العقليات القديمة، واليقينات التراثية، وقيودها التقليدية؟ كل ذلك يبقى هائماً في فضاء التنظير. إنها كتابات تفسر الواقع، وتفككه، وتشير إلى نواقصه، بينما المطلوب هو تغييره. وهذا التغيير لا يمكن أن يحصل، كما علمنا التاريخ، إلا عبر السلطة. فالسلطات في البلدان غير المتطورة هي التي تشكل مجتمعاتها وليس العكس.
ولنتذكر هنا أن فكر فولتير وديدرو وجان جاك روسو ما كان ليهبط من سمائه، ويتجسد في الواقع، لولا الحامل السياسي، وهو الثورة الفرنسية. صحيح أن هذه الثورة الفارقة في تاريخ البشرية استلهمت أفكار هؤلاء في الحرية والمساواة والعدالة، ولكن هي التي حولت هذه الأفكار إلى واقع مادي، تغلغل أفقياً في المجتمع، ولم يبق محصوراً فوق.
ولنتذكر قبل الثورة الفرنسية مثالاً من تاريخنا هو العصر العباسي، الذي يمكن اعتباره عصر التنوير العربي الأول، ولا يزال الأخير لحد الآن. فقد عرف هذا العصر الحداثة بمعناها الحقيقي، إذ شهد ازدهاراً حقيقياً في العلم والأدب والفنون، والطب والصيدلة، والرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك، والبلاغة والترجمة... لقد أنتجت لنا تلك الحداثة المتنبي، والبحتري، وأبو تمام، وأبو نواس، ومن العلماء الخوارزمي، وابن الهيثم، وابن حيان، بالإضافة إلى ازدهار المدارس الفلسفية والفكرية والفقهية التي تآخت مع بعضها البعض لفترة طويلة من الزمن. ولكن ما كان لكل ذلك أن يتحقق من دون وجود نظام سياسي - اجتماعي أرسى الأسس الصالحة، ووفر البيئة الملائمة، وانخرط هو نفسه في عملية النهضة الشاملة، ونعني به نظام المأمون.
الأفكار مهما كانت عظيمة لا يمكن أن تتجسد اجتماعياً من دون رافع هو النظام السياسي.
هذا الحامل لم يتوفر عندنا للأسف. وإنما الأمر على العكس تماماً. فما شهدناه من إرهاصات حركة النهضة في مصر على يد الأفغاني وعبده وعبد الرازق، لم يجهضها غير انقلاب جمال عبد الناصر عام 1952، ليبدأ عصر الانقلابات العسكرية التي لم تنجح سوى في شيء واحد: عسكرة المجتمع، التي تحولت فيه الاستخبارات إلى قوة عليا فوق العلم والمعرفة. منذ ذلك الوقت، انقطع الحلم، ودخلنا مسارات مغلقة لم نخرج منها بعد.



سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.