هل هناك حقائق لا يكشفها غير الشعر؟

نظرة على تجربة الشاعر الإسباني خوزيه أنكِل فالِنتي

خوزيه أنكِل فالِنتي
خوزيه أنكِل فالِنتي
TT

هل هناك حقائق لا يكشفها غير الشعر؟

خوزيه أنكِل فالِنتي
خوزيه أنكِل فالِنتي

عطَّلت سنوات الحرب الأهلية الإسبانية (1936 - 1939) مسار الشعر في إسبانيا حتى منتصف القرن الماضي، فالكثير من الشعراء قُتلوا خلالها أو تشتتوا في المنافي، مما حدا بالشاعر ليون فليب أن يعلن من منفاه في المكسيك بأن «الشعر تخلى عن إسبانيا».
بعد انتهاء الحرب خرجت إسبانيا منهكة والكتّاب كانوا يواجهون الرقابة والقمع على يد نظام الجنرال فرانكو.
في هذا السياق أصبحت الاهتمامات السابقة قديمة ونائية، وأصبح الشعر مجزَّأً، إذ راح الشعراء يجربون مقاربات مختلفة لإعادة صياغة نتاجاتهم، فالكتّاب المعارضون للنظام طوروا شعرا احتجاجيا، وآخرون وجدوا ضالتهم في السوريالية أو الوجودية أو غيرهما. وقد سعى الكثير منهم إلى تبني أسلوب مباشر بديلا عن الأساليب القديمة التي بدت لهم مصطنعة وتفتقد خاصية البساطة التي يتميز بها الخطاب العادي. وأخيرا بدأ يظهر إجماع هش يرى أن الشعر هو حول التواصل بالدرجة الأولى، وتناول الهموم الاجتماعية والسياسية.
في هذا المشهد الأدبي المجزَّأ، نشر شاب تخرج للتو من جامعة مدريد ديوانه الشعري الأول: «بصيغة متفائلة، 1953 - 1954». إنه خوزيه أنكل فالِنتي. وقد فاز هذا الديوان بـ«جائزة أدونيس» للشعر، ثم كسب ديوانه الثاني: «أشعار للعازر، 1955 - 1960» «جائزة النقد».
ورغم أن فالِنتي كان في البدء مؤيدا لفرانكو، فإن فقدان والده حظوة النظام آنذاك، دفعه لاختيار المنفى مكانا للعيش، فذهب أولا إلى جامعة أكسفورد حيث درَّس الأدب الإسباني، وحصل هناك على شهادة ماجستير، ولاحقا أقام في جنيف وباريس حيث عمل مترجما لمنظمة الصحة الدولية واليونيسكو.
عام 1972 جرت محاكمة فالنتي غيابيا من قبل محكمة عسكرية إسبانية بسبب انتقادات وجهها للجيش. وقد عاد إلى إسبانيا عام 1986 بعد وفاة فرانكو بعشر سنوات، حيث استقر في الأندلس.
توفي الشاعر الإسباني فالِنتي في جنيف بمرض السرطان عام 2000 عن سن الحادية والسبعين.
يرى فالنتي الشعر بأنه «كشْف لجانب من الواقع لا يمكن الوصول إليه إلا عبر المعرفة الشعرية. وهذه المعرفة تُنتَج عبر اللغة الشعرية وتحقُّقُها يكون في الشعر».
ومع اطلاعه الواسع والعميق لأعمال الروائيين والشعراء من العصر الحديث فإن إتقانه للغات الرومانس السابقة للإسبانية المعاصرة مكنته من الاطلاع على الموروث القديم، كذلك ساعد اطلاعه العميق للأفلاطونية المحدثة وما أنتجته من أشعار وتأويلات فلسفية عبر القرون الوسطى على إغناء قصيدته بأبعاد جديدة توصلها بالديانات والثقافات العالمية المتعددة. ولعل ذلك واضح في الكثير من قصائده. تقول الأكاديمية المغربية فتيحة بن عبد الله، في أطروحتها عن الشاعر الإسباني فالِنتي إنه «عبَّر عن نفس الرؤيا التي نطلق عليها اسم البرزخ من خلال استرداد وإقرار وحدة المتضادات: الجسدي والروحي، المرئي وغير المرئي، ما يمكن قوله وما لا يمكن قوله».
يكتب توماس كريستنسن الذي ترجم نماذج من شعره في مقدمة كتابه «منظر طبيعي مع طيور صفراء» إن الشاعر فالِنتي بعد نزع الأسلوب الباروكي من الشعراء الإسبان القدامى تبنى بعضا من ثيماتهم وصاغها بلغة حادة وواضحة وقائمة في الحاضر». مع ذلك فإنه ظل دؤوبا على الاطلاع العميق للأدب والفكر الحديثين وهذا يظهر كثيراً في استشهاداته كتاباته النثرية إذ إضافة إلى كافكا، هناك أسماء مؤلفين آخرين من بينهم فريدريك هولدرين، وجيمس جويس وخوزيه ليما وبول سيلان وادموند جابيز.
ومع أن فالنتي لم يُقصِ الشأن الاجتماعي تماما من أشعاره، فإنه يراه ثانويا في الأهمية مقارنة بالاستكشاف الميتافيزيقي والفلسفي.
وفي هذه النماذج الشعرية نتلمس بعضاً من بصماته ورؤاه وكشوفاته، دون أن ننسى ضياع الكثير من عناصرها عبر الترجمة بما فيها الوزن والقافية والنسيج اللغوي الأصلي الذي كتبت به.
أول ليلة
وسِّعْ قلبكَ
اِجعله يُفلِس، اِجعله يَعمى،
حتى يولدَ فيه
الفراغ القوي
لما لا يمكن أبدا تسميته.
الليل يهبط
الليل يهبط.
القلب ينزل
سلالمَ لا متناهية،
أقبية شاسعة،
كي لا يجد غير الأسى.
هناك يستريح، هناك
يضطجع؛ هناك، مهزوماً،
يُضجِع كينونته.
يستطيع الإنسان
حملها على كتفيه
للصعود، بشق الأنفس، إلى أعلى ثانية
صوب الضوء:
هو يستطيع أن يمشي إلى الأبد،
يمشي...
أنت القادر على ذلك،
اِمنحنا قيامتنا اليومية!
قصيدة
كل الأشعار التي كتبتُها،
تعود إلى ليلاً
فتكشف أسرارها الأشد حلكة.
ثم تقودني
عبر ممرات بطيئة مملوءة
بظلال بطيئة ممتدة إلى عالم مبهم
لا أحد يعرفه
وحين لا يكون بإمكاني
العودة تسلِّمني المفتاح للغزٍ
في هيئة سؤال من دون جواب
فيُشعِل الضوء في عيني العمياوين.
أوجُ الأغنية.
البلبل وأنتَ
أخيراً سِيَّانِ.
مدخل إلى الرشد
عزلة.
خوفٌ.
هناك فراغٌ
خاوٍ، هناك مكان
من دون منفذ.
هناك أعمى
يجتاحه شوق بين نبضتي قلب،
بين موجتين
من أمواج الحياة هناك أمل
في أن تكون جميع الأبواب
مفتوحة على مصاريعها.
بين العين والشكل
هناك فجوة
قد يقع البصر عليها.
بين الإرادة والفعل تهبط
محيطات من الحلم.
بين نفسي وقدري جدار:
الاستحالة الضارية لما هو ممكن.
وسط عزلة كهذه تتظاهر ذراع قوية
بتوجيه لطمة لكنها لا تضرب شيئا.
في فراغ ما، في مكان ما - أين؟
وضد هجوم مَن؟
النفس لا تتعلق بأي شيء إلا بذاتها،
ضد الخوف، ضد التهديد، وضد التشاؤم.
المزهرية
المزهرية التي تحتوي على أسمى
شكل للواقع،
خُلقت من التراب،
كي تستطيع العين تأمل النضارة.
المزهرية الموجودة لغرض الاحتواء،
تفشل في الاحتواء فتتفتت،
ميتة. شكلها
موجود فقط هكذا،
رنانة عبقة.
المزهرية العميقة
ذات المنحنيات الدقيقة،
جميلة ومتذللة:
مزهرية وقصيدة.
إقرار
يجب أن أموت. ومع ذلك، لا شيء
يموت، لأنْ لا شيء،
لديه إيمان كافٍ
بقدرته على الموت.
اليومُ لا يموت،
بل هو يمرّ؛
ولا الوردة،
بل هي تذبل؛
والشمس تغرب،
لكنها لا تموت.
أنا فقط، الذي لامس
الشمس، والوردة، واليوم،
وله فكر،
أستطيع أن أموت.



فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
TT

فيلمان سعوديان يحصدان جوائز في «الفيوم السينمائي» بمصر

خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)
خالد ربيع خلال تسلّمه جائزة الفيلم السعودي (إدارة المهرجان)

اختُتمت، مساء الجمعة، فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي أُقيم بمحافظة الفيوم (100 كيلو جنوب القاهرة)، بحفل بسيط على بحيرة قارون، بحضور عدد من صنّاع الأفلام وأعضاء لجان التحكيم؛ حيث جرى إعلان جوائز مسابقات المهرجان الثلاث.

ومنحت لجنة تحكيم «المسابقة الدولية للفيلم الطويل» تنويهاً خاصاً للفيلم السعودي «طريق الوادي» للمخرج خالد فهد الذي تدور أحداثه حول شخصية الطفل «علي» الذي يعاني من متلازمة الصمت، فبعد أن ضلّ طريقه في أثناء توجهه لرؤية طبيب في قرية مجاورة، ينتهي به المطاف وحيداً في مكان ناءٍ، إلا أن سلسلة العقبات والتحديات لم تمنعه من اكتشاف العالم الذي ينتظره؛ حينها فقط أدركت عائلته أن ما يعانيه «علي» ليس عائقاً وإنما ميزة، منحته سيلاً من الخيال والتخيل.

ونال الفيلم المغربي «الثلث الخالي» للمخرج فوزي بنسعيدي جائزة أفضل فيلم بالمسابقة، وهو الفيلم الذي حصد جائزة أفضل إخراج بجانب حصول بطلَيه فهد بنشمسي، وعبد الهادي الطالبي، على جائزة أفضل تمثيل، في حين نال الفيلم الإيراني «كارون الأهواز» جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

وحصد الفيلم السعودي «ترياق» للمخرج حسن سعيد جائزة «لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الروائي القصير»، في حين حصل الزميل عبد الفتاح فرج، الصحافي بـ«الشرق الأوسط»، على جائزة أفضل فيلم تسجيلي قصير، عن فيلمه «العشرين»، الذي صوّره في شارع العشرين بحي «فيصل» في القاهرة الكبرى، وتدور أحداثه في 20 دقيقة.

الزميل عبد الفتاح فرج خلال تسلّم الجائزة (إدارة المهرجان)

ويتضمّن فيلم «العشرين» بشكل غير مباشر القضايا البيئية المختلفة، وجرى تصويره على مدار 5 سنوات، رصد خلالها فترة مهمة بعيون أحد قاطني الشارع، متناولاً الفترة من 2018 وحتى عام 2023، واحتضن المهرجان عرضه الأول في مصر.

وتسلّم عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة بالمهرجان الناقد السعودي خالد ربيع جوائز الفيلمين السعوديين نيابة عن صناع العملين الفائزين، في حين عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بالتعاون مع باقي أعضاء اللجنة خلال مشاهدة الأفلام، مشيداً بالأنشطة والفعاليات المتنوعة التي تضمّنها المهرجان.

وشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدّمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين شهد الاحتفاء بفلسطين بصفتها ضيف شرف، عبر إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها أفلام «من المسافة صفر».