اسمه الحقيقي فابيان مارسو. لكن الجمهور يعرفه بلقبه الفني: الجسد الكبير المريض. وهو لقب اتخذه بعد حادث طارئ كاد يصيبه بشلل كامل. واشتهر المغني بأنه يقدم نوعاً يسمى سلام «slam»، يعتمد على أداء نص شعري مع الموسيقى وبصوت رخيم. ونظراً لأنه نشأ في ضاحية شعبية على حدود العاصمة، فإن فابيان واصل التزامه بهموم المهاجرين وكرس موهبته للقضايا الإنسانية. لذلك لم يكن غريباً أن يؤثر فيه مشهد طفلة سورية تدعى عدنة، شاهدها تمد يدها على الرصيف في أحد أحياء شمال باريس، حيث تخيم عائلات لاجئة في الساحات والحدائق العامة. وقد أهداها إحدى أغنياته «عند الإشارة الحمراء». إن وجوه اللاجئين تتوالى في الشريط، وفي نظرات منهم قصة. ويقول مارسو إن «وراء كل عينين نلتقي بهما لثانيتين عند الإشارة الحمراء هناك حكاية لا تُصدّق».
تعرف المؤدي على فن الـ«سلام» وهو بعد مراهق، في أحد مقاهي حي كليشي الشعبي، شمال العاصمة. ولم يتصور أنه سيكون من مشاهير ذلك النوع الغنائي. فهو عاشق للرياضة، له قامة فارعة تقارب المترين طولاً، ساعدته أن يكون لاعب كرة سلة مع فريق للناشئة وأن يتوقع له مدربوه مستقبلاً رياضياً باهراً. لكن حياته اتخذت منحى حاسماً وحزيناً سنة 1997، بينما كان يشرف على مجموعة من الأولاد في معسكر صيفي. لقد قفز في بركة للسباحة لكن مستوى الماء كان ضحلاً وارتطم جسمه بالقاع وتزعزعت فقراته من مواضعها. ولما جرى نقله بطائرة عمودية إلى أقرب مركز طبي، حيث قرر الأطباء الذين أسعفوه أنه سيبقى مشلولاً طيلة حياته. كان في سن 17 عاماً وطالباً في سنته الجامعية الأولى. لم يستسلم للصدمة وساعدته مثابرته في التحسن والوقوف على ساقيه، بمساعدة العكاز، بعد سنتين من التمارين والعلاج الطبيعي.
عاد إلى الدراسة وحصل على شهادة في إدارة الفعاليات الرياضية وأن يعمل لمدة 4 سنوات في «ستاد دو فرانس». بدأ الشاب المعاق يكتب نصوصاً تعبر عن حالته ويؤديها بأسلوب مميز. وقد استوحى اسمه الفني «الجسد الطويل المريض» من واقع تلك الحالة. لكن أشعاره لم تكن حزينة بل مفعمة بالحب والأمل والتواصل الإنساني. ثم توسع مجال عروضه وبدأت حفلاته تلفت الانتباه، لا سيما بعد مشاركته في برنامج الفنان المغربي جمال دبوز لاكتشاف المواهب الجديدة. وفي تلك الفترة كان يظهر لتأدية بعض الأغنيات في القسم الأول من عروض مغني «الراب» الشاب مامي، أو الثنائي موسى وحكيم، من فريق «زبدة». وفي 2006 قدم فابيان مارسو، الشهير بالجسد الكبير المريض، أولى أسطواناته التي تضمنت أغنية حلت في المرتبة العاشرة من مجموع 200 أغنية على لائحة الأفضل مبيعاً. وهي السنة التي كشف فيها عن أفكاره السياسية وميوله اليسارية وأعلن تأييده للمرشحة الاشتراكية للرئاسة سيغولين روايال. وبعد ذلك النجاح طرح أسطوانته الثانية وكان عنوانها «طفل المدينة». وفيها كان أسلوبه يتبلور ويتطور، معتمداً على النصوص العميقة التي يكتبها بنفسه ووضعته بين فناني الصف الأول في فرنسا. واعتباراً من ذلك الوقت، بات يعرف بأنه فنان ملتزم بقضايا الإنسانية، وقد دعاه المغني الكبير شارل أزنافور لتأدية أغنية ثنائية معه.
بدأت الدعوات تنهال عليه للغناء في الدول الناطقة بالفرنسية، وكندا بالأخص. وافتتح المغني الشاعر ورشة للكتابة وتأليف الأغاني، في منزله بضاحية سان دوني الفقيرة، وكان يدعو شباب المهاجرين لينشر بينهم فن «سلام»، أي الكلام المعبّر والمغنى، ويشجعهم على التعبير عن أنفسهم من خلاله. وفي الوقت نفسه عكف على تسجيل تجربته في كتاب بعنوان «مريض»، سارداً فيه الدور الكبير لزوجته ولمجيء طفله يانيس في استعادته لشغف الحياة. كما حاول في أحد عروضه المسرحية استعادة أسطورة روميو وجولييت من خلال قصة حب تجري في الضواحي الشعبية وتجمع بين شاب وشابة من دينين مختلفين. أما أسطوانته الرابعة فكانت بعنوان «إن شاء الله» وشاركه فيها المغني رضا طلياني. وفي العام الماضي تم تحويل كتابه إلى السينما.
رغم شهرته الحالية، لم ينقطع المغني عن الوسط الذي نشأ فيه. وهو قد زار أخيراً مركزاً لإيواء اللاجئين في بلدة إيفري، الملاصقة لباريس، وهو الموقع نفسه الذي كان قد صور فيه أغنيته الموجهة للطفلة عدنة النازحة من سوريا. كما يواصل جولته في عدد من المدن لتقديم حفلات تنفد تذاكرها حال الإعلان عنها.
مغنٍ فرنسي يقدم نشيداً مؤثراً لطفلة سورية
«الجسد الكبير المريض» صادف عيني عدنة عند الإشارة الحمراء
مغنٍ فرنسي يقدم نشيداً مؤثراً لطفلة سورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة