إرهابيو «السوشيال ميديا»

اندهشت بشدة في الأيام القليلة الماضية عندما وجدت أكثر من صديق من أصدقائي على شبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وهم يكيلون الشتائم لمنتخبات بلادهم، وينعتونهم بأشنع الألفاظ، بعد خسارتهم في مباريات كأس العالم، بل ويبررون ذلك بكل قناعة وأريحية قائلين إن «الشتيمة من أساسيات تشجيع كرة القدم»، وهو ما جعلني أحمد الله أنني لست من عشاق الساحرة المستديرة.
كل هذا لم يؤرقني، فأنا أحاول قدر الإمكان أن أحترم أراء الغير وأدعم حريتهم الكاملة في التعبير عن هذه الآراء بأي أسلوب كان، ولكن ما أثار ضجري حقيقة هو أن هؤلاء الأشخاص سخروا من كل من يعارضهم في الرأي ووصفوه بأنه «لا يفهم في كرة القدم ولم يشجع كرة من قبل ومن الأفضل ألا يتكلم»، وهذا الرد، إلى جانب كونه «حجة البليد» الذي ليس لديه رد مقنع منطقي لما يقول، إلا أن الأزمة الأكبر بالنسبة لي هي أنه رد يحمل قدرا كبيرا من «الإرهاب الفكري»، فإن اختلفت معي في طريقة تفكيري، إذن فلديك قصور في الفهم ولن أمنحك شرف محاورتي أو التحدث معي!
الأمر لا يقتصر على الكرة فقط، فمجتمعاتنا مليئة بإرهابيي الفكر، الذين من حدة أسلوبهم في النقاش يحاولون إرهابك وإثناءك عن قول رأيك والتحدث بحرية في أمر ما.
وإلى جانب الأسلوب الحاد في الحديث، يستخدم هؤلاء الإرهابيون أسلحة أخرى بغرض إرهاب معارضيهم والحجر على حرياتهم، ومن بين هذه الأسلحة نبرة الصوت العالية و«الابتسامة الصفراء» الساخرة، بل إن هناك بعض الجمل المحفوظة في قاموس هؤلاء الأشخاص أشهرها «أنا قرأت في الموضوع»، وهي الجملة المثالية التي يستعين بها هؤلاء المثقفون المزعومون لإنهاء نقاشهم العقيم عند هذه النقطة.
وإرهابيو «السوشيال ميديا» لا يختلفون عن إرهابيي "القاعدة" و"داعش" إلا في زيهم وأسلحتهم، فهم إرهابيون «على الموضة»، إلا أن أسلحتهم قد تكون أشد فتكا من أسلحة "داعش" و"القاعدة"؛ فهي أسلحة نفسية تدمر الشخص بشكل بطيء وتسلبه حريته وحقه في التعبير عن آرائه ومعتقداته فتجعله مع الوقت يشعر بأنه «لا شيء».
لا أدعي الفضيلة ولا أنكر أنني يمكن أن أكون قد مارست هذا النوع من الإرهاب يوما ما، حتى دون أن أدري أو أشعر، ولكن أن يصل الأمر إلى تبرير أخلاقيات فاسدة وشتائم نابية واتهام من يعارض ذلك بأنه لا يفهم في الكرة لإثبات صحة الموقف، فهذا ما لا يمكن تقبله، فالأخلاق والمبادئ قواعد ثابتة لا يجب أن يغيرها زمان أو مكان أو أهواء شخصية، فهي يا سيدي... «أشياء لا تشترى».