المتطرفون الأجانب... عقدة الحل في الشمال السوري

عددهم بالآلاف... و«التركستاني» يتصدرهم تنظيماً وشراسة

عدد من مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يمثل «القوة الكبرى والأشرس» في الشمال السوري (رويترز)
عدد من مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يمثل «القوة الكبرى والأشرس» في الشمال السوري (رويترز)
TT

المتطرفون الأجانب... عقدة الحل في الشمال السوري

عدد من مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يمثل «القوة الكبرى والأشرس» في الشمال السوري (رويترز)
عدد من مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يمثل «القوة الكبرى والأشرس» في الشمال السوري (رويترز)

يمثل المقاتلون الأجانب المرتبطون بتنظيم «القاعدة»، العقبة الكبرى التي تواجه حل معضلة إدلب في الشمال السوري، وهو ما يتطلب جهوداً لإخراجهم من المنطقة، بدأ تنفيذها منذ نحو شهرين، حيث تقلص عدد الأجانب، ومنهم مقاتلو «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يمثل «القوة الأكبر والأشرس» حسبما يقول الخبراء.
ويحتل وجود المقاتلين الأجانب جدول أعمال خطط الحل لمعضلة الشمال الذي تجمع فيه المقاتلون المتشددون بدفع من النظام السوري وروسيا، ونُقلوا من مناطق الشمال ووسط سوريا ومحيط دمشق، وباتت قضية وجودهم «أساسية»، وسط أنباء عن حلول لإخراجهم من سوريا «تدريجياً»، بالنظر إلى صعوبة تسوية أوضاعهم كونهم من المرتبطين بالجناح المعولم لتنظيم «القاعدة».
ويقول الخبراء والمطلعون على أحوال الشمال السوري إن المتطرفين في إدلب اليوم ينقسمون إلى فئتين، الأولى تتشكل من أعضاء «جبهة النصرة» السوريين، وهم في معظمهم من المقاتلين ذوي «الأجندة المحلية»، بينما توجد في إدلب قيادات سورية تابعة لـ«القاعدة» بأجندات خارجية، وقيادات أخرى من المقاتلين الأجانب الذين تم استهدافهم على مدى 18 شهراً في حملتين كبيرتين، الأولى في أوائل عام 2017 إثر ضربات جوية أسفرت عن مقتل ما يزيد على 150 مقاتلاً، والأخرى قبل أشهر، فضلاً عن موجة اغتيالات داخلية قضت على جزء منهم، بينما تقلص عدد الآخرين بفعل الهجرة مرة أخرى وتقويض نفوذهم في ملاذات آمنة، أبرزها في جبال ريف اللاذقية الشرقي المتاخم لإدلب.
ويقول الباحث في قضايا المتشددين الدكتور عبد الرحمن الحاج، إن الحل مرتبط حكماً بحل معضلة المقاتلين الأجانب، موضحاً في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه في المرحلة المقبلة «سيكون البحث في وجودهم أساسياً»، لافتاً إلى أنباء عن خطط «لإخراجهم من سوريا بالتدريج ووفق جدول زمني غير بعيد»، في وقت تسود الأروقة المحلية مساعٍ لتسوية أوضاع الأقل تشدداً ومن الملتزمين في الأجندة المحلية.
ويشرح الحاج: «من المؤكد أن الجهود لحل قضية وجودهم هي جزء من خطة أكبر حُسم فيها أن بقاء المقاتلين الأجانب مستحيل، وإخراجهم هو شأن أساسي»، لافتاً إلى أن تركيا «ستسيطر على كامل المنطقة، وهي معنية بنزع فتيل الألغام التي يمثلها وجود المتطرفين، وهو ما يدفع جميع الدول المعنية للتوصل إلى تسوية في إدلب تقضي بإخراجهم».
ويرى الحاج أن هؤلاء «يشكلون عقبة أساسية أمام أي تسوية، وبالتالي لا بد من إخراجهم وتحييدهم عن العملية الجارية في إدلب» القائمة على تعديل وضع عناصر «النصرة» وتحويلها إلى تنظيم أقل راديكالية ليتلاءم وجودها مع المرحلة المقبلة.
ويوضح الحاج أن التعديلات في هيكلية «النصرة»، «تتطلب تعريفاً بالخطاب وتعديلاً في المشاريع وإخراج المقاتلين الأجانب» رغم أن وجود مشكلات لهم في خارج سوريا قد يعقّد الأمور ويجعل المهمة صعبة إلى حد كبير، كما يقول المطلعون. لكن الحاج يشير إلى أن الخطة «تقضي بإخراجهم تدريجياً»، لافتاً إلى أن شبكات التجنيد نفسها التي أدخلتهم إلى سوريا، تمتلك قنوات تهريب لإخراجهم منها، ولو أنها «عملية معقدة وبطيئة ومكلفة». أما مستويات الحل في الشمال السوري، فتتدرج من خطة مؤقتة ضمن اتفاق خفض التصعيد التي يرى الحاج أنها «تسوية محدودة هدفها الاستقرار ووقف إطلاق النار»، لكنها تمهد لعملية أكبر ستؤدي في النهاية إلى إخراج المقاتلين الأجانب. ويقول: «مع أن تجميد اقتحام إدلب من قبل النظام وبدعم روسي يعود إلى اتفاقات دبلوماسية وتقاطع مصالح دولي، إلا أن إيقاف احتمال اقتحام إدلب يتطلب إخراج الأجانب وهم من (القاعدة)»، فضلاً عن «تعديل هيكلية (النصرة) وتغيير خطابها، وهي جهود قد لا تأخذ وقتاً طويلاً»، مضيفاً: «في نهاية المطاف، عندما يتحقق التغيير التنظيمي لـ(النصرة) تكون كل العقبات أمام استقرار إدلب وتجنيبها الهجوم قد استوفت الشروط المناسبة». ويضيف: «المرحلة الثالثة تتمثل في تغيير بنية (النصرة) وهيكليتها لتصبح جزءاً من القوى المحلية».
ولم يعد يرى المتشددون أن مكوثهم في الشمال السوري سيدوم طويلاً، وتحسسوا ذلك من عدة مؤشرات أبلغها موجة الاغتيالات التي طالت صفوف القيادات من الصفين الأول والثاني، ساهمت إلى حد كبير في إضعاف قدراتهم. إضافة إلى ذلك، وجد المتشددون أنفسهم في موقع عزلة، إثر الهجمات التي خاضها هؤلاء ضد المقاتلين المعتدلين الذين منوا بخسائر أفقدت المتطرفين حاضنة شعبية، وهو ما جعل موقف «النصرة» وحلفاءها ضعيفاً إلى حد كبير، ودفعهم إلى الدخول في منطق التسوية مع القوى الموجودة لحماية أنفسهم، ودخلوا في عملية اندماج على مراحل قلصت إلى حد كبير مناطق النفوذ التابعة للمتشددين.
ويقدر خبراء عددَ المقاتلين الأجانب اليوم في إدلب من قيادات «القاعدة» بأكثر من ألفي مقاتل. كذلك، يوجد فصيل «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يُقدّر عدد مقاتليه بنحو 1200 مقاتل، ويمتاز هؤلاء بـ«الشراسة في القتال»، و«القدرة على حسم المعارك» إلى جانب الفصائل التي يقاتلون إلى جانبها.

{الحزب الإسلامي التركستاني} قريب من {النصرة} وقوامه {الإيغور}
> دخل «الحزب التركستاني» بقوة إلى جانب «تحرير الشام» في المواجهات مع «جبهة تحرير سوريا» و«صقور الشام» في شهر مارس (آذار) الماضي. وأفادت مصادر متطابقة أن «التركستان» القادمين من منطقة جسر الشغور والمدعومين بالمدرعات احتشدوا مع بعض كتائب «تحرير الشام» في ساحة باب الهوى، وبلدة سرمدا واقتحموا بالدبابات بلدات «ترمانين» و«معرة مصرين» في أعنف هجوم على المعتدلين في إدلب. وتمكنت «النصرة» خلال الهجوم المشترك المعاكس مع «التركستان» من السيطرة على أطمة وعقربات وكفر لوسين وقاح ودير حسان وحزة وترمانين ومعرة مصرين. وسبق أن وقف الحزب التركستاني إلى جانب «هيئة تحرير الشام» في المعركة ضد «حركة أحرار الشام» في أوائل العام الماضي، إذ ساعد الحزب في قلب موازين تلك المعركة لصالح الهيئة، حسب فصائل معارضة.
ولمع نجم التركستان في ربيع عام 2014، حين تصدروا الهجوم على قوات النظام السوري، وأفضى إلى سيطرتهم على مطار أبو الظهور العسكري في ريف إدلب الشرقي. لكن النظام، قاد في أواخر العام المنصرم هجوماً مضاداً استعاد خلاله السيطرة على هذا الجيب الصحراوي الواسع الممتد في مثلث أرياف حلب الجنوبي، وحماة الشمالي الشرقي، وإدلب الشرقي. وعليه، اضطر التركستان إلى الخروج من المنطقة والدخول إلى عمق إدلب، رغم أن هؤلاء يتخذون من منطقة ريف اللاذقية الشرقي ملاذاً لهم منذ وصولهم إلى سوريا.
ويعد «الحزب التركستاني» من التشكيلات المتشددة العاملة على الساحة السورية وأكثرها تنظيماً، ويتشكل من المقاتلين الصينيين «الإيغور»، وعُرف عنه قربه العقائدي من «جبهة النصرة» و«جند الأقصى» سابقاً. ويتحدر «الحزب الإسلامي التركستاني»، الحزب المؤسس لفرع سوريا، من منطقة «تركستان الشرقية” أو ما يُعرف بـ«شينغياننغ» غرب الصين ذات الأغلبية من عرق الإيغور، وينتمون إلى الحركة الشرقية التي أسسها حسن معصوم في تسعينات القرن الماضي. ووصل مقاتلو الحزب المصنف على قوائم الإرهاب في عدد كبير من دول العالم، إلى الأراضي السورية قادمين من باكستان، حيث التحق الكثير منهم بتنظيم «داعش»، واستقر المئات في منطقة سهل الغاب وجسر الشغور، وتربطهم علاقة وطيدة بـ«تنظيم القاعدة» حيث يدين قائدهم الثاني «عبد الحق التركستاني» الذي خلف «معصوم»، بالولاء لـ«القاعدة» وكانت تربطه علاقات قوية بالملا عمر.



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.