برنارد لويس... بطريرك الاستشراق

غرس بذور الأصولية وحصد الغرب من ورائه مرارة الكراهية

برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)
برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)
TT

برنارد لويس... بطريرك الاستشراق

برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)
برنارد لويس في حديث يعود إلى 2001 مع «الرئيس التنفيذي» لحكومة أفغانستان عبد الله عبد الله (أ.ف.ب)

ربما لم يثر رحيل أحد من المفكرين الكبار مؤخرا ضجة مثل تلك التي أثارها رحيل برنارد لويس الأستاذ الفخري لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برنستون الأميركية، والملقب ببطريرك الاستشراق منذ أن وضع رسالته العلمية الأولى عن «الطائفة الإسماعيلية وجماعة الحشاشين»، وقد اشتهرت مؤلفاته الكثيرة من عينة «العرب في التاريخ»، «الإسلام والغرب»، «تشكيل الشرق الأوسط الحديث»، «الإسلام في التاريخ»، «يهود الإسلام»، «مستقبل الشرق الأوسط»، «ما الخطأ»، «أزمة الإسلام».
الملاحظ أن لويس المولود في إنجلترا لعائلة يهودية اشكينازية من الطبقة الوسطى قد وضع في بدايات حياته منطقة الشرق الأوسط والدين الإسلامي كهدف بحثي رئيسي لمنهجه على أمل أن يصل ذات يوم إلى رقي أفكار أستاذه المستشرق الفرنسي الكبير «لويس ماسينيون» في تاريخ الشرق الأوسط.
غير أنه حين اندلعت الحرب العالمية الثانية ترك لويس مسار التعلم الجامعي الذي كان قد بدأه للتو ليعمل ضابطا في الاستخبارات العسكرية البريطانية، ثم عاد غداة انتهاء الحرب إلى منصبه كأستاذ محاضر في جامعة لندن، رغم أن الكثيرين من معارفه يؤكدون على استمرار صلاته بالمؤسسة الاستخباراتية البريطانية ومن بعدها الأميركية حتى وفاته.
أحد الأسئلة التي واكبت حياة لويس وربما تبعت موته: «لماذا حمل الرجل على العالم الإسلامي وعلى المسلمين على هذا النحو، فقد كان سببا رئيسيا في تنامي التيارات الأصولية اليمينية في الداخل الأميركي من جهة، عطفا على أنه يعد صاحب فكرة أسلمة أوروبا، الأمر الذي استدعى صحوة التيارات القومية واليمينية الأوروبية، تلك التي نجح بعضها، فيما البعض الآخر على الطريق في الوصول إلى مقاعد الحكم في عدد من الدول الأوروبية؟
الجواب مرتبط ارتباطا جذريا بهوية لويس وهل كان الرجل مفكرا ومؤرخا، أم منظرا لسياسات إمبريالية بعينها، خدمت المنطلقات الغربية في التعاطي مع الشرق الأوسط خاصة، والإسلام عامة حول العالم وطوال أكثر من سبعة عقود أضحى فيها لويس مثل الإله الروماني «جانوس» الذي يحمل وجهين... إنسانا وإلها، فقد عرج لويس كثيرا بين دور المؤرخ الذي يتحتم عليه الموضوعية والحياد حين تناوله قضايا التاريخ، وبين صاحب الرأي المنحول عادة والذي يحمل عداء مجانيا للعرب والمسلمين، ويضعهم في أسفل السلم الإنساني، في رؤية عنصرية قريبة جدا من السلم البشري الذي قال به هتلر ذات مرة ووضع فيه القرود في درجة مرتفعة عن الهنود.
لا يمكن بحال في بضعة سطور أن نناقش آراء لويس وأطروحاته والتي تصدى وتحدى لها عدد كبير من رجالات الفكر العربي، وجميعهم يذهب في طريق نقد أو نقض آرائه العنصرية، غير أن ما يهمنا هنا هو التركيز على الدور الذي لعبه في تأجيج نيران الكراهية التي ولدت وأشعلت تاليا ظاهرة الإسلاموفوبيا في قلوب ونفوس شرق الأطلسي وغربه منذ ستينات القرن الماضي.
عرف جيدا لويس وهو ربيب الاستخبارات البريطانية التي تمثل العقل الكبير للمؤسسة الغربية في تعاطيها مع الشرق وجله إسلامي أن العدو لا بد منه لكي تبقى الشعوب متيقظة، وعليه فإنه أصل بشكل واسع لحتمية تاريخية - وإن كانت حتمية زائفة – مفادها عداوة الإسلام للمسيحية واليهودية، ورفض الإسلام لغيره من الأديان والثقافات، ومن هنا بسط لا سيما في عقول العوام فكرة عداء المسلمين للسامية، وفي وقت تلا الحرب العالمية الثانية حيث كان العالم لتوه قد خرج من واحدة من أشد النكبات الإنسانية التي ارتكبها الغرب الذي يطلق عليه مجازا «المسيحي» ضد اليهود في اوشفيتز، تلك المحرقة التي أدانها العالم الإسلامي قديما وحديثا.
هيأ لويس الأرضية لفكرة العداء التاريخي من قبل المسلمين لكل ما هو غربي يهودي أو مسيحي، بل يرجع إليه تعبير «كفاح المسلمين الألفي» بمعنى نوايا المسلمين لإعلان الحرب على العالم المغاير لهم دينيا، لا سيما الحاضنات الأوروبية والأميركية والتي يمكن لها أن تستمر لألف عام حتى يتمكنوا من غزو شعوب تلك الدول وأسلمتها، وهو ما جعل حالة القلق النظري تنتقل في لحظة زمنية معينة إلى حروب وأخبار حروب.
حجر الزاوية الذي أرساه لويس كتب عليه أن المسلمين أقوام لا يحسنون استيعاب ما اقتبسوه من الغرب، وقد تناسى عمدا وهو المؤرخ بالضرورة ما كان من فضل سابق للحضارة العربية على أوروبا، أو كيف ساهم العلماء العرب في رفع شأن مستوى الحياة الغربية عبر الاختراعات والمكتشفات التي قدموها للإنسانية دون الوقوف عند عرق بعينه أو شعب بذاته.
اتهامات لويس العنصرية تمضي في سياق العرب الذين باءت – على حسب تقديره - مساعيهم للحق بركب المدنية الحديثة، مدنية الغرب، بالفشل الذريع فراحوا يبحثون عن «كبش فداء»، هنا وهناك، لتبرير تخلفهم، وعجزهم وقصورهم، ويصبون جام غضبهم على الغرب، دون أن يدركوا ما وقعوا فيه من أخطاء تتمثل في رفض الحضارة الغربية والعداء للسامية وينتهي إلى نتيجة واحدة، قاسية كلماتها... المسلمون أوغاد بطبعهم، يكرهون الآخر، ويرون ذبح الغرب واليهود أمرا طبيعيا لتعويض الدونية والقصور الذي يعيشونه في حاضرات أيامهم.
حين نطلق على لويس بطريرك الاستشراق فمرد ذلك أن الكثير مما قال به مرفوض من وجهة النظر التاريخية، سيما وأنه يضع المسلمين في قالب ثابت سرمدي لا يتغير ولا يتبدل، مهما تغيرت الظروف البيئية أو تعدلت الأجواء الإنسانية.
أفضل من قدم أطروحات لنقد لويس اثنان، آلان جريش الكاتب والصحافي الفرنسي الشهير، والآخر الدكتور إدوارد سعيد المفكر الفلسطيني الأصل العروبي النزعة والأميركي الجنسية.
تهكم «جريش» طويلا على لويس بالقول بأنه يتوجب على علماء البيولوجيا ووظائف جسم الإنسان، البحث عن «جينة الإسلام»، بمعنى أنه لدى المسلمين فقط دون غيرهم هذه الجينة التي تحمل بذور العنف والشر والكراهية، بل والتخلف والفوضى، وهي لا توجد عند غيرهم من شعوب العالم.
يؤكد جريش أن لويس هو الأب الروحي لـ«صموئيل هنتنغتون» صاحب رؤية صدام الحضارات، سيما وأن كليهما يخلص إلى أن العرب والمسلمين يكرهون الغرب ليس بسبب أفعال الشعوب الفرانكوفونية أو الأنجلوفونية، بل لأنهم يرفضون قيم الحرية بعد أن فقدوا قوتهم وقدرتهم ومنعتهم التي كانت لهم في التاريخ يوما ما.
القول المتقدم لبرنارد لويس قول مزيف جملة وتفصيلا، ذلك أن هناك من المبررات العقلية التي دفعت جزءا كبيرا من العرب والمسلمين لرفض منهجية الغرب السلطوية الكثيرة جدا.
على سبيل المثال لا الحصر هل كان تأميم شركة قناة السويس في مصر بسبب كراهية المسلمين للغرب؟ هل الانتفاضات الفلسطينية ضد سلب أراضيهم سببها تلك الكراهية؟ المقاومة للاحتلال الأميركي للعراق هل سببها الحقد الأخلاقي أو الآيديولوجي؟ بل الصراع في كوسوفو والبوسنة هل كان منشأه فقدان مشاعر الود وإحلال الكراهية موضعها وموقعها؟
الرفض العربي والإسلامي منطقه غالبا الظلم التاريخي الذي حاق بالمنطقة وشعوبها عبر مرحلتين استعماريتين الأولى بقوة السلاح في القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، والمرحلة الثانية ماضية قدما إلى اليوم والاحتلال فيها بأدوات وآليات مغايرة منها الإعلامي وفيها الاقتصادي، وتسخير المجتمع الدولي لتحقيق رغبات الكبار.
كارثية لويس التي فضحها بمنهجية علمية وعقلانية الراحل الدكتور إدوارد سعيد تتصل بالتنميط القاتل للعالم الإسلامي وللمسلمين، فقد وضعهم لويس جميعا في سلة واحدة عبر حالة استاتيكية، بمعنى أنهم لا يتغيرون ولا يتبدلون عبر الأزمنة أو الأماكن، فيما يشبه الجمود الحتمي وكاهل الكهف وصاحبهم الرقيم، الأمر الذي يجافي وينافي حركة التاريخ.
كتب سعيد ذات مرة مقالا يتوجب الرجوع إليه وقراءته بعين محققة ومدققة من جديد، وقد كان عنوانه: «الإسلام من خلال عيون غربية» يشير فيه إلى الدور الكارثي الذي لعبه لويس وأمثاله من تلك الجماعة التي تفتخر بأنها نخبة الغرب الفكرية، ذلك أنه كان ملقى على عاتقهم توضيح صورة الإسلام والمسلمين بطريقة علمية موضوعية وتهذيبها في عيون الشعب وكذا صناع القرار، إلا أن هؤلاء جذروا الصورة المشوهة والمغلوطة للإسلام كتهديد للغرب من رؤية «زيجينو بريجنسكي» في خلال الأزمات إلى نظرية لويس عن عودة الإسلام، وكلهم يجمعون على رسالة واحدة «.. الإسلام ضد الإنسانية ومعاد للسامية ولا عقلاني».
خلال عقود كان لويس هو العقل المفكر للدولة الأميركية العميقة، والحديث في هذا السياق يحتاج إلى مؤلفات قائمة بذاتها، ويكفي الإشارة إلى أنه الرجل الذي تحدث إلى الكونغرس الأميركي باكرا جدا عن حتمية تفكيك الشرق الأوسط ودوله بصورتها الحالية وإعادة خلق واقع جيوسياسي مغاير، اصطلح البعض على تسميته «سايكس بيكو 2»، كان ذلك عام 1983. وفيما يؤكد لنا الدور الكبير في تأجيج أصولية المنطقة فقد عمد لويس إلى ضرورة استخدام الجماعات التي كان هو أول من أطلق عليها في منتصف سبعينات القرن الماضي «جماعات الإسلام السياسي» كمخلب قط لإسقاط دول المنطقة، الأمر الذي يعود بنا إلى دائرة تاريخية قديمة تربط بين الاستخبارات البريطانية والجماعات الأصولية في الشرق الأوسط بدءا من الإخوان المسلمين مرورا بالقاعدة ووصولا إلى «داعش».
والأكثر غرابة أن الرجل يستثني دولتين من مصير التفخيخ المحتوم... إسرائيل وتركيا ويشير إلى أنه ينبغي الحفاظ على استقرارهما وقوتهما واستقلالهما والاعتماد عليهما. المسطح يضيق عن الاستطراد ويدفعنا دفعا إلى الرحيل إلى أوروبا تلك التي أرعب لويس سكانها وألقى بهم في يم الأصولية المتطرفة حين سطر مقاله المنحول أيضا في صحيفة الواشنطن بوست: «أوروبا والمسلمون: ناقوس الخطر القادم»، حيث هدد الأوروبيين بأن قارتهم العجوز سوف تضحى قارة مسلمة مع العقود القادمة، وبحلول نهاية القرن الحادي والعشرين على أقصى تقدير، وعنده أن الأعداد المتزايدة من المهاجرين المسلمين إلى أوروبا سوف تفعل فعلها وبخاصة في ظل ميل المسلمين لإنجاب أكبر عدد من الأفراد، إضافة إلى تأخر الأوروبيين في سن الزواج وعزوفهم عن الإنجاب، أو في أفضل الأحوال إنجاب طفل واحد.
أدخل لويس الذعر في نفوس الأوروبيين حين تناول إشكالية الولاءات السياسية، والهويات التي يمكن أن نطلق عليها الروحية والدينية، إذ روج بين الأوروبيين أن المسلم في أوروبا سيظل ولاؤه وانتماؤه عرقيا دينيا وأيديولوجيا بأكثر من ولائه السياسي، وفي التحليل بهذه الصورة ولا شك ربط بالنتيجة المسبقة وهي أن المسلمين قوة تدمير لا أدوات تعمير، وعليه فإنه هو الأصل في حالة الانتفاضة الأصولية اليمينية التي عرفها الشارع الأوروبي والتي يعتبرها الملايين هناك صحوة في مواجهة موجة الهجوم الثالثة على أوروبا التي تناولها لويس بالتوضيح والتشريح ضمن استعادته لعلاقة أوروبا مع الإسلام عبر خمسة عشر قرنا خلت.
رحل لويس بعد أن زرع بذور الشقاق والفتنة الأصولية من جديد، وكأنه «دو مونتكروتشي» يبعث ثانية من القرون الوسطى، وفي وقت يحتاج العالم فيه للوفاق لا الافتراق وللحوار والجوار عوضا عن الكراهية وإحياء الخصومات.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».