ضمانات لحماية الصحافيين من القضبان في مصر

البرلمان يناقش 3 مشاريع لتنظيم الصحافة والإعلام

ينص القانون المقترح على عدم وجود عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر إلا في حالات التشويه المتعمد وهي العبارة التي اعتبرها مراقبون «فضفاضة»
ينص القانون المقترح على عدم وجود عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر إلا في حالات التشويه المتعمد وهي العبارة التي اعتبرها مراقبون «فضفاضة»
TT

ضمانات لحماية الصحافيين من القضبان في مصر

ينص القانون المقترح على عدم وجود عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر إلا في حالات التشويه المتعمد وهي العبارة التي اعتبرها مراقبون «فضفاضة»
ينص القانون المقترح على عدم وجود عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر إلا في حالات التشويه المتعمد وهي العبارة التي اعتبرها مراقبون «فضفاضة»

ثلاثة مشروعات قوانين ستساهم، في حال إجازتها، في تحسين حال الصحافيين والإعلاميين في مصر. المشروعات تتضمن ضمانات غير مسبوقة لحمايتهم، وتأخذ في عين الاعتبار الصحافة الإلكترونية، لأول مرة.
بدوره، ناقش مجلس النواب المصري في جلسته العامة، أمس، مشروعات القوانين الثلاثة التي أعدتها لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، لتنظيم مهنة الصحافة والإعلام، وهي: قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى للإعلام، وقانون الهيئة الوطنية للصحافة، وقانون الهيئة الوطنية للإعلام. وفاجأ إعلان النواب عن تقسيم مشروع قانون الصحافة الموحد إلى 3 قوانين، الجهات العاملة في المجال، خصوصاً أن مشروعات القوانين في صورتها النهائية لم تعرض على النقابات والهيئات المنظمة لصناعة الصحافة والإعلام، قبل مناقشتها في الجلسة العامة في البرلمان.
وأعلن النائب أسامة هيكل، رئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، ملامح مشروعات القوانين الجديدة، وقال في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشروعات القوانين تتضمن ضمانات غير مسبوقة لحماية الصحافيين والإعلاميين»، وأضاف: «هذا أول قانون يتضمن نصوصاً محددة تحقق التوازن بين حقوق الصحافيين والإعلاميين وبين الجمهور، وأن تكون المحاسبة بعيدة عن الإدارة، إضافة إلى تشريعات للمواقع الإلكترونية للمرة الأولى».
وأوضح هيكل أن القانون ينص على «عدم تفتيش مسكن الصحافي إلا في وجود عضو نيابة، كما ينص بوضوح على عدم وجود عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر، إلا في حالات التشويه المتعمد، التي يتم المحاسبة فيها وفقاً لقانون العقوبات».
واعتبر مراقبون عبارة «التشويه المتعمد» عبارة فضفاضة تتيح الالتفاف على النص القانوني، الذي يحظر حبس الصحافي في جرائم النشر، وتقلل من مساحة حريته.
ووفقاً لتقرير لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب، فإن اللجنة استطلعت آراء 8 جهات في مشروع قانون تنظيم الصحافة الموحد، وهي: المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، وجهاز تنظيم الاتصالات، ونقابتا الصحافيين والإعلاميين، وجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، وغرفة صناعة الإعلام، كما عقدت 39 اجتماعاً لمناقشته، وانتهت إلى تقسيمه إلى 3 قوانين بالاتفاق مع الحكومة، وبإقرارها سيلغى العمل بقانون رقم 92 لسنة 2016 الخاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام.
وقال حمدي الكنيسي، رئيس اللجنة التأسيسية لنقابة الإعلاميين، لـ«الشرق الأوسط»، إنه «فوجئ بتقسيم مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام إلى 3 قوانين»، مشيراً إلى أن «النقابة أرسلت تصورها وملاحظاتها على القانون الموحد، وكان لا بد من إجراء حوار حول المشروعات الثلاثة الجديدة قبل مناقشتها في الجلسة العامة بمجلس النواب».
وهو ما أكده الكاتب الصحافي محمد سعد عبد الحفيظ، عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين، لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً إن «النقابة لم تعرض عليها المشروعات الثلاثة في صورتها النهائية، وكان يجب مناقشتها قبل طرحها للنقاش في الجلسة العامة لمجلس النواب».
من جانبه قال هيكل: «أخذنا رأي الجميع، وكنا حريصين على تمثيل الجميع، والموضوع استغرق فترة طويلة في المناقشات».
وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن «جهات رسمية في مصر اعترضت على مساحة الحريات في مشروع القانون الموحد، وكانت لديها اعتراضات على أداء الهيئات الوطنية للصحافة والإعلام، فطالبت بوضع قوانين تتيح إعادة تشكيلها من جديد».
ويقلص القانون عدد أعضاء الهيئات المنظمة للصحافة والإعلام من 13 عضواً إلى 9 أعضاء. عن ذلك، قال هيكل: «بالتجربة العملية بعد مرور نحو عام على تشكيل الهيئات الثلاث، وعقب دراسة عملية تنظيم الإعلام في العديد من الدول، من بينها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وجدنا أن القانون الفرنسي هو الأقرب لنا في مصر، و(المجلس الأعلى السمعي والبصري) الذي ينظم عمل الإعلام في فرنسا يتكون من 7 شخصيات عامة، في حين تضم الهيئات الثلاث في مصر 39 عضواً».
وأضاف أن «التعيين في هذه الهيئات سيتم عبر ترشيحات من جهات محددة في القانون، تختار منها رئاسة الجمهورية»، مشيراً إلى أن «جميع الهيئات سيتم تغييرها، خصوصاً بعد أدائها السيئ مؤخراً». وحول حرية تداول المعلومات قال إن «القانون وضع ضوابط تلزم المؤسسات المختلفة بحرية تداول المعلومات، وبنود القانون منصفة ومتوازنة جداً».
ورغم تحفظ بعض الجهات على تقسيم القانون، وعدم طرحه للحوار المجتمعي في صورته النهائية، إلا أنهم أشادوا ببعض البنود التي تتضمنها مشروعات القوانين، خصوصاً تلك المتعلقة بحماية الصحافيين والإعلاميين، حيث يتضمن قانون المجلس الأعلى للإعلام عقوبات بالحبس على من يتعدى على الصحافي أو الإعلامي أثناء أو بسبب عمله، إضافة إلى غرامة تصل إلى 20 ألف جنيه، وألا يكون رأي الصحافي سبباً في مساءلته، كما لا يجوز إجباره على إفشاء مصدر معلوماته، إضافة إلى بعض النصوص الخاصة بحرية وتداول المعلومات.
وقال الكنيسي إن «من أهم البنود في القانون هي تلك المتعلقة بعدم وجود عقوبات سالبة للحرية، وفصل الإدارة عن التحرير أو الممارسة الإعلامية، وإن كان لدينا بعض الملاحظات على الصلاحيات الممنوحة للمجلس الأعلى للإعلام، التي ينطوي بعضها على تدخل في استقلالية الهيئات الأخرى».
وقال هيكل إن «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سيتولى الإشراف على تراخيص الإعلام المسموع والمرئي والإلكتروني الخاص، ثم يراقب ويحاسب وسائل الإعلام القومية والتابعة للدولة، والإعلام الخاص».
وحدد مشروع القانون 24 اختصاصاً للمجلس الأعلى للإعلام، من بينها: منح ترخيص مزاولة النشاط الإعلامي لوسائل الإعلام المسموعة والرقمية، وتلقي إخطارات بإنشاء الصحف، ووضع وتطبيق الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحافية بأصول المهنة وأخلاقياتها، واتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية في حال مخالفتها للقانون أو لمواثيق الشرف، وغيرها.
وقال هيكل إن المشروع يتضمن 4 نقاط مهمة، وهي: فصل الإدارة عن التحرير في الصحف والمؤسسات القومية، وسيطبق هذا البند على الجميع بما في ذلك وكالة أنباء الشرق الأوسط، بحيث لا يجمع بين وظيفتي رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير، كما يتضمن فصل الإدارة عن المحاسبة، لإنهاء فوضى الإنفاق، من خلال النص على تشكيل جمعيات عمومية للصحف القومية، تتولى تقديم تقارير محاسبية للجهاز المركزي للمحاسبات، وهذا يعني أن مجلس الإدارة سيحاسب بدقة، ويمكن للجمعية العمومية سحب الثقة منه في أي وقت حال فشله في إدارة موارد المؤسسة، وجميع المؤسسات أصبحت ملزمة بنشر ميزانياتها. وأضاف أن «مشروع القانون يتضمن أيضاً نصوصاً خاصة بحماية الإعلانات على المواقع الإلكترونية، وتحصيل ضرائب على هذه الإعلانات»، معترفاً بـ«صعوبة تحصيل الضرائب عن إعلانات المواقع»، ومؤكداً أن «الجميع سيدفع الضرائب وإلا سيحاسب بتهمة التهرب الضريبي». وأكد: «نحن لا نستهدف أحداً أو أسماء أو أشخاصاً بعينها، وإنما نستهدف المصلحة العامة، واستفدنا في وضع بنود القوانين من أخطاء المؤسسات الغارقة بالديون».
وقال الدكتور محمود علم الدين، أستاذ الإعلام، وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «القانون يحاول الموازنة بين السياق العام الذي تعمل فيه وسائل الإعلام، وبين حرية وضمانات العمل الإعلامي، ويضع ضوابط عمل الهياكل التنظيمية المسؤولة عن وسائل الإعلام»، واصفاً مشروعات القوانين الثلاثة بأنها «خطوة جيدة ومحاولة لتحقيق التوازن». وقال حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، في بيان صحافي، إن «مشروع القانون الجديد للصحافة والإعلام يأتي ترسيخاً لأحكام الدستور، بشأن قيام الهيئات الإعلامية باختصاصاتها في إطار الحرية والاستقلالية، وإنهاء أوجه الالتباس والتداخل».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.