روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

انتبهوا لما يجري بين أميركا وحلفائها الكبار

من السهل فهم السبب الذي يجعل قراء هذه الجريدة ينتبهون لهذه الدرجة للأزمات الكثيرة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، لذلك أتمنى أن يتقبل مني الناس بعض النصح.
انتبهوا لمراقبة ما يجرى بين الولايات المتحدة وحلفائها السياسيين والاقتصاديين التقليديين في أوروبا واليابان. خلال السنوات الأربعين التي قضيتها في العمل الدبلوماسي وكأستاذ جامعي، لم أرَ هذا الكم من المشكلات الكبيرة التي شابت العلاقات بينهما. وعلى مدار خبرتي الطويلة، أرى أنه من المستحيل أن يكون لديك تحالف سياسي موثوق به، في حال كان أعضاء ذلك التحالف منهمكين في حرب اقتصادية.
وإليكم أول حدث تشاهدونه: في 7 و8 يونيو (حزيران) الجاري، عقد في بروكسل اجتماع بين وزراء الدفاع في دول حلف شمال الأطلسي (ناتو). ومن المفترض أن تركز النقاشات على الإنفاق العسكري والقدرات العسكرية. يثق جميع أعضاء «ناتو» بوزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس؛ لكن القضايا التجارية دخلت أجندة «ناتو». وأبلغ وزير الدفاع الكندي هرجت سيجان، وسائل الإعلام الكندية بأنه سيتحدث خلال اجتماعات الحلف عن العقبات التجارية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة على كندا. واعترفت إدارة ترمب بأنها بالفعل فرضت ضرائب جديدة على واردات الصلب الكندي لحماية الأمن القومي الأميركي. ويقول الكنديون إنه من المضحك اعتبار كندا مصدر تهديد للأمن القومي الأميركي. وأفاد كذلك بعض أعضاء «ناتو» من الأوروبيين بأنهم يودون مناقشة أمر الضرائب الأميركية الجديدة المفروضة على صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبي، وذلك على هامش اجتماعات «ناتو».
وفي السياق ذاته، قال يينس ستلوتنبرغ، سكرتير عام «ناتو» لوسائل الإعلام في 5 يونيو، إن النزاعات الاقتصادية تسببت بانقسامات كبيرة داخل الحلف، وإنه يتعين عليه السعي لتقليل التبعات السلبية المترتبة على ذلك على «ناتو».
الحدث الثاني الذي تجب مراقبته، هو قمة رؤساء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى أمس، الجمعة 8 يونيو؛ إذ فشل وزراء مالية الدول السبع في الوصول للاتفاق على بيان مشترك خلال الاجتماع الذي عقد الأسبوع الماضي للإعداد للقمة. وظهرت على السطح خلافات كبيرة حول السياسات التجارية والبيئية، وبالطبع حول الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني. وكان من غير المعتاد للدول السبع التي طالما كانت من أقرب حلفاء الولايات المتحدة طيلة 60 عاماً ماضية، ألا تتفق على بيان ختامي مشترك. وأفاد مسؤول ياباني بأنه شارك طيلة 20 عاماً في الإعداد لاجتماعات القمة تلك، ولم يرَ الولايات المتحدة في حالة عزلة مثل تلك التي يراها الآن.
وفي هذا الصدد، ذكرت تقارير إعلامية أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، تحدثا مع الرئيس ترمب الأسبوع الجاري؛ لكن المحادثات كانت مزعجة. وجاءت أقوى الانتقادات الموجهة للأميركيين من كندا، التي ربما تعد أقرب حلفاء الولايات المتحدة. وانتقاماً من الضرائب الأميركية الجديدة المفروضة على صادرات الصلب والألمنيوم الكندي، قام رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، بفرض ضرائب جديدة على بعض المنتجات الأميركية، وصرح بأن الإجراءات التجارية الأميركية بمثابة إهانة لكندا التي خاضت حروباً إلى جانب الجنود الأميركيين. وفي تصريح لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بتاريخ 1 يونيو الجاري، قالت سيدة تعيش بمدينة هاملتون الكندية التي تضم مصنعاً كبيراً للصلب، إن الضريبة الأميركية الجديدة «صفعة على وجه الكنديين».
وفي غضون ذلك، طلب الرئيس ترمب من إدارته الأسبوع الماضي رفع العقوبات المفروضة على شركة الاتصالات الصينية الكبرى «زي تي إي» لدخولها في مشروعات تجارية مع إيران وكوريا الشمالية، وهي العقوبات التي تسببت بعدم مشروعية تلك الصفقات. وستكون العقوبات القانونية الأميركية قاسية؛ لكن الرئيس ذكر في تغريدة على «تويتر» أنه يسعى للحفاظ على الوظائف في الصين. لكن الإدارة الأميركية لم توضح سبب حرص الرئيس على الوظائف في الصين التي لا تعد حليفاً للولايات المتحدة، رغم أنه ليس قلقاً بشأن تدهور العلاقات الاقتصادية مع دول «ناتو» واليابان.
قد يكون ذلك جزءاً من استراتيجية ترمب التفاوضية، وربما يغير رأيه، فحلف «ناتو» لن ينهار الأسبوع القادم. وعلى العكس من شركاء الولايات المتحدة التجاريين في كندا والمكسيك، لم تنفذ الدول الأوروبية واليابان تهديداتها بالانتقام وشن حرب تجارية. وحلف «ناتو» مر بأزمة السويس عام 1956، وأزمة أخرى في العراق عام 2003؛ لكن علينا أن نتذكر أن أياً من هاتين الأزمتين لم تنشب لسبب تجاري أو اقتصادي. والأسبوع الجاري، صرح السفير الأميركي السابق لدى «ناتو»، أيفو دالدر، لوسائل الإعلام الأميركية، أن تحالفات مثل «ناتو» تعتمد على الثقة. لكن ما نشاهده أمام ناظرينا هو أن إدارة ترمب تبدو كمن يسكب ماء النار على علاقاتها بأهم الحلفاء الغربيين، وهي العلاقات التي قضى الرؤساء الأميركيون السابقون، منذ فرانكلين روزفلت وحتى الآن حياتهم في بنائها.
لذلك إن لم يتغير هذا الوضع، فسيختلف حال السياسة الجيوسياسية تماماً، في غضون أقل من 20 عاماً.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»