ليونيد بيرشيدسكي
TT

حلم أوروبا الأوكراني المكلف

وقع الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو اتفاقية تجارية كبيرة مع الاتحاد الأوروبي. وحدد الاتحاد الأوروبي كذلك شروطا معينة اقترحها بوروشينكو لجولة جديدة من العقوبات ضد روسيا. ومن المعروف أين يتجه تعاطف القادة الأوروبيين لكن على أوكرانيا دفع ثمن تخليها عن دورها كجسر بين روسيا وأوروبا واحتضان الاتحاد الأوروبي بصورة كاملة.
لم يكن للرئيس بوروشينكو خيار سوى التوقيع على الصفقة. وكان رفض الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش التوقيع عليها في اللحظات الأخيرة أنه أشعل الاحتجاجات التي أدت إلى الإطاحة به. وجاءت الموجة الثورية بالملياردير تاجر الحلوى بوروشينكو إلى السلطة. وكانت أكثر لحظة في الدفاع عن نفسه وتقوية موقفه بتوقيعه على الوثيقة بالقلم الذي كان يفترض أن يستخدمه بوروشينكو في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقال بوروشينكو: «يوضح هذا أنه يستحيل تفادي الأحداث التاريخية... دفعت أوكرانيا ثمنا باهظا خلال الأشهر القليلة الماضية وهو ثمن أكبر ما دفعت لتحقيق أحلامها الأوروبية. عندما تكون أوكرانيا مستعدة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ستنضم إليه».
وتعتبر الصفقة خطوة صغيرة نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى سبيل المثال لصربيا ومقدونيا والبوسنة وكوسوفو اتفاقيات ارتباط أكثر شمولية مع الاتحاد الأوروبي ولا تزال عضويتهم بعيدة عن الضمان. وتتطلب الصفقة مع أوكرانيا إلغاء أو تقليل رسوم الاستيراد على معظم البضائع الأوكرانية غير الزراعية. وعلى أوكرانيا بدورها التعامل بالمثل بالنسبة لمعظم البضائع خلال سبع سنوات وخلال 15 سنة بالنسبة للسيارات.
وبحسب الاتحاد الأوروبي سيكسب المنتجون الأوكرانيون ما بين 1.1 و1.30 مليار دولار أميركي في العام من خفض الرسوم بمجرد مصادقة جميع برلمانات الدول الأوروبية الأعضاء في الاتحاد بالإضافة إلى أوكرانيا على الاتفاق. وذلك مبلغ كبير ولكنه لا يغير العالم. وصدرت أوكرانيا العام الماضي ما قيمته 18.8 مليار دولار أميركي من البضائع إلى الاتحاد الأوروبي. وقد تكون الفوائد المطلقة لرفع القيود التجارية المحتملة أكبر بالنسبة للأوروبيين، لأن قيمة صادرات الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا تبلغ ضعف ذلك تقريبا وهو 32.6 مليار دولار أميركي. وتعتبر أوكرانيا على كل حال هي الرابح الأكبر لأن حجم السوق الأوروبية يبلغ 100 ضعف السوق الأوكرانية.
وفي وثيقة يفترض أن تفك ألغاز اتفاق الانضمام، شددت المفوضية الأوروبية على أنه «ليس هناك شيء في الاتفاق سيؤثر على التجارة مع أي شريك تجاري آخر لأوكرانيا بما في ذلك روسيا»، ولذلك لا يتوقع وجود آثار اقتصادية سلبية تتعلق بالتجارة مع الشركاء الآخرين لأوكرانيا نتيجة للاتفاق ذاته. وتهديدات روسيا برفع تعرفتها إن وقعت أوكرانيا الاتفاق لا تستند إلى منطق اقتصادي.
ليس ذلك صحيحا تماما؛ فهناك أصلا اتفاق للتجارة الحرة بين أوكرانيا وروسيا وقع تحت رعاية كومنولث الدول المستقلة ما بعد الاتحاد السوفياتي.
إن ما يخيف روسيا بشأن صفقة أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي هو احتمال عبور البضائع الأوروبية المعفاة من الجمارك باعتبارها بضائع أوكرانية لتغمر السوق الروسية.
وقال الخبير المالي في الأكاديمية الروسية للعلوم ديمتري ميتيايف لوكالة أخبار موسكو الحكومية ريا نوفوستي «من المستحيل أن تكون أوكرانيا جزءا من منطقة التجارة الخاصة بالاتحاد الأوروبي وأن تتظاهر روسيا بأن لا أثر لذلك عليها».
صدرت أوكرانيا خلال سنة 2012، وهي آخر سنة تتوفر عنها المعلومات المفصلة عن روسيا، ما قيمته 17.6 مليار دولار أميركي من البضائع إلى روسيا، ويقارب ذلك ما صدرته إلى الاتحاد الأوروبي. وإذا رفعت روسيا القيود التجارية كما حذرت مرارا، فإن الخسائر التي سيتكبدها المنتجون الأوكرانيون ستكون بقدر المكاسب التي سيحققونها من المعاملة التجارية التفضيلية من الاتحاد الأوروبي. كما أن للاتحاد الأوروبي مواصفات أعلى بالنسبة للكثير من الواردات الأوكرانية مقارنة بروسيا، وسيتطلب الالتزام بها استثمار مليارات الدولارات، وهذا أحد الأسباب التي يعتقد يانوكوفيتش أنها جعلت صفقة الاتحاد الأوروبي غير مربحة لأوكرانيا.
ويعرف بوروشينكو الذي يمتلك مصانع للحلوى في روسيا والاتحاد الأوروبي أكثر من معظم الآخرين أن الانضمام لن يكون مصدرا للثراء الاقتصادي لبلده. وقال في بروكسل «وددنا توقيع الاتفاقية وفق شروط أفضل مما لدينا الآن... لكن الاعتداء الخارجي ضد أوكرانيا دفعنا بشدة لاتخاذ هذه الخطوة المهمة».
ويعني بالاعتداء الخارجي التمرد الموالي لروسيا الذي ترعاه موسكو في أقاليم أوكرانيا الشرقية. وسمعه القادة الأوروبيون وتبنوا بيانا يهدد بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا ما لم تسمح لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا بالتحكم في الحدود بين البلدين ومراقبة وقف لإطلاق النار وضمان إطلاق المتمردين سراح الرهائن وإجراء «مفاوضات مهمة» حول خطة بوروشينكو للسلام. ولن يكون من الصعب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمكان الالتزام بمعظم الشروط، أو التظاهر بذلك على الأقل. أما العقوبات الأوروبية المؤثرة ضد روسيا فهي غير محتملة كما كانت قبل ثلاثة أشهر بعد ضم شبه جزيرة القرم. أما العقوبات الروسية ضد أوكرانيا فهي مؤكدة تقريبا.
تحتاج أوروبا أن تقدم ما هو أكثر من البيانات المؤيدة وبضعة مليارات من اليوروات في شكل مساعدة فنية لضمان أن تظل أوكرانيا تجد اتفاقية الانضمام تستحق خلال سنتين، وإلا فسيواجه بوروشينكو رد فعل عنيف وقد يتلاشى حلم أوروبا بأوكرانيا.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»