غزة عاجزة عن توفير العلاج... وحصيلة جرحى المسيرات فاقت حرب 2014

نظامها الصحي يوشك على الانهيار... والقطاع كله بات {سفينة تغرق}

فلسطينيون ينقلون جريحاً أصيب خلال مظاهرات مسيرة العودة على الحدود الشرقية لخان يونس (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينقلون جريحاً أصيب خلال مظاهرات مسيرة العودة على الحدود الشرقية لخان يونس (أ.ف.ب)
TT

غزة عاجزة عن توفير العلاج... وحصيلة جرحى المسيرات فاقت حرب 2014

فلسطينيون ينقلون جريحاً أصيب خلال مظاهرات مسيرة العودة على الحدود الشرقية لخان يونس (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينقلون جريحاً أصيب خلال مظاهرات مسيرة العودة على الحدود الشرقية لخان يونس (أ.ف.ب)

تعاني مستشفيات قطاع غزة من نقص حاد في مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية، في ظل تشديد الحصار الإسرائيلي، وارتفاع عدد الإصابات المتزايد نتيجة التوترات الأمنية التي تشهدها الحدود من فترة إلى أخرى.
وبحسب مسؤولين في وزارة الصحة، فقد وصل العجز في مخزونها إلى أكثر من 50 في المائة من المستهلكات الطبية، وأكثر من 60 في المائة في مستشفياتها ومختبراتها وبنوك الدم.
وأكدت الوزارة خلال مؤتمر صحافي عقد في غزة أمس، على استمرارها في تقديم خدمات استثنائية، في ظل استمرار المسيرات على الحدود وتزايد أعداد المصابين. لافتة إلى أنها ابتدعت فكرة الخيام الميدانية عند الحدود، ما خفف العبء عن المستشفيات وتقلص عدد الضحايا.
وقال أشرف القدرة، الناطق باسم الوزارة، إن حصيلة الجرحى وصلت إلى 13 ألفا، وصل منها إلى المستشفيات 7 آلاف، والباقي عولج في النقاط الطبية الميدانية. ونوه إلى أن أغلب الإصابات خلال المسيرات السلمية كانت في الأطراف، واستخدم الاحتلال فيها أنواعا من الرصاص المتفجر والمحتوي على شظايا تمزق الأنسجة وتفتت العظام.
وحذر المسؤولون الثلاثة الذين شاركوا في المؤتمر الصحافي من خطورة المرحلة المقبلة، لافتين إلى أن ما تم إنقاذه في الفترة الماضية، لن تتمكن الطواقم الطبية من إنقاذه في الأيام المقبلة.
وقال القدرة إن المنظمات الدولية المعنية بالصحة، أفادت بأن حجم ما وصل القطاع الصحي في غزة لا يلبي ربع الاحتياج الفعلي، حيث إن القطاع بحاجة إلى 19.5 مليون دولار لكي يستطيع أداء مهامه في الشهرين المقبلين.
ولفت إلى أنه في حرب عام 2014 كان يدخل إلى أقسام الطوارئ بالوزارة، من المصابين 9 حالات في الساعة، بينما في مسيرات العودة وخلال الجُمع العشر الماضية، كان يدخل إلى المستشفيات 280 إصابة في الساعة. وأضاف: «هذا لا يمكن تحمله وفق القدرات الاستيعابية في أي نظام صحي في العالم».
وذكر أن حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية منذ انطلاق المسيرات في 30 مارس (آذار) الماضي، بلغت 123 ضحية من بينها 13 طفلا، و2 من طواقم الإسعاف، و2 من الطواقم الصحافية، بالإضافة إلى إصابة 13672 مواطنا بجروح مختلفة.
من جانبه قال مدير عام المستشفيات في قطاع غزة، عبد اللطيف الحاج، إن أكثر من 1100 جريح وصلوا إلى المستشفيات في اليوم الأول للمسيرة. مشيرا إلى أن المستشفيات كادت تدخل في حالة فوضى، لو لم تبتدع الوزارة نظام الخيام الطبية الذي لم يستخدم إلا في العراق. ولفت إلى أن الطواقم الطبية عملت بقدرة 4 أضعاف في غرف العناية المكثفة، ونجحت في استيعاب الجرحى، على الرغم من النقص الكبير في المستلزمات الطبية.
وأشار إلى أن الوزارة أطلقت نداءات استغاثة عالمية أفضت لاستجابة سريعة من مصر والأردن والوزارة في رام الله، إلى جانب فرق طبية من منظمات دولية منها الصليب الأحمر والصحة العالمية.
وأوضح أن هم الوزارة الأول كان إنقاذ حياة المريض أو المصاب، ثم إنقاذ الطرف المصاب: «مما استلزم القيام بجراحات في الأوعية الدموية، الأمر الذي استنزف الجهود التي تعطى لأطراف المصابين».
وقال: «نحن أمام تحد كبير في التعامل مع هؤلاء الجرحى، وجار مسح تفصيلي لهم خصوصا المصابين بالأطراف السفلية الذين يحتاجون إلى متابعة مستمرة».
من ناحيته، قال مدير مجمع الشفاء الطبي مدحت عباس، أنه تم تزويد الخيام لأول مرة بجراحين وأطباء عناية مركزة، أنقذوا حياة العشرات وقللوا من أعداد الضحايا.
وأشار إلى أنه في مجمع الشفاء الطبي، كان هناك 14 غرفة عمليات تعمل لإنقاذ حياة آلاف المصابين.
ونوه إلى وجود 33 حالة بتر من بين الآلاف من الإصابات. معتبرا ذلك إنجازا تاريخيا «شهد لنا به مؤسسات عالمية، وكان بالإمكان بتر الطرف في غضون نصف ساعة، لكننا عملنا لـ7 و8 ساعات لإنقاذ طرف المصاب من البتر».
وأوضح أن هناك حالات كثيرة من المصابين تم علاجها في البيوت، لعدم توفر أسرة كافية بمشافي غزة.
ويأتي ذلك في وقت حذرت فيه منذ أيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن قطاع غزة يواجه أزمة صحية «غير مسبوقة» عقب الأحداث الأخيرة. وقال روبرت مارديني، مدير عمليات الشرق الأدنى والشرق الأوسط في المنظمة الدولية للصحافيين من جنيف، إنه خلال أسابيع المظاهرات «تخطينا عدد حالات الإصابات في شهر أغسطس (آب) من حرب 2014».
ولفت إلى أنه نحو 1350 شخصا يعانون من إصابات معقدة ويحتاج كل منهم ما بين 3 إلى 5 عمليات جراحية، ما يعني أن هناك 4 آلاف عملية جراحية ستجري فرق الصليب نصفها. وأضاف: «أعتقد بأن مثل هذا العدد من الإصابات سيتخطى قدرات أي نظام صحي في العالم».
وتابع: «لم تأت تلك الأزمة من فراغ، بل جاءت على خلفية أزمات متعددة ومطولة ومزمنة، أثرت على قطاعات الحياة كافة في غزة». وحذر من أن النظام الصحي في غزة بات «على شفير الانهيار... غزة بكاملها مثل سفينة تغرق».
وناشد المانحين التبرع بمبلغ إضافي من 5.3 مليون دولار، لتمويل وحدة جراحية تتسع لـ50 سريرا في مستشفى الشفاء ومستلزمات طبية ومساعدات أخرى. مشيرا إلى أن زيادة الإعانات من شأنها أن تساعد الوضع، لكنه اعتبر أن ذلك لا يعني حل الأزمة.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.