«الفلوة والجوهرة»... متحف سعودي بنصف مليون قطعة

بدأ هوايةً لصاحبه وتحوّل إلى مَعْلم يوثِّق الحضارات والحقب التاريخية

مجموعة خاصة من سيارات عبد الوهاب سليمان الغنيم في متحفه «الفلوة والجوهرة» في الدمام (رويترز)
مجموعة خاصة من سيارات عبد الوهاب سليمان الغنيم في متحفه «الفلوة والجوهرة» في الدمام (رويترز)
TT

«الفلوة والجوهرة»... متحف سعودي بنصف مليون قطعة

مجموعة خاصة من سيارات عبد الوهاب سليمان الغنيم في متحفه «الفلوة والجوهرة» في الدمام (رويترز)
مجموعة خاصة من سيارات عبد الوهاب سليمان الغنيم في متحفه «الفلوة والجوهرة» في الدمام (رويترز)

قبل 45 سنة، بدأ السّعودي عبد الوهاب الغنيم هوايته في تجميع المقتنيات القديمة، لم يعلم حينها أنّ ولعه بالتراث سيدفعه إلى تأسيس أكبر متحف في السعودية اليوم، يحمل اسم «الفلوة والجوهرة» ويضم 500 ألف قطعة، متّخذاً من مدينة الدمام (شرق السعودية) مقراً له، إذ يصف الغنيم تأسيس المتحف بأنّه أمر جاء بمحض الصدفة، ولم يكن مُخططاً له.
التقت «الشرق الأوسط» الغنيم في متحفه الذي تبلغ مساحته 5 آلاف متر مربع، ليحكي قصة شغفه بتجميع القطع القديمة والأدوات النادرة التي بدأت معه عام 1973، قائلاً: «كنت طالباً في المرحلة المتوسطة، بدأت بتجميع القطع من أهلي ومعارفي، وفي بداية السبعينات كان هناك نوع من النهضة وبداية التحضر في السعودية»، مشيراً إلى أنّ معظم الناس بدأوا حينها بالتخلص من أغراضهم القديمة بالتدريج، الأمر الذي حفزه على الاحتفاظ بها. ويتابع: «بعد أن تخرجت في الجامعة زاد ولعي بتجميع القطع القديمة التي كنت أحتفظ بها في المنزل، وفي أواخر التسعينات تضاعف هذا الاهتمام، خصوصاً بالنسبة إلى السيارات والمقتنيات المنزلية... كنت أهتم بالأثاث القديم وأدوات الزراعة والبنادق وأمور كثيرة كانت تتوفر في ذلك الحين».
يضم المتحف اليوم نحو نصف مليون قطعة، يقول الغنيم: «90% منها من السعودية وتعكس التراث السعودي، و10% قطع من الخارج حصلت عليها من الرّحلات والسّفرات». وتبدو السيارات الكلاسيكية الأكثر بروزاً في المتحف، من بينها سيارة للملك سعود (رحمه الله)، قائلاً: «كانت مع والدي واحتفظ بها ثم باعها، فتحسرت عليها وبعد 30 سنة استرجعتها».
وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» داخل المتحف، بدا مبهراً وجود صالة ضخمة خاصة بأواني صنع القهوة العربية، تضم في جنباتها مئات من الدِّلال القديمة، ما بين الدِّلال الشامية والبغدادية ودلال صنعها يهود العراق عام 1700، ويوضح الغنيم أنّ أقدمها هي الدلال الشطراوية (نسبة إلى شطرة المدينة العراقية) التي يصفها بالنادرة.
ويضم المتحف في طابقه الثاني صالة كاملة خاصة بالملوك السعوديين المتوفين، من عهد الملك عبد العزيز إلى الملك عبد الله، تضم بعض مقتنياتهم، مثل أواني السفرة والساعات والتلفونات والصور وبعض قطع الأثاث. وبدا لافتاً اهتمام الغنيم بتوثيق هذه العصور بشكل فاخر يعكس عراقة وأصالة كل مرحلة على حدة.
ويأتي كذلك القسم الإسلامي بالمتحف والقريب جداً إلى قلب الغنيم، إذ يضم قطعاً نادرة من كسوات الكعبة المشرفة وبعض المصاحف القديمة وقطعاً تحاكي مقتنيات الرسول محمد «عليه الصلاة والسلام»، وستار قبر الرسول وأواني على الطراز الإسلامي، قائلاً: «أقدم مصحف في المتحف عمره يتجاوز 550 سنة».
وفي المتحف مساحة كبيرة تحاكي السوق الشعبية السعودية القديمة، في هيئة دكاكين متقاربة تضمّ أبرز الحرف: الحلاق، والمعلم، والطبيب، والصائغ، ودكان أدوات الطحن، والمطبخ القديم، ودكان بيع أواني الغضار، التي يقول الغنيم إنّها مثلت طفرة حضارية للسعوديين في الستينات. إلى جانب دكان شبيه بالبقالة القديمة، وركن لتوثيق مراحل صدور المشروبات الغازية، ودكاكين السمان واللبان والجزار والخباز والإسكافي وغيرها.
الغنيم الذي يرفع شعار «أنا لا أبيع» يؤكد أنّه يشتري القطع التي تستهويه، لكنّه يرفض بشدة عرض أي منها للبيع، ويشرح سبب تسميته المتحف «الفلوة والجوهرة» بالقول: «الفلوة هي المهرة الصغيرة، فجاءت ككناية عن المواصلات، لكون المتحف يضم عدداً من السيارات، والجوهرة ترمز إلى القطع الثمينة من الأنتيك والتراث». مشيراً إلى أنّ ابنتيه تحملان هذين الاسمين «الفلوة والجوهرة».
وعلى الرغم من الزخم الكبير لمقتنيات متحف «الفلوة والجوهرة» فإنّ كثيراً من القطع تفتقر إلى التوثيق المكتوب، وهنا يوضح الغنيم أنّه يعتمد في توثيقها على الذاكرة وتدوين بعض المعرفة بالنظر وبالإحساس وليس بالمعرفة التاريخية المفصلة. في حين يبدي تأسفه من فقد الكثير من القطع التراثية السعودية بقوله: «الغرب أخذوا الكثير من تراثنا ففقدنا بعضه، وللأسف تأخرنا في الاهتمام به».
ويعلق الغنيم آمالاً كبيرة على «رؤية السعودية 2030»، التي تركزت على 3 محاور أساسية مهمة: الجانب العربي والإسلامي، والقوى الاستثمارية، والموقع الجغرافي للبلاد. إذ يشير إلى التوجه لإنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم بأنه سيكون نقلة نوعية مهمة وكبرى للمهتمين بالتاريخ والتراث الوطني.
ومع كون متحف الغنيم هو الأكبر في البلاد، فإنه يتطلع لمضاعفة مساحته كي لا يكون هناك تكدس في القطع، وهو الأمر الذي يراه يشتت الزائر، مستشهداً بكون المتاحف العالمية تضم صالتها الواحدة قطعة أو قطعتين فقط، وهو ما يطمح إليه الغنيم كي يكون هذا المتحف يليق بمستوى البلاد بصورة أكبر، حسب قوله.
ومتحف «الفلوة والجوهرة» الذي فتح أبوابه للزوار قبل سنة وثلاثة أشهر، يفيد الغنيم بأنّ عدد زواره تجاوز الـ5 آلاف، على الرغم من كونه يفتح أبوابه ليوم واحد في الأسبوع فقط برسوم رمزية. وعن سبب رغبته في فتح المتحف للزوار يقول: «شعرت أنّ الأمر خرج من يدي، وصار من حق أبناء المجتمع الاطّلاع عليه كنوع من رد الجميل للوطن، وحق للأجيال المقبلة وحفظ لتراثنا الوطني».
وبسؤاله عن أحب القطع إليه يقول: «كل قطعة في المتحف تعني لي الشيء الكثير». وربما أغرب ما قاله الغنيم في الحوار: «لو عاد بي الزمن لما فعلت ذلك»، وبسؤاله عن معنى هذا يقول: «أنا لم أندم، بل على العكس فخور جداً، إلّا أنّ الأمر متعب إلى أبعد الحدود، والتعب الحقيقي ليس في تجميع القطع بل في الحفاظ عليها وعرضها، هذه المسألة تتطلب الكثير من الجهد».
ويُبدي الغنيم اعتزازه بلهفة الزوار الأجانب أثناء التجول في المتحف، قائلاً: «بمجرد دخول الزائر الأجنبي ألمس هذه اللهفة الكبيرة منه والرغبة النهمة في التعرف على تراثنا وماضينا، وبالنسبة إلى الزائرين السعوديين فهم يشعرون بالحنين ويسترجعون ذكريات الماضي خلال تجولهم في المتحف». وبسؤاله عن أقرب تعليق لنفسه من الزوار، يقول: «أخبرتني سيدة أميركية كبيرة بالعمر أنّها ستكتب في وصيتها أن يتم إرسال بعض القطع القيمة لديها إلى المتحف بعد وفاتها».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».