«مع عودة العقوبات، أي شركة أوروبية عاملة في إيران ومقترضة من بنوك أوروبية ستجد نفسها تحت ضغوط شديدة لأن المصارف لا تريد المخاطرة». هذا ما أكده مصدر مصرفي فرنسي مطلع في أحد الاجتماعات المكوكية التي بدأت تعقد لمواكبة تسارع الأحداث، وأضاف: «هناك نحو 60 شركة فرنسية عاملة في إيران الآن. إذا أرادت هذه الشركات البقاء هناك، رغم العقوبات الأميركية، فإنها ستجد أن المصارف التي تقدم لها التسهيلات أو التي لها فيها حسابات ستقدم على الإفصاح عن ذلك علناً مع ما يعني هذا الإفصاح من تداعيات».
وأوضح قانوني من شركة «هيربير سميث» للمحاماة ذلك بالقول: «إنه في إطار نشاط الإقراض التقليدي، تفرض البنوك على عملائها توقيع عقود تتضمن بنداً خاصاً بعدم خرق العقوبات والحظر الاقتصادي الذي تفرضه دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على أي دولة كانت». وأضاف: «هذا البند سيكون حاضراً للتطبيق والتفعيل عند بدء العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، لا بل سنجد مصارف تفصح للجهات الأوروبية والأميركية الرسمية عن تسهيلات أو حسابات لعملاء أفراد أو شركات متعاملة مع إيران».
وعند فتح الحسابات يحتفظ البنك، تبعاً للعقد الذي يوقعه العميل، بحق إقفال الحساب إذا تبين له لاحقاً أن لهذا العميل نشاطاً يخرق العقوبات، أو حتى إذا كان نشاطه يمكن أن يجر عقوبات ما على البنك.
كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن هذا الشهر عن أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 بهدف حرمانها من امتلاك أسلحة نووية.
وعقب إعلان الرئيس الأميركي تعهد الاتحاد الأوروبي بالالتزام باتفاق عام 2015 الذي يستهدف منع إيران من تطوير أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات التي أضرت باقتصادها.
وقالت المفوضية الأوروبية أمس إنها بدأت العمل في تحديث ما يسمى بـ«قانون التصدي لتأثير العقوبات الأميركية»، وهو تشريع يمنع شركات الاتحاد الأوروبي من الامتثال للعقوبات ويسمح لها بتعويض أي أضرار تتعرض لها.
وقالت المفوضية في بيان إن الهدف سيكون تفعيل الإجراء، قبل سريان الدفعة الأولى من العقوبات الأميركية في السادس من أغسطس (آب) المقبل.
ويهدف القانون أيضا إلى السماح لبنك الاستثمار الأوروبي بتمويل الأنشطة في إيران، مشيرا إلى أن ذلك سيكون مفيدا بشكل خاص للشركات الأصغر.
ويذكر أن القطاع المصرفي الفرنسي هو الأكثر تضرراً في أوروبا من غرامات باهظة فرضت خلال العقوبات السابقة على إيران. وللمثال لا الحصر، وافق البنك الفرنسي «بي إن بي - باريبا» على دفع غرامة مالية في 2014 تقدر بـ6.5 مليار يورو للحكومة الأميركية بعد أن اعترف بعدم احترامه لقانون فيدرالي أميركي يمنع التبادلات التجارية والصفقات المالية مع ثلاث دول، وهي كوبا وإيران والسودان.
لذلك، أسرعت المصارف الفرنسية إلى أخذ احتياطاتها اللازمة كي لا تقع في المحظور مرة ثانية. وبدأت إجراءات تحوطية قبل الإعلان الرسمي لخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. إذ أكدت مصادر في شركات صغيرة ومتوسطة أن بنوكاً هددتها بإغلاق حساباتها إذا تجاوز حجم أعمالها أرقاماً معينة في إيران، وتوقفت إثر ذلك تدفقات توريد وألغيت طلبيات، كما أن حسابات وكلاء أو قائمين بالأعمال في طهران أغلقت في فرنسا في الأيام القليلة الماضية في بعض المصارف. ومنذ منتصف يناير (كانون الثاني)، منح الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأوروبيين 120 يوماً للنظر في كيفية تشديد الاتفاق النووي لجهة تعديله، ومنذ ذلك الحين «رأينا كيف أن مصارف بدأت تتشدد مع عملائها العاملين في إيران» وفقاً لمصدر في مكتب «ريدبريدج» المتخصص بالتمويل والاستشارات.
وأضاف: «شرعت دوائر الامتثال في المصارف بفرض طلب ضمانات إضافية من الشركات المقترضة، عليها تأمينها في أي وقت يطلب منها ذلك، وتؤكد أن الشركات تتخذ إجراءات تحوطية ضد المخاطر المحتملة جراء إعادة فرض العقوبات التي تهدد أي متعامل مع إيران بوضعه في قوائم سوداء أميركية».
وتعد المصارف هي الأكثر انكشافاً لأن ميزانياتها واضحة ولا يمكن لها إخفاء تعاملات مع إيران أو مع مستثمرين يعملون في إيران. وعندما تلجأ المصارف إلى الأسواق للحصول على الأموال ستواجه ضرورة الكشف عما بحوزتها من أصول مرجحة بالمخاطر مثل الأصول المنكشفة على إيران. بذلك وعبر المصارف: «تستطيع الولايات المتحدة السهر جيداً على مراقبة من يجري أعمالاً في إيران والنظر في معاقبته»، كما يقول المصرفيون الأوروبيون.
إلى ذلك، هناك شركات التأمين وإعادة التأمين أيضاً. وقال وسيط في هذا القطاع: «وضعنا خط أعمال مع شركة إيرانية لتأمين توريد السلع الأوروبية المصدرة إلى هناك، لكننا في الأيام القليلة الماضية تلقينا إشعاراً من الدائرة القانونية في شركتنا يطلب بشكل صارم وقف ذلك النشاط بانتظار ما ستؤول إليه الأمور ومعرفة نوع العقوبات وحجمها التي ستفرض على الدولة الفارسية. فشركات التأمين التي وقعت عقوداً تغطي أعمالاً إيرانية تعمل الآن على التدقيق في كل العقود تمهيداً لإيقافها عند الضرورة». ويذكر أن البنوك الأوروبية الكبيرة، ومنذ إعلان الوصول إلى الاتفاق النووي في 2015، تجنبت وبحذر شديد طلبات التمويل التي عرضت عليها لأعمال متصلة بعودة المستثمرين الأوروبيين إلى إيران. ولا شيء يشي بتغيير ما باتجاه آخر لا سيما الآن بعد عودة العقوبات الأميركية المنتظرة على مرحلتين في أغسطس (آب) ونوفمبر (تشرين الثاني).
فالبنوك الأوروبية الناشطة في الولايات المتحدة الأميركية أخذت خيارها ولن تتعامل مع إيران لأن أعمالها الأميركية «أكبر بكثير من فتات الأعمال الذي يعرض عليها في إيران» كما يؤكد مصرفي في بنك بريطاني. لذا لجأت بعض السلطات الأوروبية العامة إلى أساليب تمويل ثانوية وحددت شركات تمويل لذلك، ففي فرنسا على سبيل المثال، تمت تعاملات مع شركة تمويل عامة هي «بي بي آي فرانس» أو عائلية مثل شركة الأخوين «وورمسر» و«دولوباك كومباني» التي لا تعمل إلا في أوروبا وباليورو فقط. أما آخر أخبار هذه الشركات، وبعد إعلان الولايات المتحدة خروجها من الاتفاق النووي، فتشير إلى حالة تريث تكاد تصل حد التوقف المرحلي التام عن الاستمرار على النحو السابق. وبدأت تطرح أسئلة عن مدى فعالية هذا التمويل الموازي عندما تتعقد الأمور أكثر وتأخذ مسارات تصعيدية.
وفي ألمانيا أيضاً هناك توجس كبير لدى البنوك الكبيرة (مثل «دوتشيه بنك» و«كومرز بنك»...) التي لم تمنح تمويلات لأعمال متصلة بإيران رغم بدء إلغاء العقوبات في 2015.
بينما تُرك السوق الإيراني لصناديق ادخار ومؤسسات تمويل تعاونية. فعلى سبيل المثال، هناك طريقة عمل واستشارات اتفقت عليها 5 مؤسسات تمويل تعاونية ألمانية تنكب على أسواق صعبة مثل إيران لتسهيل تصدير سلع وبضائع تصنعها وتؤمنها شركات صغيرة ومتوسطة ألمانية، وتتعهد تلك المؤسسات بتأمين رسائل أو شهادات اعتماد وضمان. علما بأن هذه المؤسسات لا أعمال لها في الولايات المتحدة.
في إيطاليا أيضاً لم تغامر المصارف الكبيرة في أي تعاملات مع إيران وتركت ذلك لمؤسسات عامة، وقعت في يناير (كانون الثاني) الماضي عقوداً مبدئية لتمويل استثمارات مشتركة في إيران برعاية هيئة حكومية هي «أنفيطاليا» المعنية بتشجيع الصادرات والاستثمار، وهناك أيضاً مؤسسة «إس دي بي» العامة المعنية بالتوسع الدولي التي وقعت عقوداً لتسهيل قيام «بيزنس» إيطالي في الدولة الفارسية.
لكن الإيطاليين كما الألمان والفرنسيين وبقية الأوروبيين، ينتظرون الآن معرفة حدود الاستثناءات التي يمكن الحصول عليها من الولايات المتحدة لمواصلة بعض الأعمال والمصالح في إيران، علما بأن ما بدأته السلطات الأميركية من إجراءات «لتضييق الخناق على نظام الملالي لا يوحي بأن هناك استثناءات في الأفق، فالمعركة توحي بكسر عظم هذه المرة»، كما يقول مصرفي أوروبي مخضرم يحذر من المغامرة أو المخاطرة لأن «الغرامات الأميركية الباهظة لا ترحم» على حد تعبيره.
البنوك الأوروبية تضغط على الشركات للخروج من إيران
البنوك الأوروبية تضغط على الشركات للخروج من إيران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة