عقارات القاهرة التراثية... مخالفات السكان تعرقل مشروعات التطوير

أبرزها تشويه الواجهات باللافتات وأجهزة التكييف

عقارات القاهرة التراثية... مخالفات السكان تعرقل مشروعات التطوير
TT

عقارات القاهرة التراثية... مخالفات السكان تعرقل مشروعات التطوير

عقارات القاهرة التراثية... مخالفات السكان تعرقل مشروعات التطوير

جمال العقارات التراثية ذات الطرز المعمارية النادرة والمتنوعة في القاهرة التاريخية وسط العاصمة المصرية، لا ينال منه سوى مخالفات بعض سكان تلك العقارات التي تشوه أناقة وبهاء تلك العقارات بعد الانتهاء من تطويرها؛ إذ يخرق شاغلوها من السكان المقيمين أو التجار الواجهات الأمامية لتركيب أجهزة التكييف، وأطباق استقبال إشارات القنوات الفضائية التي تعرف في مصر باسم «أطباق الدش»، بالإضافة إلى تعليق بعض تجار الملابس لافتات لورش تصنيعها على بلكونات تلك العقارات المطورة حديثاً؛ ما يمثل تشويهاً متعمداً من قبل بعض شاغلي تلك العقارات. وعلى الرغم من محاولات جهاز التنسيق الحضاري المصري ومحافظة القاهرة ممثلة في إدارة مشروع تطوير القاهرة الخديوية مواجهة تلك المخالفات، فإنها لم تفلح في ردع المخالفين الذين «يقاومون التطوير ولا يهتمون بالمظاهر الجمالية للعقارات التراثية والتاريخية»، حسب وصف مسؤولين مصريين.
ورصدت «الشرق الأوسط» تعليق بعض التجار لافتات لورش تصنيع الملابس على واجهات العمارات التراثية، في شارعي 26 يوليو وعبد الخالق ثروت؛ ما أدى إلى تشويه الوجه الحضاري والجمالي لتلك الأبنية الرائعة، بجانب ارتكاب أصحاب مطاعم ومقاهٍ آخرين مخالفات واضحة في حق الأبنية التراثية بشارعي سرايا الأزبكية والألفي.
وقال محمد إبراهيم، عمره 42 سنة، وموظف قطاع حكومي، أحد سكان شارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «بعض السكان للأسف يشوّهون المناظر الجميلة والتطوير، ويصرّون على تعليق لافتاتهم، ويتركون بصمتهم التجارية التي تتنافى مع جمال التراث». ولفت إلى أنه «لا بد من مواجهة هؤلاء الذين لا يُقدّرون التراث بالمنع وتحرير مخالفات من خلال المتابعة المستمرة من موظفي الحي والتواصل معهم لحثّهم على تقدير قيمة الطرز المعمارية، واستخدام الحزم ضدهم لمنع تكرار ذلك».
من جهته، يقول عمرو فايد الونش، مدير شركة «الونش» للترميمات الأثرية: «عائلتنا لديها تاريخ طويل في ترميم المشروعات والمباني الأثرية والتراثية، وتُرمم شركتنا حالياً عدداً كبيراً من المباني التراثية الضخمة في وسط القاهرة، وحي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، بجانب جسر الجلاء المعدني التاريخي، الذي يربط مدينتي القاهرة بالجيزة، وعلى الرّغم من اكتساب حب ترميم المباني التراثية في القاهرة، فإنّ أكثر شيء يواجهنا خلال العمل هو عدم تجاوب الأهالي وسكان العقارات معنا. بعضهم يقاوم التطوير من أجل الاعتراض وحسب».
وأضاف الونش «يمنعنا بعض السكان أحياناً من ممارسة مهام عملنا؛ خوفاً على ما أنشأوه من أكشاك وقوائم خشبية ومعدنية فوق أسطح المنازل وشرفاتها بجانب تركيب أجهزة تكييف من دون وصلات صرف للمياه الناتجة عن تشغيلها، لكن نقوم بعمل وصلات مركزية لكل أجهزة التكييف بواجهات العمارات التراثية لحمايتها من تدفق مياه أجهزة التكييف المتدفقة؛ حفاظاً على الواجهات والدهانات من الرطوبة». وأوضح أنه «بعد الانتهاء من ترميم وتطوير العقارات، نفاجأ أحياناً بخرق سكان بعض العقارات الحوائط لتركيب أجهزة تكييف وزوايا معدنية لنشر الملابس؛ ما يتسبب في إهدار مواد الترميم مرتفعة الثمن وتشويه شكل الواجهات، وبالتالي نضطّر إلى ترميم تلك الأجزاء مرة أخرى؛ تنفيذاً لبنود العقد الموقع مع محافظة القاهرة، وهو ضمان الترميم لمدة عام».
بدوره، قال المهندس سعيد البحر، مدير مشروع تطوير القاهرة الخديوية لـ«الشرق الأوسط»: «واجهنا صعوبات كبيرة في الحفاظ على تطوير عقارات وسط القاهرة التراثية، ووجدنا أنه من الصعب تعيين موظف لمتابعة كل عقار، وفكرنا في تشكيل مجالس اتحاد شاغلين لتلك العقارات لإجراء الصيانة للعقارات المطوّرة من الداخل وتنظيفها من الخارج باستمرار، وهذا ما حدث في شارعي الألفي وسرايا الأزبكية المتقاطعين مع شارع عماد الدين؛ إذ يبلغ عدد المطاعم بهما نحو 28 مطعماً ومقهى بجانب السكان القدامى، وقد نجحت هذه الفكرة بشكل كبير جداً».
وأضاف البحر: «لن يحمي هذه العقارات من الفوضى سوى سكانها؛ لأنهم أول المستفيدين من التطوير، وأول المتضرّرين من الإهمال». موضحاً: «نحصل على رسوم محدّدة من المطاعم والمقاهي الموجودة في الشوارع التراثية المطورة ونُخصّصها لإجراء عمليات الصيانة، وبالتالي نضمن عدم إهمال عقارات شارعي الألفي وسرايا الأزبكية، وبعض العقارات الأخرى، لكنّ المشكلة تكمن في عمارات مطورة لا يوجد بها اتحاد شاغلين، بل سكان يريدون منّا طلاء شقتهم وصيانة مياه الشرب والصرف الصّحي من الداخل، مع أنّ هذه الجزئية من صميم مسؤوليتهم، وليس مسؤوليتنا كجهة حكومية، لكنّنا أحيانا نطلب من المقاول التعامل مع هذه الأزمات وسدّ الثّغرات وصيانة المشكلات التي تؤثر على سلامة الواجهات والعمارات قبل دهان العمارة من الخارج». وتابع: «تتراوح تكلفة ترميم العمارات من الخارج بين نصف مليون جنيه ومليون جنيه» (الدولار الأميركي يعادل 17.6 جنيه مصري)، موضحاً أنه تم الانتهاء من ترميم وتطوير نحو 250 عقاراً في القاهرة الخديوية خلال ثلاث سنوات، و«نستهدف الوصول إلى 500 عقار، وهو عدد العمارات التراثية في القاهرة التاريخية، ومشروع الترميم هذا يهدف أساساً إلى إعادة الوجه الحضاري للعاصمة المصرية من خلال إعادة طلاء الواجهات بالألوان الأصلية، أو من خلال اجتهادات استشاريي الفنون الجميلة والعمارة الذين يستعين بهم جهاز التنسيق الحضاري، من خلال اجتماعات أسبوعية للمسؤولين عن المشروع».
إلى ذلك، قال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، وأمين عام اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية في تصريحات صحافية: «إنه تم تحرير أكثر من 232 محضراً ضد المتعدين على المباني التراثية»، وأوضح أن «العقوبة التي تنتظر المتعدين أصبحت جنائية بعد أن كانت جنحة».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».