وزيرة الثقافة الإماراتية: نسعى لتمكين العراق من استعادة مكانته الثقافية

نورة الكعبي تؤكد لـ «الشرق الأوسط» إتمام مشروع بناء مسجد النوري الكبير بالموصل خلال 5 سنوات

مسجد النوري الكبير في الموصل بعد تفجيره على يد «داعش»
مسجد النوري الكبير في الموصل بعد تفجيره على يد «داعش»
TT

وزيرة الثقافة الإماراتية: نسعى لتمكين العراق من استعادة مكانته الثقافية

مسجد النوري الكبير في الموصل بعد تفجيره على يد «داعش»
مسجد النوري الكبير في الموصل بعد تفجيره على يد «داعش»

قالت نورة الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في الإمارات إن مشروع التكفّل ببناء وترميم مسجد النوري الكبير في الموصل يأتي ضمن التزام بلادها الدائم بدعم أشقائها العرب، لا سيما العراق الذي يعاني منذ سنوات طويلة من تبعات الحروب التي أثرت بشكل كبير على مختلف مناحي الحياة هناك، وبشكل خاص على الحياة الثقافية وما خلفه ذلك من تدمير للبنية التحتية طال المواقع الأثرية والتراثية.
وقالت الكعبي إن المشروع يأتي في إطار التزام الإمارات المبدئي بدعم العراق بإجمالي 500 مليون دولار لمشاريع البنية التحتية والكهرباء والمساعدات الإنسانية، وبتكلفة 50.4 مليون دولار للمساهمة في إعادة بناء وترميم المعالم الأثرية، وذلك بهدف تمكين العراق من استعادة مكانته الثقافية الضاربة بعمق في تاريخ الإنسانية، وذلك بالشراكة مع وزارة الثقافة العراقية وعدد من المنظمات الدولية.
وأضافت في حديث مع «الشرق الأوسط» بعد الإعلان عن المشروع لتشرح أهم أبعاده: «يشمل المشروع إعادة بناء مسجد النوري الكبير ومنارته الحدباء وقاعدتها، والمباني الملحقة به، إضافة إلى إعادة بناء البنية التحتية اللازمة حوله، وكذلك إعادة تأهيل الحدائق التاريخية، وبناء صرح تذكاري يحتوي بقايا المسجد، ومساحات ثقافية ومجتمعية وتعليمية لأفراد المجتمع في الموصل، وذلك خلال خمس سنوات».
ويعتبر مسجد النوري الكبير الواقع في الساحل الأيمن للموصل والذي يشتهر بمنارته «الحدباء» المحدبة نحو الشرق، من مساجد العراق التاريخية العريقة وثاني مسجد يبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، حيث بناه نور الدين زنكي في القرن السادس الهجري أي أن عمره يناهز تسعة قرون وقد أعيد إعماره مرات عدة، كانت آخرها عام 1363 من السنة الهجرية والتي توافق العام 1944 ميلادية.
وعن مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع وزارة الثقافة العراقية وانعكاساتها، قالت الكعبي إنها «تهدف إلى وضع أساس راسخ للتعاون بين الطرفين في مجالات الثقافة وتنمية المعرفة المتعلقة بالآثار والتراث والفنون والمكتبات تأكيدا على وحدة الأصول الحضارية والثقافية وعلى الهوية القومية المشتركة، ودور الثقافة والفنون في تعزيز العلاقات بين الدولتين، وتوطيد علاقات الأخوة والصداقة بينهما».
وتابعت أن مذكرة التفاهم تأتي اعترافا بأهمية دور الحوار الثقافي واللقاءات الثقافية في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون وأضافت أنها «تتضمن مسارات للتعاون في مشروعات حماية التراث الثقافي بما في ذلك ترميم الآثار التاريخية، وتبادل الخبرات والمعلومات والخبراء في كافة المجالات الثقافية، وهو ما سيشكل دعماً مباشرا للحياة الثقافية العراقية ويعزز الإمكانات الداعمة للسياحة الثقافية، ويسهم في خلق فرص اقتصادية تعزز الاستقرار والازدهار في هذا البلد العريق».
وشددت وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في الإمارات على أن البلدين تجمعهما علاقات أخوية وتعاون وثيق منذ عقود، وتأتي الاتفاقية تعزيزاً لتلك العلاقات الراسخة والعمل على تبادل الخبرات لتسهيل تنفيذ الاتفاقيات الدولية المبرمة من خلال منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو» وغيرها من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالآثار والتراث والفنون والمكتبات التي صدقت عليها الدولتان، إضافة إلى تعزيز التعاون بين السلطات المختصة في المجالات الثقافية بغرض رفع مستوى الوعي بـــالهوية القومية والوطنية وثقافة وتراث وفنون كل منهما لدى الآخر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».