صالة للأعمال المرفوضة تثير غضب الجميع في ملتقى بغداد للفنون التشكيلية

لجنة التحكيم: المعرض ليس مسابقة فنية.. والفنانون يشكون تفضيل أعمال نظرائهم العرب

الفنانة منى مرعي مع الفنان الكبير سعد الطائي
الفنانة منى مرعي مع الفنان الكبير سعد الطائي
TT

صالة للأعمال المرفوضة تثير غضب الجميع في ملتقى بغداد للفنون التشكيلية

الفنانة منى مرعي مع الفنان الكبير سعد الطائي
الفنانة منى مرعي مع الفنان الكبير سعد الطائي

«على هامش المهرجان»، لافتة عريضة أثارت امتعاض وخيبة الكثير من الفنانين العراقيين المعروفين المشاركين في الملتقى الدولي للفنون التشكيلية الذي اختتم أعماله أخيرا بالعاصمة العراقية بغداد، متهمين لجنة تحكيم المهرجان بالتحيز لبعض الأسماء وتعمد الإساءة لهم، في حين دافعت اللجنة عن نفسها بالقول، إن «الجمالية والفنية في الأعمال المقدمة كانا أساس عملية الاختيار».
واختتم قبل أيام أعمال ملتقى بغداد للفنون التشكيلية الذي أقيم ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية، وشمل افتتاح المعرض الفني الشامل، في ثلاث قاعات كبرى ضمت أكثر من (700) عمل فني ما بين الرسم والنحت والخزف وغيرها من الفنون الجمالية، ومشاركة 300 فنان وفنانة.
«الشرق الأوسط» تحدثت مع عدد من الفنانين العراقيين الذين تم رفض أعمالهم ومن ثم تم عرضها في صالة منفردة حملت عنوان «على هامش المهرجان»، إذ تقول الفنانة الشابة زينب الركابي، إحدى الفنانات التي فوجئت برفض اللجنة لعملها: «ليس هناك أي ضوابط اتبعتها لجنة التحكيم لأجل اختيار الأعمال، كما أن طريقة عرض الأعمال على اللجنة لم تكن لائقة، فالأعمال كانت مكدسة على الأرض في غرفة صغيرة لا تسع إلا لشخص واحد، فكيف يتمكن ثمانية فنانين من أعضاء اللجنة من الحكم بجودتها! وبعضها قد غطاه التراب ».
وتضيف التشكيلية زينب الركابي والتي تتميز بأسلوبها في النحت الخزفي (سيراميك) من «الغريب أن معظم الأعمال المرفوضة تعود لأسماء مهمة في المشهد الفني العراقي بينهم دكتور أنغام السعدون، ودكتور فاروق نواف، ودكتور نبراس أحمد، والفنان نبيل الركابي، والفنانة ملاك جميل، والفنانة منى مرعي وآخرون»، علما أن بعض الفنانين أحضروا عملين، رفض واحد وعرض آخر مع المرفوضات، في حين اسمه ورد في دليل المعرض، كما أن إحدى الفنانات أحضرت عملها قبل يوم من الافتتاح وتم عرضه في حين لم يعرض على لجنة التحكيم، وهناك أعمال عرضت بأسماء أشخاص لا يعرفون الرسم أصلا، وآخرون رسموا لهم وبعلم لجنة التحكيم، أليس هذا تشويها للعمل الفني وأصالته وإهانة لتاريخ الفن التشكيلي العراقي وإنجازاته الكبيرة؟
وعن عرض الأعمال المرفوضة في آخر قاعات العرض تحت لافتة «على هامش الملتقى» قالت: «تلك اللافتة أثارت غضب الكثيرين، لأن بينهم أساتذة كبار في أكاديمية ومعهد الفنون الجميلة، حتى إن أحدهم قام بتمزيقها ووضع شريط براق لافتتاح الجناح، احتراما للمعروضات كما في المعارض المهمة، فهذه القاعة ذكرتنا بردهة ما كان يسمى بـ(الحميات) في المستشفيات العراقية والتي يحجز فيها المرضى المصابون بأمراض معدية وخطيرة، هكذا تعاملت لجنة التحكيم والمسؤولون عن الملتقى مع أعمال فنية متميزة بشهادة النقاد والمتابعين، وضعت أعمالنا في صالة منعزلة وحرمت أسماءنا من النشر في دليل المعرض».
أما الفنانة الدكتورة نبراس أحمد، تدريس في كلية الفنون الجميلة ببغداد، أكدت عزم الفنانين الذين رفضت أعمالهم لتقديم شكوى جماعية في الجمعية العراقية للفنانين التشكيلين ونقابة الفنانين، لأجل إنصافهم من الإهانة الكبيرة التي تعرضوا لها بعد رفض أعمالهم وتهميشهم.
وأضافت: «هذه سابقة تحصل لأول مرة، عندما تقوم دائرة الفنون بعرض أعمالنا ضمن خانة المرفوضين أو تحت يافطة (على هامش الملتقى) وحجب أسمائنا من دليل المعرض في حين أن نفس تلك الأعمال المشاركة نالت جوائز عربية وعالمية في مهرجانات فنية سابقة».مشيرة إلى: «أن اختيار الأعمال جاء فوضويا وغير منصفا لأهم الأسماء الفنية، كذلك في توجيه الدعوات للمشاركة، وهناك أعمال بائسة جرى إدراجها في دليل المعرض، ومعظمها لفنانين عرب جرى تفضيلهم على حساب فناني البلد».
بدوره تساءل الفنان نبيل الركابي، يدرس في أكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، عن جدوى دعوة الفنان ومن ثم رفض أعماله، فإذا كان رفض الأعمال لأسباب تتعلق بمستوى العمل الفني المقدم لكان الأجدر ألا تتم دعوة الفنان أصلا لاعتقاد القائمين على الملتقى بأن أعماله الفنية دون المستوى الفني ولا تؤهله للمشاركة في المعرض» وقال، إن «لافتة (على هامش الملتقى) أثارت غضب الجميع لأنها استهانة بأعمالهم التي سبق أن نالت الجوائز وشهادات التقدير وشاركت بمعارض محلية وعربية».
فنانة شابة رفضت ذكر اسمها لحساسية الموضوع (كما تقول)، فوجئت برفض لجنة التحكيم لعملها المقدم، قالت « المحزن إننا لا نتلقى دعما من وزارة الثقافة التي انشغلت بتفضيل أعمال الفنانين العرب ونست أعمال فنانيها في محاولة لتهميشهم، كما أن الموضوع ليس له علاقة بتقييم اللجنة، لكن القائمين على الملتقى وجهوا دعوات لما يقارب 400 فنان وفنانة، وكل فنان شارك بعملين، لذلك أصبح العدد كبيرا وحاولوا تقليص المشاركات فكان الاختيار عشوائيا أو ربما مقصودا». وأضافت أن «أحد العاملين في لجنة التحكيم أخبرني بأنه لم يشاهد عملي بين الأعمال المعروضة، كما أن ضيق الوقت سبب مرور أعمال كثيرة من دون تدقيق لأهميتها، إضافة إلى اعترافه بأن بعض الأعمال التي قبلت لا ترتقي للعرض لكنها قبلت بفضل المحسوبية والعلاقات الخاصة».
الفنان إبراهيم رشيد أحد أعضاء لجنة التحكيم، دافع في حديثه عن تلك الاتهامات بالقول: «تم اختيار الأعمال المشاركة في المعرض دون النظر للأسماء إنما للقيمة الفنية والجمالية والجودة التي يتمتع بها العمل، ولا صحة للاعتبارات الشخصية والمحسوبية في اختيار الأعمال».
واعترف رشيد بتفاوت الأعمال المعروضة في مستواها الفني، وعزاه إلى زيادة عدد أعضاء اللجنة المكون من ثمانية أعضاء مما سبب تفاوتا وتضاربا في وجهات النظر، وأكد: «لو كان أعضاء اللجان ثلاثة أو حتى أربعة لكانت الاختيارات دقيقة أكثر».
وقلل رشيد من تحسس بعض الفنانين للافتة التي علقت على الجناح الأخير للمعرض «على هامش الملتقى» وقال: إنها «كتبت لأجل تشجيع المواهب الشابة ودعم أعمال الفنانين الآخرين، وليس التقليل من شأنهم». مضيفا: «الملتقى ليس مسابقة فنية لاختيار أفضل الأعمال إنما الهدف منه تحقيق لقاء فني بين جميع الفنانين العراقيين المغتربين بفناني الداخل، إضافة للفنانين العرب والأجانب، وعلينا تجاوز بعض الهفوات أو الأخطاء التي شابته بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها البلد، والمهم ما حصده من نجاح وفوز كبير لم تحققه أي فعالية فنية منذ ثمانينات القرن المنصرم وحتى اليوم».
وعن تقييم أعمال بعض المشاركين العرب التي كانت بغير المستوى المطلوب على حساب أعمال الفنانين العراقيين قال: «تقييم أعمال الفنانين العرب جاء كجزء من الترحاب بهم وتضيفهم باعتبارنا البلد المضيف، وعرض أعمالهم وإن كان بعضها دون المستوى المطلوب جاء تعبيرا عن الترحاب بهم وتحملهم عناء السفر والطريق، وأعمالهم لم تعرض على لجنة تقييم الأعمال».



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».