بغداديون يحنون إلى الماضي وآخرون يتطلعون للمستقبل

العاصمة العراقية اليوم صورة باهتة عما كانت عليه

صورة أرشيفية لجانب من الأوضاع في بغداد يوم سقوط نظام صدام حسين في 9 أبريل (نيسان) 2003 (رويترز)
صورة أرشيفية لجانب من الأوضاع في بغداد يوم سقوط نظام صدام حسين في 9 أبريل (نيسان) 2003 (رويترز)
TT

بغداديون يحنون إلى الماضي وآخرون يتطلعون للمستقبل

صورة أرشيفية لجانب من الأوضاع في بغداد يوم سقوط نظام صدام حسين في 9 أبريل (نيسان) 2003 (رويترز)
صورة أرشيفية لجانب من الأوضاع في بغداد يوم سقوط نظام صدام حسين في 9 أبريل (نيسان) 2003 (رويترز)

يحلو لسلام عطا صبري، وهو جالس في شرفة بيته بالطابق الثالث عشر في وسط بغداد، أن يسترجع ذكرياته عن ماضي مدينته الحافل بالحكايات، وعن سنوات ما قبل صدام حسين، والغزو الذي قادته الولايات المتحدة وغيَّر وجه الحياة في المدينة إلى الأبد.
وفي عصر يوم من أيام فصل الربيع غطى الغمام فيه السماء، أشار الفنان التشكيلي صبري (55 عاماً) إلى معالم وسط بغداد التاريخي، مثل القصر العباسي الذي يرجع إلى القرن الثالث عشر وقلب المدينة الثقافي حول شارع المتنبي. راح صبري يقلب وهو يرشف القهوة رسومات حديثة للمدينة بالحبر. وقال: «أتذكر المشي في تلك الشوارع ذاتها وأنا صبي... قبل أن يتغير كل شيء».
قال صبري إنه نشأ في بغداد لأب من المشاهير في عالم الفن، ورحل عن العراق في التسعينات عندما أصبحت الحياة لا تطاق بفعل العقوبات الاقتصادية المعوقة. واسترسل في حكايته وقال لوكالة «رويترز»: «حتى عندما عشت في لوس أنجليس أو عمان كان حلم العودة إلى بغداد يصاحبني على الدوام... وفي حلمي سيظهر واقع جديد على الأرض، حرية جديدة... ولهذا اخترت العودة».
إلا أنه عندما عاد صبري في 2005، أي بعد عامين من الغزو الذي أطاح بصدام حسين، كانت بغداد قد أصبحت مدينة تحت الحصار. وكان من تداعيات الغزو حرب طائفية غيرت وجه بغداد، والمجتمع الذي اعتاد على التعددية، على نحو لا يمكن إصلاحه.
شاعت عمليات الخطف والقتل والتهجير القسري للمدنيين، وتعرضت أقليات دينية لتهديدات كانت كافية لرحيل أفرادها جماعياً، إما إلى الشمال أو إلى خارج البلاد. وقال صبري «لكن طوال ذلك كله ظلت هي بغداد حبي وعشقي».
يتفق كثيرون، صغاراً وكباراً، ممن يتذكرون العراق قبل عام 2003، بل ومن لا يتذكرونه، مع صبري في إكباره لبغداد وماضيها كمركز للفنون والعلوم. غير أن المدينة أصبحت الآن صورة باهتة لما كانت عليه في يوم من الأيام. فالحواجز الأمنية تعرقل الحركة في شوارع كانت من قبل مفتوحة، وأصبحت كتل الخرسانة المسلحة تغطي فنون العمارة الشهيرة التي مزجت بين بيوت الطابوق (الطوب) التقليدية والمباني العصرية من تصميمات لو كوربوزييه ورفعت شادرجي.
أصبح انقطاع التيار الكهربائي أمراً شائعاً، وانتشرت مولدات الكهرباء تنفث أدخنتها السوداء، لتزيد تلوث الهواء الذي يمثل مشكلة من أسوأ هذه المشاكل في المنطقة. ولا تزال مياه الصرف الصحي غير المعالجة تتدفق في نهر دجلة. وأصبحت الأماكن المتاحة على ضفتي النهر والمساحات المفتوحة للعب الأطفال قليلة.
فتح هذا التدهور في نوعية الحياة، على مدار عقد من الزمان، الباب أمام الحنين لعراق ما قبل 1980، الذي هوت فيه البلاد إلى أول حرب تخوضها من سلسلة حروب.
غير أن هادي النجار رئيس اتحاد المصورين العراقيين قال إن ذلك يمثل تصنيفاً ينطوي على خطورة لماضي العراق الديكتاتوري. وقال: «قبل 2003 لم يكن بوسعنا إجراء مناقشة مفتوحة في مقهى في بغداد دون أن نقلق من أن يشي بنا أحد أو يشي بعضنا ببعض... أما الآن على الأقل فلم نعد بحاجة لفرض رقابة على أنفسنا».
وبينما يجد أمثال صبري السلوى في الذكريات، يتطلع آخرون من سكان بغداد إلى المستقبل بأمل متزايد. ويقول هؤلاء إن الوضع في العاصمة تحسن في الآونة الأخيرة، مع تراجع معدل الحوادث الأمنية، وبعد رفع حظر التجول المشدد في 2015، مما سمح بازدهار المطاعم في الأحياء الراقية مثل حي المنصور. وقال مصطفى يونس (27 عاماً) الذي يعمل في صيدلية، وفقد اثنين من أشقائه خلال تفجيرات ببغداد في السنوات العشر الأخيرة، «منذ 2003 ونحن نحاول فقط البقاء على قيد الحياة». وأضاف يونس: «أما الآن وللمرة الأولى بدأنا نفكر في المستقبل».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».