مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

صغارة عقل الأميرة

هناك واقعتان في تاريخنا الإسلامي، أعتبرهما من أنبل الوقائع الإنسانية وأرحمها، وهما للرجل الكافر الذي دخل الجنة، بسبب عطفه على كلب يكاد يموت من شدّة العطش، فخلع خفه وملأه بالماء من البئر وسقى الكلب حتى ارتوى وأنقذه من الهلاك.
كما أن امرأة مسلمة دخلت النار بسبب حماقتها وقسوة قلبها، عندما حبست قطة تعيسة ولم تطعمها أو تفرج عنها على الأقل لتأكل من خشاش الأرض، وتركتها حتى ماتت.
هاتان الحادثتان الناصعتان سمعت عنهما منذ أن كنت في المرحلة الابتدائية من دراستي، غير أنني ما زلت أتعجب كيف أنهما لم تتغلغلا في نفوس الأجيال المتعاقبة من شعوب المسلمين، حيث إن هذه الشعوب للأسف هي أكثر من يجور على الحيوانات ولا يحافظ عليها.
وإليكم على سبيل المثال هذه الحادثة الطازجة، حين كانت مجموعة من السياح السويسريين يزورون منطقة الأهرامات في مصر، وشاهدوا بالصدفة مصرياً يمتلك (عربة كارو) يقوم بتعذيب حماره الذي ظهرت على جسده علامات الضرب المبرح.
تعاطف السويسريون مع الحمار حيث طلبوا شراءه من صاحبه، ووافق الرجل مقابل 1300 يورو.
وانتهت الصفقة وترك الحمار للسويسريين الذين ذهبوا به لأحد المستشفيات البيطرية لعلاجه، وبعدها أنهوا أوراق سفره إلى سويسرا معززاً مكرماً.
ولو أن الحمار كانت له القدرة على أن يتكلم، فلا شك أنه سوف ينحني لهم شكراً، ويمطرهم بالقبلات العنيفة.
وكأني بالتاريخ يعيد نفسه، عندما تذكرت واقعة أخرى، حدثت في مصر أيضاً بالعشرينات من القرن الماضي، وسميت وقتها بحادثة «حمار الصعيد»، الذي حالفه الحظ وانتقل للإقامة في قصر (بكنغهام) الملكي ببريطانيا (!!).
وكما ذكرت صحف مصرية وقتها، فقد شاهدت الأميرة ماري ابنة جورج الخامس ملك بريطانيا حماراً حين سافرت إلى مدينة الأقصر بالصعيد، وهناك شاهدت الحمار الذي يكاد يتهالك من شدّة الضعف، وأشفقت عليه وأعجبت به وبشكله، فقررت شراءه وتقديمه هدية لأبنائها هناك.
وتم نقله إلى القصر الملكي في بريطانيا وانتشرت قصته وقتها في أرجاء مصر ولقب بـ«الحمار المحظوظ».
والذي يدعو للأسى أن تلك الحادثة لم تحرك بعدها الضمائر كما يجب للعطف على الحيوانات، بل إنها بالعكس أشعلت النار بالهشيم وكانت فرصة سانحة لسيل عارم من النكات، التي أخذ يتداولها الناس في الشوارع والمقاهي وحتى بالمونولوجات الفكاهية الغنائية السمجة على خشبات المسارح.
وكانوا في مجمل نكاتهم يتندّرون ويتهكمون على صغارة عقل تلك الأميرة البريطانية.
هل أبكي أم ألطم أم أخرس أحسن لي؟!