الاقتصاد العالمي في وضع نمو صاعد

لا منغّصات إلا من السياسات التجارية الحمائية

TT

الاقتصاد العالمي في وضع نمو صاعد

استطاع الاقتصاد العالمي الحفاظ على قوته، رغم تبنّي أميركا سياسة حمائية حول تجارتها الخارجية التي قد تتسبب بنزاعات مكلفة على الصعيد العالمي. فقد تعثّرت الأسهم خلال شهر مارس (آذار) الماضي بعد أن فرضت أميركا تعريفة على بعض السلع الصينية، وذلك بعد تأثر أسواق المال في فبراير (شباط) بالمخاوف من تسارع مسيرة التضييق المالي. وقد أدى ذلك إلى بقاء مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» على وتيرة تصحيحية بعد أن بدّد ما يتجاوز 10 في المائة من أعلى مستوى حققه في يناير (كانون الثاني).
وأكد تقرير صادر عن وحدة الدراسات والبحوث العالمية في بنك الكويت الوطني، أنه لا يتوقع رغم كل ذلك، نشوء نزاعات تجارية في هذه المرحلة. كما توقع أن تحافظ أساسيات الاقتصاد على قوتها، بالإضافة إلى مزيد من الانتعاش الذي سيوّلده التحفيز المالي في أميركا. فالاقتصاد الأميركي حافظ على قوته، إذ تشير البيانات إلى قوة النشاط ونمو سوق العمل. وقد حافظ المؤشر الصناعي لبنك الاحتياط الفيدرالي في فيلادلفيا على قوته بصورة استثنائية ليستقر عند 22.3 نقطة خلال مارس (آذار)، بالإضافة إلى قوة الطلبات الجديدة، وبالأخص الطلبات التي لم تنفّذ بعد. كما جاء الإنتاج الصناعي أيضاً قوياً في فبراير (شباط)، مسجلاً زيادة بلغت 1.1 في المائة خلال الشهر، وذلك بعد تراجعه لعدة أشهر. وحققت بيانات التوظيف في فبراير أيضاً مستوى أفضل من المتوقع، مع ارتفاع التوظيف غير الزراعي بواقع 313 ألف وظيفة، أي أعلى من التوقعات بنحو 200 ألف وظيفة. وسجّلت الطلبات على السلع المعمّرة أيضاً أداءً قوياً في فبراير.
وأظهر معدل التضخم الأميركي بعض مؤشرات التسارع وسط ركوده النسبي. فقد تباطأت أسعار المستهلك وأسعار الجملة خلال شهر فبراير، مما ساهم في تخفيف حدّة المخاوف بشأن زيادة الضغوطات على الأسعار التي خلّفت أثراً على الأسواق في فبراير. كما تباطأ أيضاً نمو الرواتب في فبراير، إلا أن معدل التضخم الأساسي استمر بالارتفاع، ولكن بصورة بطيئة، ليستقر عند 1.8 في المائة على أساس سنوي. واستمر أيضاً مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الذي يتتبعه مجلس الاحتياط عن كثب في الارتفاع ليقترب من تحقيق هدفه عند 2 في المائة.
ومن المفترض أن تساهم قوة تلك البيانات ووتيرة تحسن التضخم في حفاظ السلطات النقدية على اعتدال سياساتها. فقد رفع مجلس الاحتياط الفيدرالي الفائدة بواقع 25 نقطة أساس إلى ما بين 1.5 و1.75 في المائة في آخر اجتماع كما كان متوقعاً. كما قام المجلس أيضاً بتعديل توقعاته للنمو للمرة الثانية هذا العام من 2.5 في المائة و2.1 في المائة في السابق إلى 2.7 و2.4 في المائة للعام 2018. كما قام المجلس أيضاً بتعديل توقعات رفع الفائدة قليلاً. فبينما تشير التوقعات إلى القيام برفع إضافي للفائدة بواقع مرتين أو أكثر خلال 2018، من المرجّح أيضاً أن يتم رفعها ثلاث مرات.
ومن المتوقع رفع الفائدة ثلاث مرات في العام 2019 ومرتين في العام 2020. وبصفة عامة، يشير الرسم البياني الإحصائي إلى مَيل أغلبية المجلس قليلاً نحو سياسة نقدية متشددة.
ومن الممكن أن تؤدي تحركات الرئيس دونالد ترمب المتشددة بشأن التجارة مع الصين مؤخراً إلى إشعال نزاع تجاري مُكلف، إلا أن التقرير لا يرجّح ذلك!
على الصعيد الأوروبي، حافظت منطقة اليورو على وتيرة التعافي مع وجود بعض البيانات التي جاءت دون التوقعات. فقد تراجع مؤشر مديري المشتريات أكثر من المتوقع في مارس (آذار)، ليصل إلى 55.3 نقطة، وذلك نتيجة برودة الطقس وقوة اليورو وبعض المخاوف الجيوسياسية. ولكن لا تزال النسبة جيدة نسبياً، حيث ترتبط بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2 في المائة إلى 3 في المائة. وشهد سوق العمل في منطقة اليورو تحسناً أيضاً مع بلوغ البطالة أدنى مستوياتها عند 8.6 في المائة.
ولا يزال التضخم يشكل مصدر قلق لمنطقة اليورو على أثر استمرار ركود التضخم الأساسي الذي استقر عند 1 في المائة على أساس سنوي في فبراير. وسيواصل البنك المركزي الأوروبي برنامج التيسير النقدي لمدة قد تمتد حتى بعد نهاية برنامجه لشراء الأصول، لكن بدأت تلوح مؤشرات لاتخاذ موقف أكثر تشدداً. وعلى أي حال، ليس من المتوقع أن ينتهي برنامج شراء الأصول قبل أواخر العام، وقد تبدأ تحركات رفع الفائدة في العام 2019.
أما في اليابان فقد واصل الاقتصاد تعافيه، إذ تشير البيانات الأخيرة إلى رفع توقعات النمو للربع الرابع من العام 2017 إلى 1.6 في المائة من نسبة سنوية بلغت 0.9 في المائة، وذلك إثر تحسن بيانات المصروفات والمخزون.
وقد استقر التضخم، باستثناء التضخم في أسعار المواد الغذائية والطاقة، عند 0.4 في المائة على أساس سنوي في فبراير، ولكنه جاء مرتفعاً قليلاً على عكس التوقعات. وقد أدى ذلك إلى إبقاء بنك اليابان المركزي على أسعار الفائدة عند مستوياتها في اجتماعه الأخير، كما يتوقع بلوغ التضخم هدفه عند 2 في المائة بحلول شهر مارس (آذار) من العام 2020. وحافظ البنك أيضاً على نظرته المتفائلة للاقتصاد الياباني.
وعن الصين، كانت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، أبدت تفاؤلاً حيال الاقتصاد الصيني، قائلة: «لا داعي للقلق» بشأن النمو الذي حددته بكين بنحو 6.5 في المائة للعام 2018، علماً بأن تلك النسبة تمثل تباطؤاً مقارنة بالعام 2017 عندما وصل النمو الصيني إلى 6.9 في المائة.
وقالت لاغارد خلال مؤتمر صحافي في بوينس آيرس الشهر الماضي: «أعتقد أنه يجب ألا نكون قلقين بشأن تطور النمو الصيني، كان لدى الصين نمو سريع جداً خلال سنوات عديدة، وقد حققت إنجازات رائعة حقاً من خلال إخراج مئات ملايين الأشخاص من الفقر في عقدين. لقد أدى ذلك إلى تطور لم يكن متوقعاً قبل سنوات قليلة».
وتابعت لاغارد: «نحن ننتقل من اقتصاد كان مغلقاً تماماً إلى اقتصاد مفتوح كلياً»، مشيرة إلى أنه «ثاني أكبر اقتصاد في العالم».
وبالنسبة لأسعار النفط، فإنها منتعشة نسبياً نتيجة بعض القلق من المخاطر الجيوسياسية، وذلك بعد تراجعها في فبراير عن ارتفاعها السابق. فقد زادت احتمالية انسحاب أميركا من اتفاق إيران النووي بعد أن قام الرئيس ترمب بتعيين اثنين من أصحاب السياسات المتشددة لمنصبي وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات الأميركية، الأمر الذي تسبب في تصاعد التوتر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما تلقت أسعار النفط دعماً من محادثات حول اعتزام السعودية تمديد فترة اتفاقية «أوبك» وشركائها لاستمرار خفض الإنتاج في العام 2019 وتقليل إنتاج فنزويلا. وساهم كل ذلك في ارتفاع سعر مزيج برنت إلى أعلى من 70 دولاراً في الأيام الماضية. ولكن لا يزال من المتوقع أن تواجه أسعار النفط تراجعاً خلال الأشهر المقبلة بسبب الإنتاج الأميركي الذي واصل تسجيل ارتفاعات جديدة بشكل أسبوعي. وقد جاءت جميع هذه القوى متوازنة إلى حد ما في هذه الفترة، وإذا استمر الحال على ما هو دون حدوث أي تطورات أخرى، بإمكان أسعار النفط البقاء عند نطاق 60 دولاراً للبرميل.



الصين تتوقع نمواً بنسبة 5% هذا العام

عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)
عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)
TT

الصين تتوقع نمواً بنسبة 5% هذا العام

عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)
عمال السكك الحديدية في الصين يجمعون آلة حفر الأنابيب في موقع بناء محطة قطار تحت الأرض في هوتشو (رويترز)

قال نائب مدير اللجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية في الصين يوم السبت إن اقتصاد الصين من المتوقع أن ينمو بنحو 5 في المائة هذا العام. وأضاف هان وين شيو في مؤتمر اقتصادي أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيُسهم بنحو 30 في المائة من النمو العالمي. وأشار هان، الذي يشغل أيضاً منصب مسؤول كبير في الحزب الشيوعي الحاكم، إلى ضرورة تعزيز الاستهلاك واعتبار توسيع الطلب المحلي خطوة استراتيجية طويلة الأجل، حيث من المتوقع أن يصبح هذا الطلب القوة الدافعة الرئيسة للنمو الاقتصادي.

وأعلنت الصين يوم الخميس عن خطط لزيادة إصدار الديون وتخفيف السياسة النقدية للحفاظ على معدل نمو اقتصادي مستقر، استعداداً لمواجهة مزيد من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة في ظل احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. كما أوصى مستشارو الحكومة بالحفاظ على هدف نمو يتراوح حول 5 في المائة للعام المقبل، وفقاً لتقرير «رويترز» الصادر الشهر الماضي.

وبينما تتوقع سوق الأسهم انتعاش الاستهلاك في الصين، يراهن مستثمرو السندات على استمرار التحديات الاقتصادية. وأكد هان أن سياسة مالية نشطة إلى جانب سياسة نقدية أكثر تساهلاً ستساعد الصين على التكيف بشكل أفضل مع العوامل غير المستقرة وغير المؤكدة في الاقتصاد، مما يوفر دعماً قوياً لتحقيق الأهداف السنوية.

وفيما يتعلق بالاحتياطات المالية، أوضح هان أن احتياطيات النقد الأجنبي في الصين من المتوقع أن تظل فوق 3.2 تريليون دولار هذا العام، مع الاستمرار في استقرار مستويات العمالة والأسعار.

على صعيد آخر، أظهرت البيانات الرسمية التي أصدرها بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) ارتفاعاً في القروض المقومة باليوان بمقدار 17.1 تريليون يوان (نحو 2.38 تريليون دولار) خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2024.

وأشارت البيانات، التي نقلتها وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا)، إلى زيادة في مؤشر «إم 2»، الذي يُعتبر مقياساً واسع النطاق للمعروض النقدي ويشمل النقد المتداول وجميع الودائع، بنسبة 7.1 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 311.96 تريليون يوان بنهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

في المقابل، بلغ مؤشر «إم 1»، الذي يغطي النقد المتداول والودائع تحت الطلب، 65.09 تريليون يوان بنهاية الشهر الماضي، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 3.7 في المائة على أساس سنوي.

أما مؤشر «إم 0»، الذي يعكس حجم النقد المتداول، فقد ارتفع بنسبة 12.7 في المائة مقارنة بالعام السابق، ليصل إلى 12.42 تريليون يوان بنهاية نوفمبر، وفقاً للبيانات الصادرة عن البنك المركزي الصيني.

وفيما يخص القروض المستحقة باليوان، فقد بلغت 254.68 تريليون يوان بنهاية نوفمبر، بزيادة قدرها 7.7 في المائة على أساس سنوي.

كما أظهرت البيانات أن التمويل الاجتماعي المستحق بلغ 405.6 تريليون يوان بنهاية الشهر الماضي، مسجلاً زيادة بنسبة 7.8 في المائة على أساس سنوي.