فرنسا تصاب بالشلل في يوم «الثلاثاء الأسود»

إضراب السكك الحديدية يومين أسبوعياً يستمر حتى نهاية يونيو

إحدى محطات القطار الرئيسية في باريس أمس في أول يوم إضراب (أ.ف.ب)
إحدى محطات القطار الرئيسية في باريس أمس في أول يوم إضراب (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تصاب بالشلل في يوم «الثلاثاء الأسود»

إحدى محطات القطار الرئيسية في باريس أمس في أول يوم إضراب (أ.ف.ب)
إحدى محطات القطار الرئيسية في باريس أمس في أول يوم إضراب (أ.ف.ب)

سادت الفوضى خدمات السكك الحديدية أمس الثلاثاء في اليوم الأول من إضرابات متواصلة ستستمر لشهور، في أصعب اختبار حتى الآن لتصميم الرئيس إيمانويل ماكرون على تحديث الاقتصاد الفرنسي. ووصفت وسائل الإعلام الفرنسية اليوم بـ«الثلاثاء الأسود». وأظهرت لقطات تلفزيونية تكدس أرصفة محطة غار دو نور، أكثر محطات السكك الحديدية ازدحاما في باريس، بالركاب لدرجة أن البعض سقطوا على القضبان.
وسيواجه مستخدمو القطارات يوميا والبالغ عددهم 4,5 مليون شخص أسابيع من الفوضى وسط إضراب ليومين كل خمسة أيام يستمر حتى 28 يونيو (حزيران)، ما يوازي 36 يوما من الإضراب بصورة إجمالية.
وحدها حركة النقل الدولية تبقى مستثناة إلى حد ما من الإضراب مع تسيير ثلاثة قطارات «يورو ستار» من أصل أربعة وحركة سير شبه طبيعية على خطوط «تاليس» إلى بلجيكا. في المقابل، لن يكون هناك أي قطارات إلى إسبانيا وإيطاليا وسويسرا.
وقالت الشركة الوطنية الفرنسية للسكك الحديدية (إس إن سي إف) إنه جرى تشغيل قطار واحد فقط من أربعة قطارات في منطقة باريس مع عودة الناس للعمل في أعقاب انتهاء عطلة عيد الفصح في مطلع الأسبوع. وقال فيليب مارتينيز رئيس «الكونفدرالية العامة للعمل» (سي جي تي)، أكبر النقابات الفرنسية لإذاعة إنتر فرانس: «طالبنا بالشيء نفسه لعدة أسابيع بأن تعيد الحكومة النظر في خطتها كليا. عليهم أن يبدأوا من الصفر مجددا».
ويحتج موظفو السكك الحديد على إلغاء الوضع الخاص الذي يحظون به، وكيفيات فتح القطاع على المنافسة وتحويل الشركة إلى شركة مساهمة، ما يمهد بنظرهم لعملية خصخصة في المستقبل، رغم نفي الحكومة.
ووعدت الحكومة بأنها لن تطرح شركة (إس إن سي إف) للسكك الحديدية للخصخصة، كما وعدت بأن يحتفظ العاملون الحاليون بأوضاعهم، غير أن هذه الوعود لم تفلح في إنهاء استياء النقابات العمالية.
وشارك أكثر من ثلاثة أرباع سائقي القطارات في اليوم الأول من الإضراب، بحسب إدارة الشركة الوطنية للسكك الحديدية، الشركة العامة المشرفة على القطارات في فرنسا والتي ترزح تحت ديون طائلة ويرغب ماكرون في إصلاحها. لكن ثلث عدد الموظفين فقط شاركوا في الإضراب بحسب الشركة.
وقالت الشركة إن ما يزيد قليلا عن ثلث عدد العاملين شاركوا في الإضراب، ولكن هذا العدد شمل ما نسبته 48 في المائة من الأشخاص الذين يتطلب تشغيل القطارات وجودهم في أماكن العمل. كما يعمل خط واحد فقط من بين خمسة خطوط إقليمية للقطارات، وفي إقليم باريس تم إلغاء العمل على خطين للضواحي بينما عملت خطوط أخرى بشكل محدود للغاية.
وتساءل مارتينز قائلا، كما نقلت عنه الصحافة الفرنسية: «هل تعتقدون أن العاملين بالسكك الحديدية يضربون عن العمل كنوع من التسلية؟». وأضاف: «إنهم كانوا يحذرون من القيام بالإضراب لعدة أسابيع، ويقولون لا تسيروا على هذا الطريق وإلا لأصبح الأمر عسيرا». بينما أكدت وزيرة النقل الفرنسية إليزابيث بورن أن الحكومة كانت تخطط لضخ استثمارات كبيرة في السكك الحديدية. وقالت: «لا يستطيع أحد أن يفهم عندما أعلنت إجراء مفاوضات تستغرق شهرين والتي قطعنا فيها نصف المدة، كيف لا تستطيع النقابات العمالية تحقيق تقدم في هذه المفاوضات». وتسعى الحكومة إلى الحصول على سلطات لتمرير الإصلاحات عن طريق إصدار مرسوم، في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات على التوازي حول تفاصيل برنامج الإصلاح.
وقال مصدر حكومي لوكالة الصحافة الفرنسية: «نتوقع تحركا اجتماعيا كبيرا جدا وقويا جدا، مع وطأة شديدة للغاية على مستخدمي القطارات. وعلينا في المقابل أن نبقى ملتزمين بالوجهة التي حددناها».
وتشير الحكومة في تبريرها للإصلاح المزمع، إلى الديون الطائلة المترتبة على الشركة والتي بلغت 46,6 مليار يورو في نهاية 2017، وتشدد على ضرورة تحديث قطاع سيفتح قريبا على المنافسة، مذكرة بأن «تكلفة تسيير قطار في فرنسا أعلى بثلاثين في المائة من أي مكان آخر». ويمثل هذا الإضراب للرئيس ماكرون الاختبار الثاني الذي يواجهه مع النقابات العمالية في بلاده، بعد أن نجح في تمرير مجموعة من الإصلاحات لصالح أرباب العمل داخل قوانين العمل العام الماضي.
كما ينفذ موظفو شركة «إير فرانس» وجامعو النفايات وبعض موظفي قطاع الطاقة إضرابات منفصلة وسط تزايد الاستياء الاجتماعي بعد 11 شهرا على وصول ماكرون إلى الإليزيه. الإضراب «إير فرانس» الذي قد يؤدي بحسب الإدارة إلى تجميد ربع طائرات الشركة، فليس ناجما عن إصلاحات ماكرون، لكنه يعطي المزيد من الزخم لموجة الاستياء في مرحلة مفصلية سواء للنقابات أو للحكومة.
وتبلغ نسبة التأييد الشعبي لإضراب سكك الحديد أقل بقليل من نصف المستطلعين، بحسب استطلاع لمركز إيفوب نشرت نتائجه الأحد. وعبر المسافرون عن مزيج من التعاطف والإحباط إزاء تقليص الخدمة. واشتكى جان ناهافوا، المدير في شركة للبيع بالجملة يقيم في ليل ويأتي إلى باريس للعمل «أبدأ عملي الواحدة بعد الظهر، واضطررت للاستيقاظ الساعة الخامسة صباحا». وأضاف: «سيستمر الأمر ثلاثة أشهر وسيكون الوضع معقدا».
وقال باسكال لاسنييه، الموظف في مصرف وكان ينتظر في المحطة نفسها: «أفهم أنهم يريدون الدفاع عن مصالحهم لكن ربما هناك طرق أخرى للقيام بذلك». وفيما اختار المواطنون التنقل بالسيارات كانت طرق باريس تشهد اختناقات «استثنائية» امتدت 370 كلم خلال ساعات الذروة الصباحية قبل أن تهدأ، بحسب موقع سيتادين الذي يرصد حركة المرور. وقالت ماري شارل إحدى الركاب، لـ«رويترز»: «أفهم سبب إضرابهم... ولكن اليوم هو أول يوم عمل لي في وظيفتي الجديدة ومن ثم كان من الأفضل أن يسير بلا إضراب».
وآخر مرة واجه فيها رئيس فرنسي اتحادات السكك الحديدية بشأن المزايا التي يتمتع بها العمال انتهت بشكل سيء. وأدت إضرابات عام 1995 إلى إصابة باريس بالشلل وأجبرت رئيس الوزراء آنذاك آلان جوبيه على التراجع عن الإصلاحات في هزيمة دفعت جوبيه في نهاية الأمر إلى الاستقالة، ثم حل الرئيس آنذاك جاك شيراك الحكومة. ولكن الاتحادات الفرنسية أضعف مما كانت عليه في 1995، كما أنها غير موحدة في ردها على إصلاحات ماكرون الاجتماعية والاقتصادية.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.