المشهد الأول: 6 سنوات للوراء... ليل - داخلي... يمسك أستاذ الطب، بجامعة طنطا، بقلمه ويكتب: «كان من الوارد جدا أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 أبريل (نيسان) بعد صلاة الظهر». المشهد الثاني: 3 أبريل 2018... نهار - خارجي... جنازة مهيبة وحزينة بعد صلاة الظهر، لوداع صاحب مقال: «أماركورد»، الروائي المصري الشهير، الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي تنبأ بيوم وفاته، وكتب عن مشهد جنازته قائلا: «ستكون مشاهد جنازتي جميلة ومؤثرة، لكني لن أراها للأسف، رغم إنني سأحضرها بالتأكيد».
وشيعت مصر أمس الثلاثاء، الكاتب الروائي والطبيب الدكتور أحمد خالد توفيق، الملقب بـ«العراب» عن عمر يناهز 55 سنة، بمسقط رأسه ومحل إقامته الأثير، بمدينة طنطا «شمال القاهرة»، وسط صدمة من محبيه وقرائه، بعدما أثرى المكتبة العربية، بكثير من مؤلفات أدب الرعب والخيال العلمي والفانتازيا. ونعاه وزراء وشخصيات عامة في مصر، مؤكدين أن رحيله خسارة كبيرة للأدب والإبداع في مصر.
«وأنا يا رفاق أخشي الموت كثيرا، ولست من هؤلاء المدعين، الذين يرددون في فخر طفولي نحن لا نهاب الموت، كيف لا أهاب الموت، وأنا غير مستعد للقاء خالقي. إن من لا يخشى الموت هو أحمق، أو واهن الإيمان، وكفاني أن عمر بن الخطاب، أعلن أنه يخشى الموت كثيرا، فأين نحن منه». كلمات سطرها الكاتب المصري، قبل رحيله «المفاجئ» عن عالم الكتابة والإبداع، وكأنه كان يتحسس أنباء الموت، الذي كان يعظمه ويتأمله في معظم أعماله الأدبية.
وتسابق كثير من مريديه ومحبيه في تأبينه على وتر الذكريات والمواقف الإنسانية الحميمة التي تنم عن شخصية «توفيق» «الرائعة»، وذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، تارة بالجمل والأقوال المأثورة، التي كتبها في رواياته الشهيرة، ورأوا أنها تمثلهم وتعبر عنهم، وتارة أخرى بمقتطفات مما كتبه في رواية «أسطورة النبوءة»: «وداعا أيها الغريب... كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة... عسى أن تجد جنتك التي فتشت عنها كثيرًا... وداعا أيها الغريب... كانت زيارتك رقصة من رقصات الظل... قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس... لحنا سمعناه لثوان من الدغل... ثم هززنا رؤوسنا وقلنا إننا توهمناه... وداعًا أيها الغريب... لكن كل شيء ينتهي».
بدأت رحلة أحمد خالد توفيق الأدبية مع كتابة سلسلة ما «وراء الطبيعة»، في بداية تسعينات القرن الماضي، وبعد نجاح البدايات، أصدر بعدها سلسلة «فانتازيا» عام 1995، ثم Error! Hyperlink reference not valid». عام 1996، ثم سلسلة «روايات عالمية للجيب» وهي روايات مترجمة. وسلسلة «رجفة الخوف» وهي روايات رعب مترجمة. قبل أن يصدر سلسلة «WWW» عن دايموند بوك ودار ليلى للنشر.
وحققت روايات الأديب الراحل، نجاحا جماهيريا كبيرا، وأشهرها «يوتوبيا» عام 2008 التي ترجمت إلى عدة لغات، وأعيد نشرها في أعوام لاحقة، وكذلك رواية «السنجة» التي صدرت عام 2012، و«إيكاروس» عام 2015، ثم رواية «في ممر الفئران» التي صدرت عام 2016، بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مثل: «قصاصات قابلة للحرق»، و«عقل بلا جسد»، و«الآن نفتح الصندوق»، التي صدرت على 3 أجزاء. وعدد آخر كبير من المؤلفات والروايات. وعلى الرغم من نشاط «توفيق» الأدبي، فإنه استمر بالعمل في مجال الطب، وعمل استشاريا بقسم أمراض الباطنة المتوطنة، بكلية الطب، جامعة طنطا.
أثرى «توفيق» مريديه برواياته وأسلوبه الرشيق، كما عشق كثيرون روعة خياله... بعضهم تأثر بالرعب والبعض الآخر عاش في المساحات الشاسعة، التي أخذهم إليها من أدغال أفريقيا إلى الساحل الشمالي، فهو «البطل ذو الألف وجه»، وحاكم «يوتوبيا».
الدكتورة إيناس عبد الدايم وزير الثقافة المصرية، نعته قائلة إن «الثقافة المصرية والعربية، فقدت روائيا عظيما، طالما أثرى الحياة الثقافية في مصر والوطن العربي». وأضافت: «الكاتب الراحل ترك للمكتبة العربية كثيرا من الروايات والكتابات النقدية المهمة، وكان أحد أبرز كتاب قصص التشويق والشباب في الوطن العربي، التي تتميز بأسلوبه الممتع والمشوق، مما أكسبه قاعدة كبيرة من الجمهور والقراء». كما نعته جامعة طنطا، على لسان الدكتور مجدي سبع رئيس الجامعة، الذي قال: «فقدنا قامة طبية وأدبية كبيرة، خدمت الوطن طوال عمرها».
في السياق نفسه، نعى عدد من الوزراء، والمثقفين والفنانين، والشخصيات العامة في مصر، الروائي الراحل، بالإضافة إلى تلاميذه ومحبيه، الذين أثنوا على مبادئه وأفكاره التي لم تتغير، بتغير الظروف السياسية في مصر في الآونة الأخيرة.
وكتب، الكاتب محمد أبو الغيط، عن «توفيق» واصفا إياه بـ«أبانا الذي في طنطا»، قائلا: «كالعادة يثبت أن هناك علاقة ما بين الشخصيات الأدبية وبين كاتبها، كان دكتور أحمد شخصيا، دائماً الشخص العادي القريب - مثل شخصياته - بكل بساطته وتواضعه واهتمامه الدائم، لم تغيره لا الشهرة، ولا كونه أصلاً أستاذا جامعيا ممن اعتدنا منهم الإقامة في أبراجهم العالية». وأضاف: «كان يحكي عن شبابه لنرى أنفسنا في زمنه، هو ذلك الشاب المجتهد في دراسته، القارئ للأدب الروسي والعربي، المُشارك في مجلات الكلية، المطمئن لوجوده في موطنه (طنطا) بينما تصيبه المدينة الكبيرة (القاهرة) بالارتباك بزحامها وضوضائها... في لقائه التلفزيوني الأخير مع خيري رمضان، قال إن بقاءه في طنطا أفقده شبكات العلاقات المطلوبة ليكتب سيناريوهات أفلام أو مسلسلات، وهو راضٍ بهذا الثمن مقابل راحته النفسية».
مصر تشيّع أحمد خالد توفيق... «وداعاً أيها الغريب»
أشهر من كتب في أدب الرعب و«الفانتازيا» والخيال العلمي
مصر تشيّع أحمد خالد توفيق... «وداعاً أيها الغريب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة