«خطوات على الماء»... أرشيف لصور وثّقت المجتمع السعودي في القرن الماضي

يوميات مدن المملكة وقراها بالأبيض والأسود

إحدى معروضات {خطوات على الماء}
إحدى معروضات {خطوات على الماء}
TT

«خطوات على الماء»... أرشيف لصور وثّقت المجتمع السعودي في القرن الماضي

إحدى معروضات {خطوات على الماء}
إحدى معروضات {خطوات على الماء}

أفتتح أمس بجمعية الثقافة والفنون معرض «خطوات على الماء»، الذي تنظمه مبادرة «غرفة الذاكرة»، وهي مبادرة يسعى القائمون عليها لتحقيق وتقديم أرشيف الصور الفوتوغرافية، وبخاصة تلك التي التقطها مصورون أجانب ووثقت الحياة الاجتماعية للمدن السعودية في القرن الماضي.
يحفل المعرض بمجموعة من الصور التقطتها في سبعينات القرن الماضي المصورة الأميركية دورثي ميلر، التي عملت في شركة النفط العربية الأميركية «أرامكو» عام 1947، واهتمت خلال فترة تواجدها على توثيق يوميات السكان المحليين في مدن وقرى الأحساء والقطيف والدمام والظهران والجبيل والخبر. وتبرعت بخزانة الصور التي تحتفظ بها من تاريخ السعودية إلى جامعة جورج تاون في واشنطن، وتسلط لوحات المعرض الضوء على حياة المرأة في القطيف شرقي السعودية على ساحل الخليج، في سبعينات القرن الماضي.
ينظم المعرض فريق مبادرة «غرفة الذاكرة» الفنانون: أثير السادة، حيدر العلوي، ورضا العلوي. وقام الشاعر والمحقق عدنان العوامي بتوثيق سيرة الماء ودوره في الحياة الاجتماعية والثقافية في القطيف، عبر كتابه «عيون القطيف: الفردوس الموؤود»، الذي دشن خلال المعرض. باعتبار أن الماء وسيلة حياة الإنسان بما يرتبط بمعيشة سكان الواحة سواء عبر الزراعة أو الصيد، أو غيرهما.
وكانت القطيف واحة زراعية ممتدة، لعبت المرأة فيها دوراً بارزاً في مجتمع ريفي. ورصدت المصورة ميلر مسيرة المرأة هناك بين عيون الماء والحقول الزراعية، وبين الحارات السكنية، وهنّ يحملن الأمتعة من ملابس وغيرها ليغسلنها في النبع أو الجداول، في حي حين كان الأطفال يتلهون باللعب بالقرب من عيون الماء.
ارتبطت المرأة بالماء، فحيثما كان الماء كانت المرأة هناك، رمزاً للخصوبة والحياة والعطاء، ونجحت المصورة الأميركية التي التقطت الصور أن تؤسس ذاكرة بصرية للمكان عبر توثيق يوميات المرأة في واحة القطيف، بما يوفر حصيلة ثقافية ثرية للطبيعة الاجتماعية التي تلعب المرأة دوراً رئيسياً فيها.
كان معرض «خطوات على الماء»، قد ابتدأ مشواره في نادي الصفا الرياضي، مسجلاً حضوراً لافتاً من جانب المثقفين وعشاق الصورة والتراث، تضمن المعرض 12 صورة جميعها للمصورة الأميركية دورثي ميلر، كما احتوى على أربع منحوتات خشبية تجسد المرأة القطيفية ومزاولتها من صنع الفنانين حيدر ورضا علوي العلوي.
ونجح منظمو المعرض في إضفاء مؤثرات صوتية مسجلة لسيدات يروين سيرتهن في ارتياد ينابيع الماء، وحكايات الطفولة التي قضينها وهنّ يتنقلن بين العيون، مع إيقاع صوتي لخرير المياه تمنح المعرض حيوية وحضوراً وتعيد المشاهدين إلى الماضي.
يقول المصور والكاتب أثير السادة، عن تجربته في تنظيم هذا المعرض: إن كل مثقف يطمح أن يكتب من هذه الصورة سيرة لبلدته، أو قريته، وأن يكتب سيرة لعائلته التي نمت على ضفاف الماء، فهذه الصور تحاول أن لا ترسم طريقاً واحدة للذاكرة، فهي تفتح الباب على مصراعيه لانتخاب المعاني التي تتسلل من صور لا تخلو من التكرار، لكنها أيضاً لا تخلو من هوامش الاكتشاف، الصور ليست فارغة، تذكرنا بأن تلك المرأة التي تجمع خطواتها في عجل تحمل على رأسها طعام زوجها في النخل، نتفقد النسوة داخل الصورة، كمن يتفقد ظله وظل والدته يوم كان صبياً يركض في اتساع النخيل.
يكمل: حتى الذين صمتوا أمام حقبة لم يعرفوها، وماء لم يغرفوا منه، كانوا يسيرون على صوت النسوة في شهاداتهن، يرممون ذاكرة مفقودة، قبل أن يجمعهم الفضول على أطراف خريطة الماء، يسندون ظهورهم إلى الوقت، ليخيطوا سيرة أخرى لمكان لم يعرفوه بالتمام، أصابعهم تشير بفرح لقرية مسورة بالعيون، وأخرى تظللت بأعناق النخيل، كمن يقطف ثمرة في خارج موسمها. المشي مع نسوة الماء في معرض خطوات يذهب بنا إلى أفعال الماء في المكان والإنسان، ثمة تعب لا نراه، ومثله فرح لا نلمسه، إلا حين نقترب بحواسنا من هذا الزمن الذي مر، ونقلبه على مجمر الذكريات، فشكراً لكل الذين مشوا إلى هناك، وتركوا لنا عواطفهم وانطباعاتهم، مقترحاتهم ودعواتهم، وكل الذين حملوا النية للوصول.



عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
TT

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)
المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا، فتلامس بصدقها الآخرين، مؤكداً في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي جانباً من طفولته، وأن فكرة توقف الزمن التي طرحها عبر أحداثه هي فكرة سومرية بامتياز، قائلاً إنه «يشعر بالامتنان لمهرجان البحر الأحمر الذي دعم الفيلم في البداية، ومن ثَمّ اختاره ليشارك بالمسابقة، وهو تقدير أسعده كثيراً، وجاء فوز الفيلم بجائزة السيناريو ليتوج كل ذلك، لافتاً إلى أنه يكتب أفلامه لأنه لم يقرأ سيناريو كتبه غيره يستفزه مخرجاً».

بوستر الفيلم يتصدره الصبي آدم (الشركة المنتجة)

ويُعدّ الفيلم إنتاجاً مشتركاً بين كل من العراق وهولندا والسعودية، وهو من بطولة عدد كبير من الممثلين العراقيين من بينهم، عزام أحمد علي، وعبد الجبار حسن، وآلاء نجم، وعلي الكرخي، وأسامة عزام.

تنطلق أحداث فيلم «أناشيد آدم» عام 1946 حين يموت الجد، وفي ظل أوامر الأب الصارمة، يُجبر الصبي «آدم» شقيقه الأصغر «علي» لحضور غُسل جثمان جدهما، حيث تؤثر رؤية الجثة بشكل عميق على «آدم» الذي يقول إنه لا يريد أن يكبر، ومنذ تلك اللحظة يتوقف «آدم» عن التّقدم في السن ويقف عند 12 عاماً، بينما يكبر كل من حوله، ويُشيع أهل القرية أن لعنة قد حلت على الصبي، لكن «إيمان» ابنة عمه، وصديق «آدم» المقرب «انكي» يريان وحدهما أن «آدم» يحظى بنعمة كبيرة؛ إذ حافظ على نقاء الطفل وبراءته داخله، ويتحوّل هذا الصبي إلى شاهدٍ على المتغيرات التي وقعت في العراق؛ إذ إن الفيلم يرصد 8 عقود من الزمان صاخبة بالأحداث والوقائع.

وقال المخرج عُدي رشيد إن فوز الفيلم بجائزة السيناريو مثّل له فرحة كبيرة، كما أن اختياره لمسابقة «البحر الأحمر» في حد ذاته تقدير يعتز به، يضاف إلى تقديره لدعم «صندوق البحر الأحمر» للفيلم، ولولا ذلك ما استكمل العمل، معبراً عن سعادته باستضافة مدينة جدة التاريخية القديمة للمهرجان.

يطرح الفيلم فكرة خيالية عن «توقف الزمن»، وعن جذور هذه الفكرة يقول رشيد إنها رافدية سومرية بامتياز، ولا تخلو من تأثير فرعوني، مضيفاً أن الفيلم بمنزلة «بحث شخصي منه ما بين طفولته وهو ينظر إلى أبيه، ثم وهو كبير ينظر إلى ابنته، متسائلاً: أين تكمن الحقيقة؟».

المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

ويعترف المخرج العراقي بأن سنوات طفولة البطل تلامس سنوات طفولته الشخصية، وأنه عرف صدمة الموت مثله، حسبما يروي: «كان عمري 9 سنوات حين توفي جدي الذي كنت مقرباً منه ومتعلقاً به ونعيش في منزل واحد، وحين رحل بقي ليلة كاملة في فراشه، وبقيت بجواره، وكأنه في حالة نوم عميق، وكانت هذه أول علاقة مباشرة لي مع الموت»، مشيراً إلى أن «الأفلام تعكس قدراً من ذواتنا، فيصل صدقها إلى الآخرين ليشعروا بها ويتفاعلوا معها».

اعتاد رشيد على أن يكتب أفلامه، ويبرّر تمسكه بذلك قائلاً: «لأنني لم أقرأ نصاً كتبه غيري يستفز المخرج داخلي، ربما أكون لست محظوظاً رغم انفتاحي على ذلك».

يبحث عُدي رشيد عند اختيار أبطاله عن الموهبة أولاً مثلما يقول: «أستكشف بعدها مدى استعداد الممثل لفهم ما يجب أن يفعله، وقدر صدقه مع نفسه، أيضاً وجود كيمياء بيني وبينه وقدر من التواصل والتفاهم»، ويضرب المثل بعزام الذي يؤدي شخصية «آدم» بإتقان لافت: «حين التقيته بدأنا نتدرب وندرس ونحكي عبر حوارات عدة، حتى قبل التصوير بدقائق كنت أُغير من حوار الفيلم؛ لأن هناك أفكاراً تطرأ فجأة قد يوحي بها المكان».

صُوّر الفيلم في 36 يوماً بغرب العراق بعد تحضيرٍ استمر نحو عام، واختار المخرج تصويره في محافظة الأنبار وضواحي مدينة هيت التي يخترقها نهر الفرات، بعدما تأكد من تفَهم أهلها لفكرة التصوير.

لقطة من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأخرج رشيد فيلمه الروائي الطويل الأول «غير صالح»، وكان أول فيلم يجري تصويره خلال الاحتلال الأميركي للعراق، ومن ثَمّ فيلم «كرنتينة» عام 2010، وقد هاجر بعدها للولايات المتحدة الأميركية.

يُتابع عُدي رشيد السينما العراقية ويرى أنها تقطع خطوات جيدة ومواهب لافتة وتستعيد مكانتها، وأن أفلاماً مهمة تنطلق منها، لكن المشكلة كما يقول في عزوف الجمهور عن ارتياد السينما مكتفياً بالتلفزيون، وهي مشكلة كبيرة، مؤكداً أنه «يبحث عن الجهة التي يمكن أن تتبناه توزيعياً ليعرض فيلمه في بلاده».