سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

الموسيقار والحكيم

لم يسلم الكثيرون من نقد المفكر جلال أمين أو من سخريته. وراوحت قسوة السخرية بين تجريد الكاتب ثروت أباظة من الموهبة والتبجح بـ«الباشوية»، وبين التقليل من صدقية محمد عبد الوهاب. وقد أخذ على الموسيقار الكبير، كما أخذ على توفيق الحكيم، الانبهار بالغرب إلى درجة الابتعاد عن الجذور وتجاهلها. وكاد يقول - في حدّته - إنكارها.
يقول عن الموسيقار في «شخصيات لها تاريخ» إن «عبد الوهاب تربع على عرش الموسيقى والغناء في مصر منذ نحو ستين عاماً، وله في كل مناسبة أغنية وفي كل مهرجان نصيب. إذا ظهرت السينما مثّل، وإذا ظهر الراديو غنّى من خلاله، وإذا ظهر التسجيل على الأسطوانات، ثم الكاسيتات، أنشأ شركة للتسجيل، وإذا حلّت الأوركسترا محل التخت القديم استخدمها، وإذا ظهرت آلة جديدة أدخلها في ألحانه...».
ثم ينتقل إلى الموقف الشخصي فيقول إنه كان منذ صغره يفضل أم كلثوم بسبب أصالتها «وبكل ما تمثله من التراث بالمقارنة مع موقف عبد الوهاب». «وإني كنت، وما زلت، أستهجن من عبد الوهاب الدرجة التي سمح بها أن يفتح باب موسيقاه للتأثر بالموسيقى الغربية».
وهو يعتقد أن «توفيق الحكيم كان حسّه الفني أقوى بكثير من حسه الخلقي». ويرى أن ما يجمع بين عبد الوهاب والحكيم، وأيضاً أنور السادات، أنهم جميعاً «لا منتمون»، وليس في داخلهم التزام حقيقي بالمفهوم الذي نراه. هذا لا يعني أنهم لم يكونوا يحبون مصر، لكن محبة الذات كانت تفوق أي شيء آخر.
«شخصيات لها تاريخ» (دار الشروق) بحث فكري اجتماعي على طريقة جلال أمين وأسلوبه النقدي ومواقفه الاعتراضية ورحلته الطويلة في عدم المهادنة. إنه تاريخ هذه المرحلة المصرية من خلال زعمائها وكتّابها وصحافييها وفنانيها. وفي خلاصاته أن السبعينات «كان عقد تصفية الانتماءات. الانتماء للعرب وللفلسطينيين وللفقراء وللعالم الثالث».
يستدرك جلال أمين: يجب ألا نفهمه خطأ. إنه ليس ضد التجديد والتطوير «لكن عبد الوهاب، في رأيي ليس إلا واحداً من قادة التطور الثقافي الذين اختاروا طريق التغريب بلا هوادة، أو رحمة. وأني أشعر شعوراً لا يداخله الشك بأن هذا الاختيار قد جانب الصواب، وأميلُ بكل جوارحي إلى منهج زكريا أحمد ومحمود الشريف وأحمد صدقي وأمثالهم. أن هذه المدرسة الأخيرة هي مدرسة مجددة أيضاً، ولكنها كانت استمراراً طبيعياً وسلساً دون أن تحدث أي انقطاع مصطنع في تيار التطور في الحياة الفنية في مصر».