موسكو تحاول تحفيز روح الشباب عند متقاعديها

ستساهم في قتل الفراغ الذي يشعر به هؤلاء

برامج تساهم في قتل الملل والفراغ
برامج تساهم في قتل الملل والفراغ
TT

موسكو تحاول تحفيز روح الشباب عند متقاعديها

برامج تساهم في قتل الملل والفراغ
برامج تساهم في قتل الملل والفراغ

بينما يجهد كثيرون في تنظيم أعمالهم ضمن جداول دقيقة على أمل توفير بعض الوقت للقيام بأعمال ما خارج إطار العمل والوظيفة، فإن وفرة الوقت دون نشاط محدد يمارسه الإنسان، يعزز من خلاله ثقته بحفاظه على قدرة العطاء والإنتاج، مشكلة رئيسية يواجهها أي إنسان عند إحالته للتقاعد.
ويبحث كل شخص عن حل لهذه المشكلة تبعا لظروفه الخاصة، وعلى سبيل المثال هناك من يكرس وقته للاهتمام بالأحفاد وقضايا عائلية أخرى، ويتجه البعض الآخر ممن يعيشون في مناطق ريفية، نحو الاهتمام بأعمال زراعية لا ترقى إلى مستوى النشاط الإنتاجي، لكنها تمنح المتقاعد شعوراً بأنه ما زال يمتلك القدرة على العمل والعطاء. ويستفيد آخرون من فائض الوقت في مرحلة التقاعد للقيام بأعمال حلموا بها، لكن قلة الوقت في سنوات العمل حالت دون تحقيقها، مثل التجوال والسياحة للتعرف على دول العالم، ونشاطات أخرى.
وتكون ظروف المتقاعدين أكثر تعقيداً في مدن كبرى، مثل العاصمة الروسية موسكو، حيث يعاني كثيرون من شعور قاتل بالوحدة، نظرا لانشغال الجميع بأعمالهم، وقلة النشاطات التي يمكن أن يشغل بها المتقاعد وقته، فضلا عن أن المعاشات التقاعدية في روسيا غالبا تكون متدنية، لا توفر للمتقاعد إمكانية السفر بهدف السياحة، أو ممارسة نشاطات أخرى.
ولمساعدة المتقاعدين في موسكو أقرت سلطات المدينة برنامجاً خاصاً، يتيح لهم إمكانية التردد على مراكز صحية ونقاهات علاجية، ومراكز ثقافية ومسارح، ومراكز تعليمية ورياضية. هذا ما أعلن عنه مؤخرا سيرغي سوبيانين، عمدة موسكو، الذي أشار في تصريحات إلى ارتفاع متوسط العمر بين الموسكويين حتى 77 عاماً، وقال إن أكثر من 600 مواطن في المدينة تجاوزوا المائة عام من العمر، بينما ارتفعت بشكل محلوظ أعداد كبار السن الذين يزيد عمرهم على 80 - 90 عاماً. ولا يزال معظم هؤلاء يرغبون بممارسة نشاطات ثقافية ورياضية وغيرها، وأن تكون حياتهم بشكل عام مفعمة بالنشاط وروح الشباب.
وستشارك في الخطة التي وضعتها سلطات المدينة الروسية مؤسسات رياضية وثقافية وطبية، تحصل على تمويل خاص من ميزانية المدينة، لتغطية النفقة على برامج خاصة يتم وضعها لتحسين الظروف المعيشية - الاجتماعية للمتقاعدين. وتشمل البرامج التي يدور الحديث عنها المشاركة في نشاطات ثقافية مثل حضور الحفلات الفنية والمسرحية وربما المشاركة في بعض الأعمال الفنية، فضلا عن توفير إمكانية قضاء فترة نقاهة في منتجعات ترفيهية طبية، يتلقى فيها المتقاعد الرعاية التامة، ويخضع خلال إقامته هناك لفحوص طبية، ويمارس هوايات محددة يوفرها المنتجع - النقاهة. وستكون هناك نشاطات رياضية، لكن بشرط الحصول على شهادة طبية تؤكد أن تلك النشاطات لا تضر بصحة المتقاعد. والفكرة الرئيسية للخطة الفريدة من نوعها تقوم على أن يشارك المتقاعدون معا في تلك النشاطات، لخلق وسط اجتماعي يتفاعلون من خلاله، وربما يشاركون معا في وضع بعض الخطط والمشروعات المشتركة.
ويرى القائمون على هذا المشروع أن تلك النشاطات التي ستعتمد على العمل الجماعي، ستساهم في قتل الملل والفراغ الذي يشعر به المتقاعدون وستحفز عندهم روح الشباب مجدداً، وتجنبهم الوقوع ضحية أي من الحالات النفسية التي يعاني منها البعض بسبب الإحالة للتقاعد.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».