مهرجان برلين يكرم مهرجان دبي ويعرض أفلاماً عربية‬

«الشرق الأوسط» في مهرجان برلين الدولي - ‬1 - : أعمال للاجئين والمساجين في دورته الـ68

لقطة للفيلم الفنلندي «يو - 22 يوليو» - من «جزيرة الكلاب» للمخرج وس أندرسن
لقطة للفيلم الفنلندي «يو - 22 يوليو» - من «جزيرة الكلاب» للمخرج وس أندرسن
TT

مهرجان برلين يكرم مهرجان دبي ويعرض أفلاماً عربية‬

لقطة للفيلم الفنلندي «يو - 22 يوليو» - من «جزيرة الكلاب» للمخرج وس أندرسن
لقطة للفيلم الفنلندي «يو - 22 يوليو» - من «جزيرة الكلاب» للمخرج وس أندرسن

‫‬تنطلق اليوم (الخميس) الدورة الثامنة والستون من مهرجان برلين السينمائي الدولي محاطة بكل ما تحاط به عادة من ترحيب وحجم اهتمام. ‬
إنه «بابا الدب» كما تقول حكايات الأطفال، وجوائزه، التي تحمل اسم الدب تيمناً، هي الأولى في عداد المهرجانات الكبيرة الثلاثة. الآخران هما «كان» و«فنيسيا».‬
‬هذا لم يتم بالتمني طبعاً ولا بضخ الميزانية وحدها، بل بالممارسة المهنية والتأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح قبل أشهر عدة من بداية كل دورة وصولاً إلى الدقائق الأخيرة الفاصلة. عاماً بعد عام تبلور المهرجان الذي لا يشيخ إلى ضرورة لا مجال لنكرانها. كم يختلف الوضع لو لم يكن المهرجان قائماً أو لو أنه لم يستطع، كما حال مهرجانات كثيرة بدأت كبيرة ثم استمرت متوسطة، الحفاظ على مكانته.‬
فن وترفيه‬
في افتتاح الدورة الـ68 الحالية قررت إدارة المهرجان أن فيلم الافتتاح يحتاج لا إلى اسم فني كبير فقط بل إلى ما هو مختلف عن العادة أيضاً. بناء على ذلك فإن الفيلم المختار لافتتاح الدورة هو «جزيرة الكلاب» (Isle of Dogs) الذي هو ثاني فيلم رسوم متحركة ينجزه المخرج الأميركي وس أندرسون وهو الذي أنجز فيلمه للرسوم المتحركة الأول قبل تسع سنوات تحت عنوان Fantastic Mr. Fox‬.
أندرسون (وهناك أكثر من مخرج جيد يشترك معه في حمل هذا الاسم) دائماً ما يشيع عالماً من الترفيه المقرون بالفن. الترفيه فيه ألوان فرحة وغرائبيات تثير الفضول والفن هو الأسلوب الذي يعالج به المخرج حكاياته ومواضيعه. هذا الخط الوردي من الأفلام أنجزه طوال حياته بلا تنازل بما في ذلك فيلمه السابق «ذا غراند بودابست هوتيل» الذي عرضه في مهرجان برلين السينمائي سنة 2014 ثم انطلق منه ليفوز بأربعة أوسكارات في العام التالي.
لكن لا تتوقع أن تضم دورة مهرجان «برلين» أفلاما للأذواق كافة. لن تكون الدورة مجرد احتفاء بديع بالسينما كما هي بل من المستحسن انتظار مفاجآت كثيرة. على سبيل المثال، سيقوم المهرجان باستقبال لاجئين ممن استقروا في ألمانيا خلال السنوات الثلاث الماضية وعرض أفلام لهم ليشعروا بالمشاركة الفعلية للحياة في هذه الأجواء الثقافية والفنية الممتازة. كان فعل ذلك في العام الماضي ويستعيد المبادرة هذا العام.
كذلك ستكون هناك عروض مختارة للمساجين. هذه بادرة قام بها مهرجان ترايبيكا في العام الماضي ويطلقها المهرجان هذا العام. هارفي وينستين وتداعياته وموجة «أنا أيضاً» وموجاتها حاضرة أيضاً وستثير زوابع من باب المشاركة فيما يصبغ الحياة الاجتماعية والثقافية على نحو عريض.
وهذا كله لجانب القضايا التي توفره بعض الأفلام المتنافسة. هناك الفيلم البرازيلي «سبعة أيام في عنتابي» حيث سيعيد الفيلم الحديث عما وقع في عام 1976 عندما خطفت منظمة التحرير الفلسطينية طائرة فرنسية وهبطت فيها في المطار الأوغندي فقامت إسرائيل بعملية إطلاق رهائن عززت بها سمعتها العسكرية. هذا يرد في فيلم يحمل العلم البرازيلي ويخرجه جوزيه بديعة.
النرويج لديها دراما أخرى عن ضحايا آخرين عنوانه U‪ - ‬July 22 حول الشاب النازي الجديد آندرز برينغ بريفيك الذي أقدم على مذبحة كبيرة سنة 2011. وسنرى في «متحف» لغايل غارسيا برنال بعض السياسة من خلال حكاية سطو حقيقية قامت بها عصابة على متحف «نيو مكسيكو» في الثمانينات من القرن الماضي.
‫دبي في برلين‬
أفلام أخرى ذات أهمية نجدها بين ما تم اختياره أيضاً للمسابقة.
- هناك «إيفا» للفرنسي بنوا جاكو مع إيزابيل أوبير في البطولة لجانب غاسبار أوليل وذلك عن رواية جيمس هادلي تشايس البوليسية حول المفلس فكريا الذي يسرق نصاً مسرحياً وينسبه إليه.
- «عشب» Grass للمخرج الكوري هونغ سان - سو (ثالث فيلم له في سنة واحدة) وهو أقصر أفلام المسابقة (وأقصر أفلام مخرجه) إذ يبدأ وينتهي في 66 دقيقة.
- «ترانزت» للمخرج الشاب كرستيان بتزولد وهو أيضاً عن رواية بالاسم ذاته ويتعامل مع الهجرة الحالية في أوروبا.
- ثم هناك «غير عاقل» (Unsane) وهو فيلم جديد للأميركي العتيق ستيفن سودربيرغ الذي كان أعلن أنه سيتوقف عن الإخراج، لكنّ أحداً لم يصدقه وبالفعل عاد عبر هذا الفيلم الذي يقال إنه صوره كله بكاميرا الهاتف... ومزيد من تكسير روعة السينما.
عربياً، هناك حدث بطله مهرجان دبي السينمائي إذ ستتولى مجلة «ذا هوليوود ريبورتر» ومؤسسة «ماد سوليوشن» توزيع جائزة سنوية خاصة بدءاً من هذا العام والفائز بها اثنان مرتبطان بالمهرجان الإماراتي الممتاز وهما رئيسه عبد الحميد جمعة ومديره الفني مسعود أمر الله. وكانت «الشرق الأوسط» اعتبرتهما كذلك أهم الشخصيات السينمائية العربية تأثيراً في سياق السينما العربية وذلك في جردة آخر العام الماضي.
هناك أفلام كثيرة متناثرة خارج المسابقة. عادة ما تصب معظم هذه الأفلام في قسمي «بانوراما» و«فورام». والقسم الأول هذا العام. على سبيل المثال سنجد فيلماً لبنانياً - مصرياً مشتركاً بعنوان «الجمعية» لريم صالح حول امرأة مصرية تؤم سوق الجمعية وكيف تعمل على تحديد نفقاتها في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
ومن العناوين الأخرى التي تردنا (من دون كثير معلومات حولها) «قبل ما أنسى» لمريم مكيوي و«أخيرا مصيبة» لما شوربجي كما «أرض المحشر» لميلاد أمين (يدور عن محنة مدينة حلب) و«ع قد الشوق» إخراج غسان سلهب ومحمد سويد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».