انتشرت خلال الأيام القليلة الماضية، صور تتضمن أقوالاً منسوبة لمرشحين محتملين لرئاسة مصر تتضمن «تصريحات ملفقة» سرعان ما نفوها، غير أنها انتشرت في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بسبب حيلة لجأ إليها من روجوا تلك التصريحات، إذ وضعوا العلامة المميزة لصحف ووسائل إعلام رصينة ومعروفة لدى القارئ، وبما يوحي بجدية ومصداقية تلك الأقوال المنقولة عن المرشحين.
وبدأت تلك الظاهرة، في الخروج إلى العلن، بالتزامن مع إعلان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق سامي عنان، نيته خوض المنافسة على رئاسة البلاد، عندما انتشر تصريح منسوب له فسره البعض بأنه يتضمن إساءة لمنافسه الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وسرعان ما تمت إعادة نشر التصريح الذي كان مكتوباً على صورة تحمل شارة (لوغو) صحيفة «الشروق» اليومية في مصر، التي أصدرت بياناً وصفت فيه الواقعة بأنها «محاولة تزييف وفبركة لأحد تصميماتها الرسمية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، نافية صـلتها بالصور، وأهابت بقرائها «الانتباه لتلك المحاولات لتشويه اسم الجريدة».
ويبدو أن الواقعة السابقة المتعلقة بعنان لم تكن فردية، إذ وجد المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى نفسه فجأة بطلاً لتصريحات تشي بـ«سخرية لاذعة»، فتارة يتداول البعض قولاً منسوباً له بأن عائلته ستنتخب منافسه السيسي، وتارة أخرى ينقل البعض عنه قوله إن «جهازاً أمنياً مصرياً» هو الذي جمع له توكيلاته، وكانت صحيفة «المصري اليوم» هي العلامة المستخدمة لتنطلي الحيلة على جمهور «الواقع الافتراضي»، واضطرت الأخيرة بدورها إلى التحذير من «تداول صور تضم مواد ملفقة منسوبة لها وتحمل علامتها، وتشدد على أنها ستتخذ الإجراءات القانونية ضد من يتورط في اختلاق أو ترويج هذه المواد المكذوبة».
وتؤكد «المصري اليوم» أن المصدر الوحيد للمحتوى الصحيح الذي يحمل علامتها التجارية هو منصاتها الرسمية للنشر وحساباتها الموثقة على مواقع التواصل الاجتماعي.
سمير عبد العظيم، المستشار القانوني لحملة المرشح الرئاسي موسى مصطفى موسى، قال لـ«الشرق الأوسط»، إن حملة مرشحه قدمت بلاغات للنائب العام ضد أصحاب الحسابات الإلكترونية، التي تنسب تصريحات مفبركة لموسى، فضلاً عمن «يديرون صفحات أخرى تتعرض له بالسب والقذف».
وأشار إلى أن «لجنة إعلامية تعمل على رصد كل التصريحات التي تنال من مرشحهم لتوثيقها، والتعامل معها قانوناً خوفاً من أن تستخدم في نسب أمور يجرمها القانون لموسى».
ويرى أستاذ العلوم الاجتماعية في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، الدكتور حسن سلامة، أن «تلك الوقائع التي تتضمن تلفيقاً للتصريحات لا يمكن فهمها سوى بمعرفة القائمين عليها، إذ إنها تعبر عن قطاع يميل إلى التقليل من جدوى العملية السياسية ويرون أنها بلا تنافسية حقيقية، وفق رأيهم»، ويضيف أن هناك «مجموعة أخرى تستثمر ولع المصريين المعروف باستخدام الإسقاط والتورية والسخرية للتعبير عن رأيهم في الأوضاع التي لا يرضون عنها، وتنسج أكاذيب وتروجها».
ويشرح أن «تطور وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى زيادة جمهورها في السنوات القليلة الماضية، جعلها مسرحاً مهماً لكل من يرغب في إيصال رسالة سياسية أو حتى ساخرة»، ويلفت إلى أن «تطور برامج تصميم الصور أسهم في سهولة تركيب شعارات وسائل إعلام معروفة على تصريحات غير حقيقية، وأسهمت في رواجها حالة الاسترخاء التي يتابع بها جمهور (السوشيال ميديا) ما ينشر عبر صفحاتها، وعدم انتباههم إلى أنها قد تكون غير صحيحة، إلا بعد أن يلفت انتباههم الآخرون».
ويقول سلامة لـ«الشرق الأوسط» إن «اللجوء إلى العالم الافتراضي، للتعبير عن الرأي الذي يصعب قوله في العلن، يمكن أن يكون هو الدافع وراء لجوء بعض الشباب لفبركة تلك التصريحات للمرشحين، غير أنه لا يمكن استبعاد وجود أطراف سياسية تقف وراء تلك المحاولات».
لكن المشكلات التي تفجرها التصريحات الملفقة لا تقف عند هذا الحد، إذ إن الصحف التي يتم استغلال أسمائها لترويج تلك التصريحات كثيراً ما تعاني الارتباك لهذا السبب.
محمد السيد صالح، رئيس تحرير جريدة «المصري اليوم»، قال لـ«الشرق الأوسط»: «تلفيق التصريحات للشخصيات العامة باستخدام أسماء الصحف الكبيرة لإضفاء نوع من المصداقية على الخبر، باتت معروفة لدى المتلقي العادي، ولم تعد تزعجنا مثلما كان يحدث من قبل، لأنه بإمكان أي شخص القيام بتلفيق تصريحات لمسؤولين ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي كصورة عادية».
وأضاف صالح: «تلفيق التصريحات وتزوير (لوغو) الصحف لم تعد المشكلة الوحيدة، التي تواجه المؤسسات الإعلامية في مصر بعد ظهور مشكلات أخرى، منها صعوبة الحصول على المعلومات، وبث تسريبات كاملة لإعلاميين وسياسيين».
وأوضح صالح: «بإمكان المتلقي العادي فرز وتمييز التصريحات الصحيحة والمفبركة من خلال عدة آليات سهلة جداً، أولاها القيام بالبحث عن الكاتب، أو عنوان الخبر على خانة البحث الخاصة بموقع كل صحيفة، أو من خلال البحث عن التصريح الملفق في موقع غوغل».
بدوره، قال عماد الدين حسين رئيس تحرير جريدة «الشروق» المصرية: «صحيفتنا لها خط تحريري واضح، لكن يحاول البعض تلفيق تصريحات لشخصيات عامة وسياسية باستخدام اسم الجريدة، للوقيعة بين الصحيفة ومؤسسات الدولة، أو الرأي العام، وتلك الصور الملفقة، والمزورة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تهدف للإساءة إلى سمعة (الشروق)، حيث ظهرت تلك الوقائع بمواكبة الحملة الانتخابية الرئاسية، للإيحاء بأن جريدة الشروق، تقف مع مرشح معين ضد آخر».
وأوضح حسين: «رغم عدم كفاية بيانات التحذير من التلفيق والتزوير في مواجهة تلك الظاهرة، فإنها تعد إجراء مهماً جداً، لأن بعض القراء والمتابعين العاديين غير مدربين على كشف حقيقة التصريحات المزيفة والملفقة، ولا يكون لديهم الوعي الكافي لمواجهة هذه الظاهرة».
إلى ذلك، يقول الدكتور عادل عبد الغفار، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة إثارة كثير من الشائعات والأخبار الكاذبة في ضوء الانتخابات الرئاسية المصرية، باستخدام (لوغو) أو علامات الصحف التجارية، في نشر تلك الأخبار الكاذبة». وطالب عبد الغفار أجهزة الدولة والمؤسسات الإعلامية باليقظة ورصد تلك الشائعات والرد عليها بسرعة لتقليل حجم انتشارها.
التصريحات المُلفقة في مصر... سخرية لاذعة وبلاغات قانونية
مطالبات برصد الشائعات والرد عليها بسرعة لتقليل انتشارها
التصريحات المُلفقة في مصر... سخرية لاذعة وبلاغات قانونية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة