الخرطوم تحمّل متمردي الشمال مسؤولية فشل مفاوضات أديس أبابا

المفاوض الحكومي: وفد «الحركة الشعبية» تمسك بقضية قديمة ودواء منتهي الصلاحية

TT

الخرطوم تحمّل متمردي الشمال مسؤولية فشل مفاوضات أديس أبابا

حمّلت الحكومة السودانية «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» مسؤولية فشل مفاوضات السلام التي جرت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن وفد الحركة تمسك بوصول المساعدات الإنسانية عبر مناطقها، وهو الأمر الذي ترفضه حكومة الخرطوم.
وقال مساعد الرئيس عمر البشير، رئيس الوفد الحكومي المفاوض إبراهيم محمود، في تصريحات صحافية بمطار الخرطوم، أمس، إن وفد «الحركة الشعبية - الشمال» عطّل المفاوضات لتمسكه بموقفه بخصوص إيصال المساعدات الإنسانية عبر مناطق سيطرة المتمردين، وهو ما تعتبره الخرطوم مساساً بسيادتها الوطنية. وأوضح محمود أن وفد الحركة الذي شارك في المفاوضات للمرة الأولى، «كان حذراً بعض الشيء»، ما جعله يتمسك بـ«قضية قديمة ودواء منتهي الصلاحية»، معتبراً ذلك محاولة لـ«تعطيل المضي قدماً في الاتفاق».
وتعتبر الحكومة السودانية المساعدات الإنسانية «قضية سيادية»، ولذلك تتمسك بإيصالها عبر الممرات الداخلية، للتأكد مما إذا كانت تحوي ذخائر أو أشياء غير مسموح بدخولها إلى السودان. وأوضح محمود، في هذا الإطار، أن المتمردين «طلبوا إيصال المساعدات عبر الحدود التي يسيطرون عليها، دون إجراءات سيادية». وتابع: «المساعدات الإنسانية يمكن أن تأتي من أي مكان في العالم، شريطة أن تدخل عبر المداخل الرسمية، وأن تخضع للإجراءات المعروفة التي تتبعها أي دولة ذات سيادة». وقال إن مفاوضي «الحركة الشعبية» تمسكوا بإدخال الإغاثة عبر المناطق التي يسيطرون عليها ودون علم الدولة. وأضاف: «هذا لا يمكن أن يحدث».
وعلّقت الوساطة الأفريقية، أول من أمس، المفاوضات بين الحكومة السودانية و«الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، التي جرت في أديس أبابا بين 1 و4 فبراير (شباط) الحالي، إلى أجل لم تحدده، بعد فشل الطرفين في الاتفاق على قضايا خلافية.
وقال محمود إن وفده عقد 3 اجتماعات مع الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، بقيادة الجنوب أفريقي ثابو مبيكي، مع مفاوضي «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال»، بهدف الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار ووقف العدائيات والوصول إلى سلام شامل ودائم.
ويحارب مقاتلو «الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال» حكومة الخرطوم منذ عام 2011، في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق جنوب وجنوب شرقي السودان، ويتوسط الاتحاد الأفريقي بين الطرفين عبر آلية الوساطة رفيعة المستوى. ويتكون جيش «الحركة الشعبية» («الجيش الشعبي») من مقاتلين من الشمال انحازوا إلى جنوب السودان إبان الحرب الأهلية في البلاد، وبعد انفصال جنوب السودان أعلنوا الحرب على حكومة الخرطوم، مطالبين بتنفيذ بنود وردت في اتفاقية السلام السودانية لعام 2005 والمعروفة بـ«اتفاقية نيفاشا». وتعطلت المفاوضات بين الجانبين منذ أكثر من عام بسبب انشقاق رأسي في قيادة «الحركة الشعبية»، عُزل بموجبه رئيسها مالك عقار، وأمينها العام ورئيس وفدها التفاوضي ياسر عرمان، ودانت الرئاسة للجنرال عبد العزيز الحلو الذي كلف فريقاً تفاوضياً جديداً.
وتتمسك «الحركة الشعبية» بإيصال المساعدات الإنسانية عبر مسارات داخلية وخارجية، فيما ترفض حكومة الخرطوم المسارات الخارجية، وتتمسك بإدخال الإغاثات عبر السودان، فيما تختلف نظرة الطرفين إلى العملية التفاوضية التي تعتبرها الخرطوم مفاوضات أمنية، لكن «الشعبية» تتمسك بكونها مفاوضات سياسية.
ومنذ يوليو (تموز) 2016، أعلن الطرفان وقفاً للنار استمر صامداً حتى مفاوضات أمس. ووفقاً لمحمود أدى وقف القتال إلى «سلام حقيقي على مستوى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وخلق روح سلام عامة». وتابع: «السودان عامة يريد السلام بأسرع فرصة ممكنة».
وأوضح محمود أن وفده كان يتوقع المضي قدماً، بيد أن وفد «الحركة الشعبية» تمسك «بقضية قديمة ودواء منتهي الصلاحية»، الأمر الذي عطل الوصول إلى اتفاق، بحسب وصفه. وأضاف: «رغم ذلك، فهذا النقاش الذي استمر لـ3 أيام، أتاح فرصة للتعرف على اتجاهات القيادة الجديدة للحركة».
ووقع الطرفان في ختام الاجتماعات بياناً مشتركاً أكدا فيه التزامهما بوقف النار ووقف العدائيات لتقليل معاناة المواطنين واستمرار روح السلام، وشددا على مواصلة التفاوض في جولة مقبلة.
ووصف محمود الوضع في جنوب كردفان والنيل الأزرق بأنه «مناخ سلام»، وقال: «ليس هناك أي حديث عن استمرار الحرب، لذلك نتوقع المضي قدماً في تنفيذ خريطة الطريق الأفريقية».
من جهة أخرى، قال محمود إن وفده عقد اجتماعاً في أديس أبابا مع «قوى نداء السودان» يهدف إلى التشاور ضمن إطار خريطة الطريق الأفريقية التي وقعها كل من حكومة السودان وحزب «الأمة» القومي و«حركة تحرير السودان» (منى أركو مناوي) و«حركة العدل والمساواة» (جبريل إبراهيم) و«الحركة الشعبية - الشمال».
وجدد محمود الدعوة إلى شركاء خريطة الطريق للالتحاق بالحوار الوطني السوداني. وقال: «نحن نتحدث عن مشروع وطني لأهل السودان يمكن من توحيد أهل السودان لمخاطبة التحديات التي تواجه الدولة السودانية». وأضاف: «هم يتحدثون عن مؤتمر دستوري والمرحلة المقبلة مرحلة للنقاش حول الدستور، سواء سمي مؤتمراً أو لجنة قومية للدستور، والمساحة متاحة لهم ليكونوا جزءاً من التحضير لانتخابات 2020». وقال محمود إنهم أبلغوا الوساطة بأن الزمن ليس في صالحهم لأن هناك «استحقاقات دستورية» تتضمن الاتفاق على مفوضية الانتخابات وترتيب إجراءات للانتخابات لتكون حرة ونزيهة وشفافة ومقبولة من الشعب.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.