مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

شجرة الحياة... أيضاً

كم هي مفارقة عجيبة أن أقرأ في يوم واحد وهو الأربعاء 24-1-2018 مقالين؛ الأول كتبه الدكتور فؤاد عزب في مواساتي ورثائه لابنتي، والثاني كتبه جون فيرا الذي فقد طفله، وكلا المقالين أعادني للمربع الأول مع لوعتي وأحزاني.
وصدق فؤاد عندما قال: الموت كالحرب لا مجال لتقليل الخسائر أو تجنب وقوعها.
وبما أنني كنت وما زلت وسأظل مناضلاً لجلب السعادة والأمل للناس بقدر ما أستطيع، لهذا سوف أترككم مع ما كتبه جون، حيث إنني حسدته على شجاعته وروحه، حيث جاء في مقاله: «شجرة الحياة»:
مضت ثلاث سنوات مذ غادرت مع زوجتي المستشفى حاملين بعض الصور وسوار الاسم الذي كان ملفوفاً حول رسغ قدم ولدنا، وكتيبين عن قهر الأحزان، وعادت حياتنا إلى نمطها الطبيعي لولا بعض التغيرات غير المرتقبة، ومنها شعوري بالارتباك لدى سؤالي كم من الأولاد لديّ، وأنا أعرف أن الجواب الصحيح واقعياً هو ولد واحد لكن القلب البشري يتخطى محدوديات الواقع.
فأجبت: «ولدان»! وأرجو أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، ولكن إذا استمر الحديث في الموضوع وطرح علي المزيد من الأسئلة، فإنني أقول إن أحد الولدين قد مات وهي لحظة يغلب علي الارتباك فيها، إذ تخلف في شعوراً بأنني أستجدي العطف والشفقة، لكن تجنب ذكر ولدي كما لو أنه لم يعش مطلقاً يتخطى قدراتي.
قبل فاجعتنا كنت أعتقد أن مستقبل الولد ينتهي بموته، لكن هذا غير صحيح، فطيف ابننا لا يزال يملأ المكان، ونحن نشعر بوجوده مثلما يشعر من بترت ساقه بأنها ما زالت في مكانها.
دفنا رفاته في طرف الحديقة، وزرعنا فوقه شجرة تفاح نعتني بها بحرارة وحب فننظفها من المن الذي يغزو الأشجار الصغيرة ونسقيها في فترات الجفاف ونقتلع الأعشاب البرية حول جذوعها، وفي نهاية الشتاء نقلم أغصانها بحنان كأنها أظفار مولود جديد.
ولا بد لهذا العطف من أن يثمر في النهاية، وستثمر شجرة ابننا قريباً ويكتمل ريعانها في أوائل سني المراهقة وربما عاشت مائة عام - انتهى.
وأشكر أخي فؤاد على دعائه من أميركا عندما قال:
سبحانك أنت تميت وتحيي، لي حبيب يا ربي في أقصى الأرض حميم كصوت همومي فقد من كانت يوماً قلبه ودمه ودمعه ووشمه واسمه، اللهم امنحه الصبر واشمله برحمتك وغفرانك وارحم (العنود) رحمة تامة إنك على كل شيء قدير - انتهى.
وإنني بدوري أدعو من أعماق قلبي لكل من يقرأ كلماتي الآن أن يحفظه الله ولا يريه مكروهاً في عزيز لديه.
وآسف لو أنني تطرقت للموضوع مرة ثانية، وأعدكم أنني لن أكررها.