روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
TT

لماذا تراجع الديمقراطيون أمام ترمب

يعكس الأسبوع الماضي مدى الغرابة التي تعتري السياسة الأميركية. ففي بداية الأسبوع الماضي، لم تكن التطورات الأخيرة مبشرة بخير بالنسبة للرئيس دونالد ترمب. إذ أظهرت استطلاعات الرأي المعتبرة التي أجراها مركز غالوب، و«إن بي سي» الإخبارية، وصحيفة «وول ستريت» في الأسبوع الماضي أن نسبة 38 - 39 في المائة فقط من المواطنين الأميركيين يعتقدون أن ترمب يقوم بعمله على ما يرام. وهو أدنى معدل مسجل حيال أي رئيس جديد في نهاية العام الأول من توليه منصب الرئاسة.
لاحقاً، لم يتمكن الرئيس ترمب والحزب الجمهوري من التوصل إلى اتفاق سياسي مع أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي في الكونغرس. وكان الاتفاق المقترح يتضمن اتفاقية بشأن الميزانية الحكومية الجديدة. وأعرب الديمقراطيون عن رغبتهم في الموافقة على الميزانية وتخصيص المزيد من الأموال للجيش الأميركي مقابل موافقة الحزب الجمهوري على ملف الهجرة أو على الأقل جزء يسير من المناقشات بشأن الهجرة. ويريد الديمقراطيون، على أقل تقدير، تمرير القانون الذي ينص على السماح بالإقامة الدائمة في الولايات المتحدة للأطفال الذين جاءوا إلى أميركا بشكل غير قانوني برفقة آبائهم منذ سنوات. ويصف الشعب الأميركي هؤلاء الأطفال – وبعض منهم نشأوا في البلاد وصارت لديهم وظائف – بـ«الحالمين» الذين يحلمون بأن يصبحوا مواطنين أميركيين عاديين. وتعكس استطلاعات الرأي أن نحو 80 في المائة من الأميركيين، بمن في ذلك الجمهوريون منهم، يريدون حلاً لمساعدة الحالمين في تسوية أوضاعهم. غير أن الرئيس ترمب وحزبه الجمهوري رفضا الصفقة مع الديمقراطيين بشأن «الحالمين» وبالتالي رفض الديمقراطيون في المقابل الميزانية التي تقدم بها الحزب الجمهوري. وفي غياب الميزانية، أغلقت الحكومة الأميركية اعتبارا من السبت الماضي. وأظهرت استطلاعات الرأي العامة أن هذا الإغلاق كان سبباً في غضب الكثير من المواطنين الأميركيين. ثم غادر الرئيس ترمب متوجهاً إلى فلوريدا لممارسة رياضة الغولف المفضلة مرة أخرى، ويبدو كما لو أنه لا يعبأ بإغلاق الحكومة. وبدا الأمر كأنه يوحي بكارثة سياسية جديدة بالنسبة للرئيس ترمب والحزب الجمهوري. لكن الديمقراطيين استسلموا فوراً.
كيف حقق الرئيس ترمب والحزب الجمهوري النصر؟ ظن الديمقراطيون أنه يمكنهم الحصول على تنازلات بشأن الهجرة من البيت الأبيض والحصول كذلك على دعم الرأي العام بشأن قضية «الحالمين». ورغم ذلك، بعث البيت الأبيض والحزب الجمهوري في عطلة نهاية الأسبوع برسالة سياسية قوية: الديمقراطيون أغلقوا الحكومة، وألحقوا الأضرار بالجيش الأميركي من أجل صالح الهجرة غير الشرعية. وكان الديمقراطيون أكثر قلقاً بشأن المهاجرين غير الشرعيين من قلقهم على حكومة بلادهم وخدماتها الموجهة لصالح الشعب الأميركي. وفي واجهة هذه الرسالة السياسية القوية، سرعان ما تراجع الديمقراطيون ثم صوتوا للميزانية لمدة ثلاثة أسابيع من دون الحصول على أي تنازلات من الحزب الجمهوري. وكل ما حصل عليه الديمقراطيون في المقابل كانت حفنة من الوعود المبهمة من الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ بمناقشة مشروع القانون حول الهجرة لاحقاً. كما يجب على الديمقراطيين الحصول أيضاً على الموافقة على مشروع القانون من مجلس النواب، وليست هناك وعود صريحة بأن مجلس النواب تحت سيطرة الجمهوريين سوف يوافق على إيجاد حلول للحالمين أو أي قضية أخرى تتعلق بالهجرة. حصل ترمب على ميزانية قصيرة الأجل على أقل تقدير وفاز بهذه الجولة من العراك السياسي في واشنطن.
هل تعتبر هذه نقطة تحول بالنسبة إلى دونالد ترمب؟ والإجابة هي «كلا». وافق الأعضاء الديمقراطيون في مجلس الشيوخ على الميزانية المؤقتة لتفادي العواصف السياسية العاتية إن أصروا على موقفهم من إغلاق الحكومة بسبب قضية الهجرة. ويفكر الديمقراطيون في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويظهر التاريخ الأميركي مراراً أنه خلال الانتخابات التشريعية بعد عامين من الانتخابات الرئاسية، يحصل الحزب المعارض في المعتاد على نتائج جيدة. وتظهر استطلاعات الرأي الحالية أنه من الممكن أن يستحوذ الحزب الديمقراطي على أغلبية مقاعد مجلس الشيوخ إن تمكن من الفوز بالانتخابات في الولايات المحافظة مثل ميسوري، وأريزونا، وتينيسي. كما يمكنهم الفوز بالأغلبية أيضاً في مجلس النواب. وفي خاتمة المطاف فإن الحزب الديمقراطي هو أكثر اهتماماً بالفوز في انتخابات نوفمبر المقبلة من مجرد خوض غمار المعارك السياسية بشأن قضية الهجرة حالياً.
وتعد الاستراتيجية الديمقراطية خطيرة على دونالد ترمب؛ إذ تبلغ مدة قانون الميزانية ثلاثة أسابيع فقط، ومن شأن الجمهوريين الذين يرغبون في ميزانية طويلة الأجل والمزيد من الأموال لوزارة الدفاع أن يدفعوا بالسيد ترمب لتقديم تنازلات إلى الحزب الديمقراطي. وقبل كل شيء، يحذر التاريخ الرئيس والجمهوريين من انتخابات نوفمبر المقبلة. وحتى الآن، يسيطر الحزب الجمهوري على مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس، وقيد من تحقيقات الكونغرس بشأن الرئيس، ولا سيما التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية، وكذلك التحقيقات الجارية في المصالح التجارية الخاصة بالسيد الرئيس. وإذا تمكن الديمقراطيون من الفوز بأي من المجلسين في انتخابات نوفمبر المقبلة، فإن هذا المجلس سيبدأ في جولة جديدة من التحقيقات من دون أي قيود هذه المرة. وإذا ما فاز الديمقراطيون في كلا المجلسين، سيتم إجراء تحقيقين في نفس الوقت. وستُعقد جلسات الاستماع العلنية لشهود العيان والذين لا يمكنهم الفرار من المثول أمام لجان التحقيق، وكل هذه المداولات الحساسة ستذاع عبر شاشات التلفاز في كل الأوقات. هذا ما أتذكره بوضوح من أيام الرئيس الراحل ريتشارد نيكسون وفضيحة ووترغيت قبل 45 عاماً مضت. ولم تكن نهاية هذه الفضيحة سعيدة بحال للسيد نيكسون وللحزب الجمهوري. وهذا هو السبب الحقيقي في تراجع الديمقراطيين، إذ يعد تراجعاً تكتيكياً ليمنح السيد ترمب انتصاراً صغيراً ومؤقتاً في خضم حرب سياسية طويلة وعسيرة وشرسة في العاصمة واشنطن.
- خاص بـ«الشرق الأوسط»