مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

النوم الشمسي

قبل أكثر من عشر سنوات عرفت شاباً متعلماً تخرج في أرقى الجامعات في أميركا، والتحق بالعمل بقطاع شبه حكومي، وحقق نجاحات متواصلة في أدائه الوظيفي، أهلته لتبوؤ مركز قيادي.
الذي لفت نظري فيه ليس نجاحه فقط، ولكن أكثر منه برنامجه اليومي الذي أخضع نفسه له، فهو يأوي إلى فراشه وينام عند الساعة الثامنة والنصف بعد أن يؤدي صلاة العشاء، ويصحو عند الثالثة فجراً، لهذا يعتذر ولا يحضر أية مناسبات اجتماعية ليلية، إلى درجة أن حفلة زواجه التي حضرتها كانت بعد صلاة العصر مباشرة، وأكد لي أنه حتى في ذلك اليوم لم يغير (سيستم) أو روتين حياته، فقد نام أيضاً في تمام الثامنة والنصف مساء.
وتبريره أو فلسفته التي شرحها لي حسب قوله: إن أجدادنا قبل عصر الكهرباء كانوا يفعلون ذلك. وختم كلامه بالآيتين الكريمتين: «وجعلْنا الليلَ لباساً. وجعلنا النهارَ معاشاً».
تذكرت ذلك الرجل العجيب، عندما قرأت عن نظرية البروفسور ستوكمان التي أطلق عليها اسم (النوم الشمسي)، وهي أصعب من الإيواء للفراش بعد صلاة العشاء.
وخلاصة تلك النظرية أن الإنسان يجب عليه أن ينام عند الساعة السابعة مساءً، ويصحو عند منتصف الليل في تمام الساعة الثانية عشرة.
وإذا فعل ذلك، فإن نشاطه وحيويته يبلغان درجة مدهشة، ويصبح عقله أكثر ذكاءً وحدة، وأعصابه وأعضاء جسمه دائمة التجدد.
وطبق نظريته تلك على مجموعة من المرضى في النمسا، كانوا يعانون أمراضاً في القلب والكبد والدورة الدموية، وخلال ثلاثة أسابيع تم شفاؤهم تماماً، بعكس الذين لم يتلقوا ذلك العلاج.
وهو يعترف بصعوبة هذا العلاج في البداية لأن الناس لم يعتادوه، وتسهيلاً عليهم فهو يقترح أن يكون ذلك على مراحل؛ أي يصحو الإنسان عند الساعة الخامسة صباحاً، وإذا حلت الساعة السابعة مساءً يصبح غير قادر على مقاومة النوم، ثم يتدرج من الساعة الخامسة إلى الرابعة؛ فالثالثة... وهلم جرا، إلى أن يصل إلى الثانية عشرة عند منتصف الليل.
كما أنه ضد أن ينام الإنسان ثماني ساعات، فخمس منها تكفي وزيادة.
وقد استمد نظريته تلك عندما عايش رهبان دير (سانت برونوا) الذين كانوا ينامون في السابعة ويستيقظون عند منتصف الليل، وعندما أجريت الفحوصات عليهم وجدهم يخلون من الأمراض، وعاشوا أعماراً طويلة.
وقد حاولت أنا شخصياً أن أطبق هذه النظرية، ولكنني للأسف عجزت وفشلت فشلاً ذريعاً.
ومن كان منكم لديه الإرادة، فإنني أنصحه بـ(النوم الشمسي)، وينسى نهائياً بيت الشعر الذي غنته المطربة الراحلة (أم كلثوم) والقائل:
فما أطال النومُ عمراً ولا قصّر في الأعمار طولُ السهر