خاضت الكويت في عام 2017 تجاذبات سياسية محلية وإقليمية، أكدت من جديد خطورة الموقع الجغرافي الذي تتمتع به الإمارة الخليجية الثرية التي تقبع أقصى شمال الخليج، في مرمى الأعاصير الأمنية والسياسية الإقليمية.
على الصعيد الأمني، كانت الكويت تراقب المعركة التي كانت تحتدم في العراق ضد تنظيم داعش الإرهابي، ومع إعلان تطهير الموصل من التنظيم المتطرف، رفعت الكويت استعداداتها؛ خشية تسرب مقاتلين إلى أراضيها مع وجود أعداد منهم يحملون جنسيتها.
كانت الكويت قد افتتحت في 24 يناير (كانون الثاني) 2017 المركز الإقليمي لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومبادرة إسطنبول للتعاون، حيث أطلق «الناتو» من الكويت شراكة مع دول الخليج للتصدي للإرهاب. وقد سعت الكويت لتجنب انعكاس الأزمات المحيطة بالمنطقة على أوضاعها الأمنية والسياسية، وحذر أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، نواب مجلس الأمة من تعريض الوحدة الوطنية للخطر في ظل الظروف الإقليمية الراهنة وأثرها على الكويت، مؤكداً أنه لن يتردد في اتخاذ أي إجراء يحفظ وحدة البلاد، وأعلن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017 رفضه القاطع «لأي اصطفافات طائفية أو قبلية أو فئوية، وعدم السماح بأي خطاب سياسي يثير الكراهية والبغضاء». وفي خطاب له، قال أمير الكويت مخاطباً نواب مجلس الأمة، ومحذراً مواطنيه من أن «النيران مشتعلة حولنا، والكوارث تطرق أبوابنا».
الأزمة السياسية
ومنذ بداية العام، دأب أمير الكويت على حث السياسيين في مجلس الأمة والحكومة على تجنب تصعيد الخلافات في ظل ظروف اقتصادية وسياسية غير مستقرة.
بدأ عام 2017 بأزمة سياسية بين الحكومة ومجلس الأمة، نشبت في 31 يناير 2017، بعد استجواب وزير الإعلام ووزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح بناءً على طلب تقدم به نواب إسلاميون، وفي 7 فبراير (شباط)، صدر مرسومان أميريان بقبول استقالة الحمود وتعيين الشيخ محمد العبد الله الصباح وزيراً للإعلام بالوكالة، وخالد الروضان وزيراً للشباب بالوكالة إضافة إلى عمليهما.
لكن العلاقة لم تستقر طويلاً بين المجلس والحكومة؛ ففي 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2017، قدّمت الحكومة الكويتية استقالتها بعد ضغوط مارستها المعارضة في مجلس الأمة «البرلمان»، إثر استجواب الوزير في الحكومة، الشيخ محمد العبد الله الصباح، في بداية فصل تشريعي ينذر بعلاقات عاصفة بين السلطتين.
وفي الأول من نوفمبر تم تعيين الشيخ جابر المبارك الصباح رئيساً للوزراء، وتكليفه ترشيح أعضاء الحكومة الجديدة. وهي الحكومة الـ35 في تاريخ الكويت منذ عام 1962، والمرة السابعة التي يرأس فيها المبارك الحكومات الكويتية.
وفي 27 نوفمبر 2017 قضت محكمة الاستئناف الكويتية، بسجن 67 شخصاً، بينهم نواب حاليون وسابقون وعشرات المؤيدين لهم في قضية اقتحام مجلس الأمة (البرلمان) عام 2011. وتراوحت الأحكام بالسجن لمدد تتراوح بين سنة و7 سنوات. وضمت قائمة المحكومين المعارض النائب السابق مسلم البراك (7 سنوات)، إضافة إلى نواب حاليين؛ جمعان الحربش ووليد الطبطبائي (7 سنوات لكل منهما)، ومحمد المطير (سنة واحدة). كما طالت الأحكام النواب السابقين مبارك الوعلان، وسالم النملان، وفيصل المسلم، وخالد الطاحوس (5 سنوات لكل واحد)، ومحمد الخليفة (3 سنوات).
وتعود وقائع القضية إلى نوفمبر 2011 حين اقتحم نواب في البرلمان وعدد من المتظاهرين مجلس الأمة، ودخلوا قاعته الرئيسية احتجاجاً على أدائه في ظل سيطرة النواب الموالين للحكومة عليه، وطالبوا باستقالة رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، الذي اتهموه بالفساد.
الأزمة الخليجية
مع اندلاع الأزمة الخليجية في الخامس من يونيو (حزيران) 2017، حمل أمير الكويت على عاتقه القيام بجهود الوساطة مع الأطراف الخليجية – العربية المعارضة لقطر بسبب سياساتها المزعزعة للاستقرار، وحصل الشيخ صباح الأحمد على إجماع دولي بدعم جهود التسوية التي يقودها، وقام في هذا الصدد بعدد من الزيارات لكل من السعودية والإمارات والبحرين وقطر ومصر، وكذلك زار سلطنة عمان، كما التقى الرئيس التركي والممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديركا موغيريني؛ وذلك في سياق الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الخليجية (23 يوليو/تموز 2017)، وفي 27 أغسطس (آب) استقبل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وفي الأول من سبتمبر (أيلول) توجه إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث التقى الرئيس دونالد ترامب.
وفي 24 أكتوبر 2017 حذّر أمير الكويت من تصعيد محتمل في الأزمة القطرية، وأبدى تشاؤمه من انعكاس هذه الأزمة على وحدة مجلس التعاون الخليجي، مشدداً على أن بلاده تتوسط بين أطراف الخلاف لحماية هذا المجلس من «التصدع والانهيار». وقال الشيخ صباح الأحمد: إن «مجلس التعاون الخليجي هو شمعة الأمل في النفق العربي، وانهياره هو تصدع لآخر معاقل العمل المشترك».
وتسعى الكويت للوساطة لحلّ هذه الأزمة، بين دول الرباعية العربية التي تضم (السعودية، الإمارات، البحرين، ومصر) وبين قطر. وتصرّ «الرباعية» على التزام الدوحة بالمبادئ الستة التي أقرت عام 2013 ووضعت آلية تنفيذها عام 2014، مدخلاً لتسوية الأزمة التي اندلعت في الخامس من يونيو الماضي.
القمة الخليجية
ومع دخول الشهر الأخير من عام 2017، بدا واضحاً أن الوساطة الكويتية وهي الجهد الدبلوماسي الأبرز، لم تحقق أي اختراق للوصول إلى حلّ للأزمة الخليجية. وعلى العكس من ذلك، فقد واجهت الكويت تحديات جديدة هددت مساعيها لعقد القمة الخليجية في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2017، ومع انعقاد القمة دون مقاطعة أي دولة خليجية، فقد ألقت الأزمة القطرية بثقلها على كاهل القمة الـ38، حيث سجلت القمة غياباً لأغلب زعماء الخليج، كان أبرزهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في مؤشر على عمق الأزمة، وانسداد آفاق الحلول السياسية، كما غاب قادة كل من البحرين والإمارات بالإضافة لسلطنة عمان.
ومع انصرام العام، أعلنت الكويت أنها ستستضيف مؤتمر رؤساء البرلمانات الخليجية في 8 يناير المقبل بناءً على رغبة أمير الكويت وبمشاركة الدول الخليجية الست.
ويعكس ذلك الإصرار الكويتي على المضي قدماً في جهود الوساطة بين الأطراف الخليجية، كان أمير الكويت قد أكد في 24 أكتوبر 2017 في خطابه أمام البرلمان إصراره على الاستمرار في جهود الوساطة، قائلاً: «يجب أن يعلم الجميع بأن وساطة الكويت الواعية لاحتمالات توسع هذه الأزمة ليست مجرد وساطة تقليدية يقوم بها طرف ثالث بين طرفين مختلفين نحن لسنا طرفاً ثالثاً، بل نحن طرف واحد مع الشقيقين الطرفين هدفنا الأوحد إصلاح ذات البين وترميم البيت الخليجي الذي هو بيتنا ونتحرك لحمايته من التصدع والانهيار».
العلاقات مع إيران
بدأ العام 2017 بقيام الكويت بدور الوساطة من أجل الحوار الخليجي الإيراني، ونقل وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد الصباح رسالة من أمير الكويت تسلمها في طهران الرئيس حسن روحاني في 25 يناير 2017، وفي 15 فبراير قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بزيارة رسمية للكويت.
وفي 16 مارس أعلنت الكويت عن تسلمها رسالة إيرانية بشأن الحوار الخليجي الإيراني.
وتولت الكويت نقل رسالة خليجية إلى إيران تتضمن رؤية لقيام حوار سياسي بينها وبين دول الخليج بشرط وقف تدخلها في شؤونها الداخلية.
لكن سرعان ما انهارت تلك المساعي على وقع اتهام الكويت لطهران بالتدخل في الشؤون الداخلية ومساندة أفراد في «خلية العبدلي» المتهمة بالإرهاب.
ففي 21 يوليو 2017، قررت الحكومة الكويتية، خفض عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإيرانية، وطرد نحو 15 دبلوماسياً إيرانياً، وكذلك إغلاق المكاتب الفنية التابعة للسفارة الإيرانية، وتجميد أي نشاطات في إطار اللجان المشتركة بين البلدين.
وتوترت العلاقات بين الكويت وإيران بسبب قضية ما باتت تعرف بـ«خلية العبدلي»، وهي القضية المتهم فيها 26 كويتياً وإيراني واحد يشكّلون تنظيماً كويتياً متهماً بالضلوع في مؤامرة لزعزعة الأمن في البلاد، بالتعاون مع إيران و«حزب الله» في لبنان. خصوصاً أن المتهم الأول فيها والمحكوم بالإعدام هو الدبلوماسي الإيراني عبد الرضا حيدر دهقاني، الذي صدر عليه حكم بالإعدام غيابياً، وكان يعمل في سفارة بلاده لدى الكويت.
(**) وقبل أيام من انصرام عام 2017، تلقت الكويت بُشرى إعلان رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جياني إنفانتينو رفع الإيقاف الرياضي عن كرة القدم الكويتية، وحالياً تنظم الكويت البطولة الخليجية الـ23، وظهر المنتخب الكويتي بأداء لا يسرّ جماهيره الرياضية.