طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

مهرجان «دبي»... الجمهور سر النجاح!

النجاح مثل الفشل عدوى، ولهذا عندما ينجح مهرجان عربي في إثبات وجوده باعتباره منصة ثرية للسينما خليجياً وعربياً وعالمياً، ويقتنص له مساحة على الخريطة المكتظة أصلاً بالمهرجانات، أشعر بأن هذا النجاح سينعكس بالدرجة الأولى على المهرجانات العربية كلها، وهذا هو بالضبط ما يحققه «مهرجان دبي».
أتوقف في الحقيقة كثيراً أمام «مهرجان القاهرة»، خصوصاً أن الدورة المقبلة، التي تحمل رقم 40، ستشهد قيادة جديدة وفكراً سيضع أول أهدافه عودة البريق للمهرجان الذي كان حتى مطلع الألفية الثالثة هو العنوان الأبرز للمهرجانات العربية، قبل أن يخبو البريق ويتلاشى الوهج.
أرى أن الرؤية التي يحرص عليها «مهرجان دبي»، والتي يتعانق فيها المزج بين المؤثرين الثقافي والاقتصادي تستحق أن نتأملها، هناك العديد من الرعاة والداعمين لـ«مهرجان دبي»، ولكن يظل المهرجان محتفظاً باستقلاله مدافعاً عن هويته، هو يملك القدرة على جذب رؤوس الأموال للوقوف معه، لأنه يحقق لها الدعاية اللازمة فلا شيء مجاني؛ الرؤية الثقافية عندما تتعانق مع فكر اقتصادي تستطيع تحقيق الكثير، وهكذا يواصل «مهرجان دبي» فعالياته، محتلاً صدارة المشهد.
منذ أن انطلق هذا المهرجان عام 2004، وحتى هذه الدورة التي تحمل رقم 14، والتي ستسدل ستائرها مساء الأربعاء المقبل، وهو محافظ على هويته، أعتزّ بأنني واحد من قلائل شاهدوا وتابعوا وكتبوا عن كل دورات المهرجان، الذي أسفر نجاحه عن ميلاد العديد من المهرجانات الأخرى خليجياً وعربياً.
هناك لا شك جهد في البحث والاقتناص للأفلام الأهم على الساحتين العربية والعالمية، وكثيراً ما أكتشف لأول مرة فيلماً مصرياً أو عربياً، وأتعجب كيف فاتني أن أراه، رغم أن المهرجان يفتتح في نهاية العام، ظل لديه القدرة على أن يستحوذ على هذا الفيلم الذي انتظر «دبي»، ولم يعرض في المهرجانات الأخرى، التي تسبقه زمنياً، من المؤكد أن الحافز المادي للجوائز يلعب دوراً، ولكن مصداقية المهرجان والقيمة الأدبية للجائزة تلعب دوراً أكبر.
ما استوقفني وما يعنيني في الحقيقة أن يقتنصه مهرجان القاهرة من «دبي» هو العلاقة مع الرعاة، حتى لو كان كما حدث في مهرجان القاهرة، الذي كان داعماً أساسياً له قناة «دي إم سي»، إلا أن العلاقة بين الداعم والمهرجان بحاجة إلى تقنين، ومع ترحيبي وتأييدي لمبدأ الرعاية المادية، حيث إن الدولة المصرية باتت تتحرر اقتصادياً من تحمل المسؤولية، فإن العلاقة تحتاج إلى وضع قواعد ملزمة للطرفين.
هناك أيضاً العلاقة مع الجمهور، الذي أتصوره يلعب دوراً محورياً في تلك المنظومة... يعاني مهرجان القاهرة من تضاؤل الإقبال الجماهيري، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة، بينما نجد التزاحم الجماهيري يزداد على «مهرجان دبي»، وهو ليس فقط جمهوراً إماراتياً، بل خليجي وعربي، التذكرة أحد عوامل قوة المهرجانات في العالم كله، لأنها لا تعني فقط قوة اقتصادية بقدر ما تؤكد أن الرسالة الحقيقة للمهرجان قد وصلت، المهرجانات رغم أن ما يبدو على السطح أنها تظاهرة تخص الفنانين والصحافيين والنقاد و«الميديا»، فإنها وبالقدر ذاته، أو بالتوازي مع كل ذلك، يجب أن يتفاعل معها وبالدرجة الأولى الجمهور؛ فهو المستهدف أولاً وحتى عاشراً!!
من المهم أن ندرس تفاصيل النجاح، وأن نستعيد تجارب الآخرين، لأن عدوى النجاح ممكنة... وما أجملها من عدوى!!