طوى المغرب وجنوب أفريقيا صفحة التوتر والقطيعة بينهما بعد اللقاء الذي جرى مساء أول من أمس في العاصمة الإيفوارية أبيدجان بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما، وذلك على هامش القمة الخامسة للاتحاد الأفريقي - الاتحاد الأوروبي، التي أنهت أعمالها أمس.
كما طوى المغرب أيضا صفحة التوتر مع أنغولا، التي شكلت لعقود مع جنوب أفريقيا، أحد أكبر المناوئين له ولوحدة ترابه. وقد عانى المغرب كثيرا من مناوشات ومعاكسات جنوب أفريقيا وأنغولا في مجلس الأمن بخصوص ملف نزاع الصحراء.
وكان استقبال العاهل المغربي للرئيس زوما الأول من نوعه بين القائدين الأفريقيين، ووصفت وكالة الأنباء المغربية الرسمية هذا الاستقبال بـ«الودي»، وقالت إنه «طبعته الصراحة والتفاهم الجيد، وقد اتفق قائدا البلدين على العمل سويا يدا في يد، من أجل التوجه نحو مستقبل واعد، لا سيما أن المغرب وجنوب أفريقيا يشكلان قطبين مهمين للاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، كل من جهته، بأقصى شمال وأقصى جنوب القارة».
واتفق ملك المغرب ورئيس جنوب أفريقيا على الحفاظ على اتصال مباشر، والانطلاق ضمن شراكة اقتصادية وسياسية خصبة، من أجل بناء علاقات قوية ودائمة ومستقرة، وبالتالي تجاوز الوضعية التي ميزت العلاقات الثنائية لعدة عقود.
وقرر الملك محمد السادس والرئيس زوما الرقي بإطار التمثيلية الدبلوماسية من خلال تعيين سفيرين من مستوى عال في كل من الرباط وبريتوريا، وحضر الاستقبال عن الجانب المغربي مستشار العاهل المغربي فؤاد عالي الهمة، ووزير الخارجية والتعاون الدولي ناصر بوريطة، وعن الجانب الجنوب - أفريقي وزيرة العلاقات الدولية والتعاون مايتي نكوانا - ماشابان، وسفير جنوب أفريقيا لدى الاتحاد الأفريقي أندوميزو أنتشينغا، ومستشار الرئيس الجنوب أفريقي ميكايل هالي.
وشكل لقاء عاهل المغرب مع الرئيس الجنوب أفريقي ورئيس أنغولا حدث القمة الأفريقية - الأوروبية. واعتبر دبلوماسي مغربي شارك في قمة أبيدجان اللقاء الملكي مع رئيسي جنوب أفريقيا وأنغولا، نتيجة تخلي الرباط عن سياسة المقعد الفارغ التي انتهجتها منذ انسحابها عام 1983 من منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا) جراء قبول عضوية «الجمهورية الصحراوية»، التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد عام 1976 بدعم من الجزائر وليبيا في المنظمة القارية الأفريقية.
وقال ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي، في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط»، إن سياسة المقعد الفارغ انتهت إلى غير رجعة.
وأفشل المغرب رهانات جبهة البوليساريو، حينما قرر أن يكون ممثلا في قمة أبيدجان بعاهله الملك محمد السادس، بعدما ساد الاعتقاد لديهما أن الرباط ستعتذر عن عدم المشاركة في القمة، أو ستخفض مستوى تمثيليتها فيها.
ومرت مشاركة جبهة البوليساريو في قمة أبيدجان باهتة من دون أي اهتمام إعلامي يذكر، وقال دبلوماسيون أفارقة تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في أبيدجان: «نحن اليوم بصدد تحول أساسي في الاتحاد الأفريقي». وتوقع أحدهم قائلاً: «من اليوم لن يكون هناك ذلك الزخم الذي عرفه في العقود الماضية محور الجزائر - جوهانسبرغ». وقال آخر إن «الدبلوماسية أصبحت مبنية على الاقتصاد والمصالح... وزمن الآيديولوجيات ولى».
في سياق ذلك، قالت ليزل لو - فودران، الخبيرة الجنوب أفريقية في قضايا أفريقيا، إن استقبال الملك محمد السادس للرئيس زوما، يمثل «حدثا بارزا يؤشر على مستقبل واعد للعلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا، عملاقي القارة الأفريقية».
وأضافت لو - فودران، المحللة في معهد الدراسات الأمنية، الذي يوجد مقره في بريتوريا، في تصريحات صحافية لوكالة الأنباء المغربية، أن الاستقبال الملكي يعتبر «تطورا تاريخيا» في العلاقات بين البلدين، مضيفة أن اللقاء، إلى جانب القضايا التي أثيرت في المحادثات، سيكون له تأثير جد مهم على تطور العلاقات بين البلدين.
وأبرزت لو - فودران، أن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي مهدت الطريق للرفع من مستوى التمثيلية الدبلوماسية بين البلدين، موضحة أن التعاون، الجاري تحديد مضامينه بين الرباط وبريتوريا بفضل لقاء عاهل المغرب والرئيس زوما، «سيكون موضع ترحيب»، لكونه سيمكن بشكل أمثل من الدفاع عن القضايا الأفريقية داخل الاتحاد الأفريقي وفي الملتقيات الدولية، وقالت إن «المغرب وجنوب أفريقيا يمثلان عملاقي أفريقيا»، مبرزة أن هذين البلدين الوازنين سيكونان بالتالي قادرين على العمل سويا يدا في يد من أجل تدبير أمثل لقضايا أفريقيا.
وأضافت الخبيرة الجنوب أفريقية، أن «الاتحاد الأفريقي، الذي يوجد في موقف حرج نوعا ما خصوصا على مستوى التمويل وإصلاح هياكله، سيكون رابحا من هذا التقارب بين المغرب وجنوب أفريقيا»، مشيرة إلى أن «تعاونا جيدا وتفاهما جيدا بين البلدين أمر مصيري بالنسبة للاتحاد الأفريقي».
وأشارت لو - فودران إلى العديد من المجالات التي تتيح تعاونا مشتركا مفيدا بين المغرب وجنوب أفريقيا، خصوصا ما يهم التجارة والمالية والتأمين والسياحة والنقل، ولاحظت أن المغرب وجنوب أفريقيا يعدان أكبر قطبي القارة الأفريقية، مبرزة أن الرباط وبريتوريا، باعتبارهما أكبر مستثمرين أفريقيين في أفريقيا، في وضع جيد يمكنهما من الدخول في مشاريع مشتركة في العديد من مناطق أفريقيا.
وأوضحت لو - فودران أن المغرب، الذي نجح في تعزيز حضوره في العديد من القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، خصوصا في أفريقيا الفرنكفونية، يمكنه أن يقدم دعما قيما للشركات الجنوب أفريقية التي تواجه صعوبة كبيرة في اختراق هذا الجزء من القارة نتيجة عدة عوامل، مشيرة إلى أن جنوب أفريقيا يمكنها أن تضطلع بالدور نفسه لفائدة المغرب في أفريقيا الجنوبية.
وأضافت لو - فودران، أن المشاريع المشتركة بين البلدين يمكن أن تمثل حقيقة دعامات لشراكة «رابح - رابح» بين المغرب وجنوب أفريقيا. وحرصت على التأكيد على الأهمية القصوى التي يكتسيها فتح خط جوي مباشر بين الدار البيضاء وجوهانسبرغ لمواكبة الزخم، الذي سيتبع اللقاء بين الملك محمد السادس والرئيس زوما.
وبحسب الخبيرة الجنوب أفريقية فإن افتتاح هذا الخط الجوي يجد مبرره أيضا في الشغف المتزايد لمواطنين جنوب أفريقيين اتجاه المغرب كوجهة سياحية مفضلة، وخلصت إلى القول إن الأمر يتعلق بفصل جديد يفتح بين هذين البلدين الكبيرين، داعية إلى الانطلاق في شراكة ستعم فوائدها، من دون شك، في جميع أنحاء القارة.
وبالنسبة للقاء العاهل المغربي مع الرئيس الأنغولي جواو لورنسو، أعرب قائدا البلدين عن ارتياحهما لفتح فصل جديد في العلاقات الثنائية، واتفقا على فتح آفاق جديدة للتعاون في جميع الميادين.
المغرب يطوي القطيعة مع جنوب أفريقيا وينهي الخلاف مع أنغولا
المغرب يطوي القطيعة مع جنوب أفريقيا وينهي الخلاف مع أنغولا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة