محمد سيف النصر لـ «الشرق الأوسط»: الميدان يصنع الصحافي الحقيقي

مذيع «بي بي سي عربي» حاور بيريز وعمل في مناطق خطرة

المذيع ومقدم البرامج محمد سيف النصر في استديو «بي بي سي عربي» بلندن
المذيع ومقدم البرامج محمد سيف النصر في استديو «بي بي سي عربي» بلندن
TT

محمد سيف النصر لـ «الشرق الأوسط»: الميدان يصنع الصحافي الحقيقي

المذيع ومقدم البرامج محمد سيف النصر في استديو «بي بي سي عربي» بلندن
المذيع ومقدم البرامج محمد سيف النصر في استديو «بي بي سي عربي» بلندن

في تمام الساعة الواحدة ظهراً بتوقيت غرينتش، يطل المذيع المصري من خلال شاشة «بي بي سي عربي» على ملايين العرب حول العالم. يصحبهم في جولة على أهم الأخبار في مناطق النزاع ومقرات صنع القرار. بهدوء ونضج يتعدى سنه، يتسلح مقدم البرامج الشاب بالموضوعية والوسطية لتقديم الحقائق للمشاهد ومحاورة الضيوف من الخبراء والمسؤولين وشهود العيان. مهنيته داخل الاستديو جعلت منه وجهاً يرتاح له المشاهد. لكن، ما لا يعرفه الكثيرون عن محمد، أن تجاربه، المتهورة أحياناً، في الميدان جبلت الصحافي في داخله. إجادته اللغة العبرية فتحت له أبواب لقاء شمعون بيريز وموشيه يعلون، وكان نتاج شجاعته تقارير من مناطق التوتر، كادت تودي بحياته. التقته «الشرق الأوسط» في لندن بعد يوم عمل حافل. «الصحافة مهنة المتاعب، وعلى من يريد امتهانها أن يعشقها». كلمات أكدها لي محمد في أثناء احتسائنا القهوة وخوضنا في حديث شيق عن تفاصيل تجاربه الإعلامية من أول نشرة لتلفزيون «بي بي سي عربي»، إلى اليوم. وفيما يلي نص الحوار:

> كنتَ أحد أفراد العائلة المؤسسة لتلفزيون «بي بي سي عربي»، كيف كانت التجربة؟
- سؤالك يُعيدني إلى عام 2007، هيئة الإذاعة البريطانية بالنسبة إلى كل مذيع عربي حلم، إذ تربينا عليها. «هنا لندن»، العبارة التي كان والدي يستيقظ على سماعها كل يوم عبر الراديو.
السبب الوحيد الذي دفعني إلى ترك بلادي مصر كان مشروع تأسيس هذه القناة. قدمت للوظيفة ووُفقت بعد امتحانات صعبة وتم الاتصال بي والتحقت. كان مشروعاً طموحاً وكانت السماء هي حدودنا. كنا مجموعة متحمسة من جنسيات عربية مختلفة يقودها شخص مهني ومحترف هو الأستاذ صلاح نجم. مررنا بفترة تدريبات من يوليو (تموز) 2007 حتى بدأ البث في 11 مارس (آذار) 2008، وكان لي الشرف أن أكون من معدِّي أول نشرة أخبار على القناة.
> أصبحتَ من الوجوه المعروفة في نشرات وبرامج القناة منذ ذلك الحين. لكن ما لا يعرفه معظم المشاهدين أنك تتكلم اللغة العبرية بطلاقة، الأمر الذي فتح لك أبواباً كثيرة، صحيح؟
- درست دراسات الشرق الأوسط بما فيها لغات المنطقة والسياسة والتاريخ والديانة. وقررت التخصص باللغة العبرية، نظراً إلى أن هذا المجال مهم، إثر وجود دولة مثل إسرائيل في المنطقة إلى جانب تاريخ من الصراعات والحروب. واستطعت من خلال دراستي استكشاف اللغة والتاريخ والديانة والسياسة، وفتح لي ذلك أبواباً في عملي، لأن «بي بي سي» تحرص على اقتناء الكفاءات التي بإمكانها المساعدة في أكثر من مجال في العمل. ساعدني ذلك أيضاً في المساهمة في تغطية القضية الفلسطينية، وأوفدت مراسلاً للعديد من الفعاليات والأحداث ولتغطية الانتخابات والحرب في غزة وغيرها.
> ما أكبر ثمار هذه الميزة إذن؟
- يقع دائماً الاختيار عليَّ من قبل «بي بي سي عربي» لتغطية أحداث الصراع العربي الإسرائيلي أو الأحداث داخل إسرائيل. غطيتُ جميع الانتخابات في إسرائيل منذ التحاقي بطاقم عمل «بي بي سي» بكل تداعياتها، ومن خلال ذلك تسنّت لي مقابلة عدد من المسؤولين الإسرائيليين منهم الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز عام 2014 قبل أن يترك منصبه لبرنامج «بلا قيود». سألته عن تاريخ المنطقة وعن تاريخ إسرائيل، وكيف أسهم نشوء هذه الدولة في التأثير على مجريات منطقة الشرق الأوسط. ومن المقابلات المهمة الأخرى التي أجريتها، لقاء مع موشيه يعلون عام 2013 عندما كان وزيراً للدفاع في إسرائيل. كانت من أهم المقابلات لأنه أثبت لي أن الشرق الأوسط فعلاً شرق أوسط جديد، وأن واقع المنطقة بعد 2011 لم يعد كواقعها قبل الربيع العربي.
> تجربتك تعدت جدران الاستديو وتضمنت تغطيات ميدانية. ما أكبر مخاطرة قمت بها على الأرض؟
- كنت محظوظاً أنني تدرجت السلم الصحافي في «بي بي سي» واكتسبت الخبرة المهنية اللازمة، حيث عملت صحافياً ومراسلاً ومذيعاً ومقدم برامج. عملي مراسلاً منحني فرصة الذهاب إلى أماكن ليست متاحة لي خارج عملي. من أبرز تجاربي في الميدان، وبرأيي الميدان هو الذي يصنع الصحافي الحقيقي، عند تغطيتي للانتخابات الأفغانية في أغسطس (آب) 2009 من كابل. الانتخابات كانت مهمة جداً لمستقبل البلاد حينذاك وكانت العاصمة الأفغانية محفوفة بالمخاطر وشوارعها مهددة. الخطر يلازم العمل الصحافي. لكن نهم الصحافي وهوسه بنقل الحقيقة للمشاهد ينسيانه الخطر أحياناً. وجودنا في بؤرة الخطر مسؤولية، فنحن عين المشاهد هناك. وعند عودتنا من الأماكن الخطرة نلاحظ التهديدات التي كانت تواجهنا.
> إذن ما التجربة التي عرّضت حياتك للخطر؟
- تجربة أفغانستان كانت من أكثر التجارب خطورة. كان على الصحافيين المكوث في كابل أو الارتكاز في مدينة معينة للتغطية، لضمان الأمان والسلامة. لكنني أصررت على الخروج خارج العاصمة الأفغانية لتغطية تقرير عن الناس خارج كابل، وكيفية تعاملهم مع الانتخابات، والإجابة عن تساؤلات مدى وعيهم بالعملية الانتخابية، وما إن كانت تصل إليهم الأنباء أم أنهم مقطوعون عن الشارع السياسي. ذهبت إلى منطقة نائية على بعد 40 كيلومتراً من كابل لنقل واقع الناس. من المرات الخطيرة الأخرى عندما كنت في القدس لتغطية انتخابات 2009، وكنا نعد تقريراً حول الصراع بين المتدينين اليهود والعلمانيين في إسرائيل، وكيف ينعكس هذا الصراع على العملية الانتخابية. ذهبت إلى حي «مائة شعاريم» في القدس الغربية، معقل المتدينين، ونصحني زملائي في مكتب القدس بعدم الذهاب لأن سكان الحي متطرفون ومعزولون عن العالم، ووجودي هناك بكاميرا كمراسل أجنبي سيعرّضني للخطر، لكنني قررت الذهاب وتعرضت أنا وفريقي للمتاعب خصوصاً زميلي المصور الفلسطيني. ساعدتني إجادتي اللغة العبرية في التعامل معهم، وأعتقد أنهم ظنوا أنني منهم. وتجاوبوا معي وأجابوا عن أسئلتي، وحصلنا على نحو 7 مقابلات، وكان التقرير ناجحاً. لن أنسى هذه التجربة.
> ما أكبر تحدٍّ تواجهه داخل الاستديو؟
- التحدي الرئيسي، خصوصاً في برنامج «عالم الظهيرة»، هو نقل أخبار العالم المليء بالصراعات والإشكالات والحروب خلال ساعة. يجب التركيز خلال ساعة والحرص على أن تكون التغطية بذات الجودة وجميع المقابلات متزنة وبنفس المستوى إلى جانب الأخبار العاجلة أيضاً. هذه المهنة تسبب الضغط العصبي والنفسي لأنها تتطلب مهنية تامة وعزلاً للمشاعر عما يحدث من حروب واضطهاد. نحن بشر في النهاية والتزام الموضوعية والوسطية تحدٍّ صعب. أهم شيء في «بي بي سي» أنها تدعم ذلك.
> ماذا كان أكبر امتحان لك على الهواء مباشرة؟
- كانت من أصعب المواقف التي أتعرض لها على الهواء في أثناء تغطية أخبار الصراعات، صورة الطفل الكردي وهو جثة هامدة على الشاطئ، كانت موضوع حلقة «نقطة حوار»، وكانت هذه الحلقة من تقديمي. كنت مضطرباً وخشيت أن أقع في فخ اللامهنية وكانت الحلقة صعبة جداً عليّ. الصورة هزّتني.
> ما نصيحتك لمن يطمحون لخوض بل للتميز في مهنة الإعلام في ظل التغيرات الطارئة؟
- هذه المهنة مهنة المتاعب، يجب ألا يخوضها إلا من عشقها. فهي تشكل ضغطاً على من يمتهنها وتسرق جزءاً كبيراً من حياته الشخصية. ويجب أن يؤمن بأن أهم شيء في هذه المهنة هو نقل الحقيقة واحترام المشاهد وعقليته. الصحافة تعلم الناس وتسهم في توعيتهم، والمصداقية مهمة، والشهرة والمردود المادي جميلان لكنهما ثانويان. من أهم مقومات الإعلامي الناجح هو طرح الأسئلة التي يريد المشاهد سماع إجاباتها. الإعلامي ليس إعلامياً للصفوة، بل لجميع الناس.
> كيف توظِّف «السوشال ميديا» للتواصل مع الناس؟
- «السوشال ميديا» هي مستقبل الإعلام ووعاء رئيسي للوصول إلى الناس جميعاً. تأثيرها كبير؛ إيجابي وسلبي. ودورنا كإعلاميين التركيز على توظيفها إيجاباً والحد من التأثير السلبي، كنشر الشائعات والأخبار المزيفة.
> هل برأيك أن الإعلام التلفزيوني قد يموت؟
- لا أرى الأمر بهذه الصورة السلبية. أعتقد أن الإعلام التلفزيوني والسوشيال ميديا سيكمل بعضهما بعضاً.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.