رحيل عرفات مدابش... وجه الصحافة العربية في اليمن

المبعوث الأممي: الفقيد كان وطنياً إيجابياً

عرفات مدابش
عرفات مدابش
TT

رحيل عرفات مدابش... وجه الصحافة العربية في اليمن

عرفات مدابش
عرفات مدابش

رحل الصحافي اليمني عرفات مدابش، وكيل وزارة الإعلام المساعد لقطاع الصحافة، أمس عن عمر يناهز 48 عاما، بعدما قضى جل عمره يركض في ميدان الإعلام، وتوج بجائزة ديفيد بيرك الأميركية للصحافة في العام 2016.
وقبل أن يعين وكيلا في الوزارة اليمنية، عمل مدابش على مدار 11 عاما كمراسل لصحيفة «الشرق الأوسط» من صنعاء، وغطى فصولا عديدة من المتغيرات التي شهدها اليمن، ولعل أبرزها الثورة التي أطاحت بعلي عبد الله صالح في 2012. وما تلاها من ركض في مؤتمر الحوار الوطني، ثم انتقل بعد انقلاب الحوثي وصالح على الحكم بالقوة ليستقر في عدن بعدما تحررت من الانقلاب.
ونعى إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن الراحل، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذا خبر مؤلم جدا، اللهم ارحمه، أعترف له بالوطنية وروح التعامل الإيجابي والأخلاق الحميدة».
وأعرب وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني، في بيان عن وزارة الإعلام اليمنية عن فاجعة الوسط الصحافي برحيل مدابش، «بعد حياة حافلة بالعطاء والعمل الصحافي المثابر والمتميز الباحث عن الحقيقة».
واعتبر الإرياني رحيله «خسارة كبيرة للصحافة في اليمن التي تعاني وضعا هو الأسوأ في العالم بفعل الحرب الضروس التي شنتها الميليشيا الانقلابية على كافة الصحافيين ووسائل الإعلام المناهضة للانقلاب»، مؤكدا أن الوسط الصحافي خسر برحيله قامة صحافية باسقة، فقد كان الفقيد من أوائل الصحافيين الذين ساهموا في إعلاء الكلمة والبحث عن الحقائق ونشرها بمسؤولية مهنية منقطعة النظير، مضيفا: «لقد كان عرفات مدابش صحافيا فذا وكاتبا حصيفا قبل أن يكون مسؤولا في الوزارة، وكان إضافة مهمة للوزارة قبل أن يكون المنصب إضافة للفقيد».
فيما نعى السفير السعودي في اليمن محمد آل جابر الزميل عرفات قائلا «عاش عربياً حراً رافضاً لإيران وميليشاتها في اليمن، مؤمناً بعروبته ومخلصاً لوطنه» مضيفاً «مات محافظاً على قيمه ومبادئه وفياً لأشقائه الذين سيبقون داعمين للشعب اليمني».
وسبق للراحل، أن عمل في وسائل إعلامية متعددة، أبرزها عمله في الفترة ما بين 1990 وحتى 1994 مراسلا لصحيفتي «الوحدة» اليمنية الحكومية و«الثوري» الحزبية، ومن ثم محررا في صحيفة «الثوري» الصادرة عن الحزب الاشتراكي اليمني حتى أصبح رئيساً لقسم الأخبار.
تزوج عرفات من معلمة يمنية يناديها دوما «أم ياسر»، وهي من محافظة الضالع، وأنجبت له ياسر، وعمار، وجار الله وعمر.
ومنذ العام 1999 وحتى 2004. عمل مراسلا لصحيفة «الاتحاد» الإماراتية، ثم «أخبار العرب» الإماراتية في اليمن.
وخلال الثمانية الأشهر الأولى من العام 2002 عمل بالتعاقد، محررا ورئيس وردية أخبار في الإدارة العامة للأخبار بوكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ)، قبل أن يبدأ مرحلة جديدة في ركضه الصحافي، حيث انضم إلى مراسلي «راديو سوا» الأميركي.
وفي مطلع العام 2006. انضم مدابش إلى مراسلي صحيفة «الشرق الأوسط»، حتى وافته المنية.
مدابش أسس في 2004 أول موقع إخباري يمني مستقل على الإنترنت، وهو «التغيير نت»، وكان يعرف الموقع بأنه: «يعنى بقضايا التغيير الديمقراطي وحقوق الإنسان والمرأة، ومستمر في أداء رسالته المهنية في نشر الأخبار والاهتمام بقضايا حقوق الإنسان من مختلف الجوانب وبالأخص التعامل مع هذه القضايا من منظور خبري وكذا تأهيل الصحافيين اليمنيين في الجوانب المهنية والحقوقية، من خلال دورات تدريبية وورش عمل وندوات».
وخلال مسيرته، ساهم في إعداد تحقيق صحافي لصحيفة «نيويورك تايمز» عام 2004.
وكافح مدابش وعانى من بحثه عن الحقيقة، وكان من الصحافيين اليمنيين الذين تعرضوا للاعتداء بالضرب والسجن من قبل الأجهزة الأمنية في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات على إثر تغطياته الصحافية بعد الحرب الأهلية عام 1994.
قضى الراحل آخر سنواته في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وكان يتردد على القاهرة كل صيف مصطحبا أحد أبنائه.
وكان الراحل، يتميز بعلاقات واسعة في الوسط الإعلامي والسياسي والفني اليمني والعربي، ويكن له كثير من الصحافيين المحبة والود، إثر حرصه الدائم على التواصل.
رحل عرفات، ولم ترحل ضحكته، وألمه، وما تركه من كلمات وقصص وتقارير ستحكي يوما لأحفاده كيف كان مدابش، وجه الصحافة العربية في اليمن.


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».