تسلم السلطة معابر قطاع غزة ينعش آمال الفلسطينيين بحياة جديدة

يحلمون بانتهاء حصار مشدد استمر 11 عاماً

TT

تسلم السلطة معابر قطاع غزة ينعش آمال الفلسطينيين بحياة جديدة

أنعش تسلم السلطة الفلسطينية المعابر الحدودية لقطاع غزة آمال السكان في بدء حياة جديدة، تنهي حصاراً مشدداً استمر 11 عاماً، وذلك بعد سيطرة حركة حماس وقواتها المسلحة على القطاع في يونيو (حزيران) 2007، إثر خلافات على الحكم مع حركة فتح.
وتابع الفلسطينيون في القطاع باهتمام بالغ تسلم السلطة الفلسطينية المعابر، وطريقة إدارتها المنتظرة لها، مشيدين بقرار حكومة التوافق الوطني إلغاء جميع الضرائب التي فرضتها حركة حماس بشكل غير قانوني إبان سيطرتها على تلك المعابر خلال السنوات الماضية، والتي ضاعفت من دخل الحركة، لكنها زادت من معاناة التجار والمواطنين اقتصادياً، ما أظهر تراجعاً واضحاً في الوضع الاقتصادي والحركة التجارية في الأسواق لسنوات طويلة.
ويقول محمد العسلي، تاجر مواد بناء، إن إلغاء الضرائب التي فُرضت في السنوات الأخيرة إبان سيطرة حركة حماس على المعابر سينعش من قدرة التجار على شراء كميات أكبر من التي يتم استيرادها، والعمل على تسويقها بأسعار تناسب المواطنين، مشيراً إلى أن التجار كانوا يدفعون ضريبة مزدوجة على معبر كرم أبو سالم التجاري، إحداها في الجانب الإسرائيلي لصالح مقاصة السلطة الفلسطينية، والأخرى في الجانب الفلسطيني لصالح حركة حماس. ولفت العسلي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن سيطرة السلطة بشكل كامل على المعبر ستؤثر إيجاباً أيضاً في وقف قائمة المواد الممنوعة من دخول غزة، كما سيُسمح بزيادة الكميات بدلاً من تقليصها في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن هناك إشارات إيجابية في هذا الإطار، ورجح أن تتسبب هذه العملية في إنعاش السوق الفلسطينية بمواد البناء وبمبالغ مالية معقولة.
من جهته، يشير خليل الأسدودي، أحد تجار السيارات، إلى أن وقف الازدواج الضريبي وفّر مبالغ مالية كبيرة على التجار والمواطنين الذين يرغبون بشراء السيارات، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه العملية وفرت ما بين 2000 و5000 دولار في كل سيارة يتم إدخالها القطاع، بعد أن كانت حكومة حماس تفرض 25 في المائة من الضرائب على السيارات.
ويقول الخبير الاقتصادي أحمد أبو قمر، إن رفع الازدواج الضريبي (تحصيل ضرائب من قبل السلطة الفلسطينية، وكذلك حركة حماس من قبل التجار ما يزيد من سعر السلعة) له أثر إيجابي كبير على التجار والمواطنين، موضحاً أنه سيعمل على إنعاش السوق الاقتصادية في غزة. وأشار أبو قمر في هذا السياق إلى أنه كانت هناك حالة من الركود في بعض الأسواق التجارية الخاصة ببضائع معينة مثل السيارات وغيرها نتيجة عملية الازدواج الضريبي التي فُرضت خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن حكومة غزة سابقاً كانت تعمل وفق قوانين ضرائب معمول بها في القانون الفلسطيني. كما أوضح أن ميزانية السلطة ستنتعش أكثر من حجم الأموال التي تم بدء تحويلها من قطاع غزة إلى الضفة الغربية، مع بدء طواقمها جلب الضرائب والجبايات وغيرها.
واستبشر أصحاب البيوت المدمَّرة جراء الحرب الأخيرة على غزة في صيف 2014، خيراً من عملية تسلم السلطة للمعابر، على اعتبار أنها ستكون بداية للسماح بإدخال مواد البناء لإعادة بناء منازلهم. وبهذا الخصوص قال المواطن عبد الرحمن بكر إنه ينتظر منذ بدء عملية إعمار القطاع أن يُسمح له بإعادة بناء منزله، الذي دُمر بشكل كامل خلال الحرب الأخيرة، مشيراً إلى أن الاحتلال يتذرع بأسباب أمنية لمنع نقل مواد البناء إلى منزله، مثل عشرات من المواطنين بحجة، أنهم ينتمون إلى فصيل مقاوم معين، ولفت إلى أن الاحتلال يعتمد على آلية نظام إعادة إعمار غزة من خلال مراقبة المواد المسلمة للمواطنين عبر نظام (الجرامز GRAMMS)، معرباً عن أمله أن يتم الانتهاء من العمل بهذا النظام حتى يتمكن من بناء منزله في أقرب فرصة.
ويأمل سكان غزة أن تكون هذه بداية عهد جديد للمسافرين والمرضى الذين كانوا يتعرضون للابتزاز من خلال ما يعرف بـ«التنسيقات» عبر معبر رفح، أو ممن كانوا يمنع الاحتلال السماح لهم بالسفر بحجة سيطرة حماس على القطاع.
يقول «أبو ياسر»، 53 عاماً، إنه حاول السفر عبر معبر بيت حانون «إيرز» في الأشهر الأخيرة لكنه تعرض للتحقيق عدة مرات من ضباط أمن حماس الذين كانوا على المعبر، كما تعرض للتحقيق أيضاً من مخابرات الاحتلال وحرمته من السفر، مشيراً إلى أنه كان ينوي الوصول إلى جسر الكرامة مع الأردن ومنه يغادر إلى عمان، ومن ثم إلى تركيا للقاء نجله، الذي يدرس هناك منذ 7 سنوات دون أن يتمكن من رؤيته.
بينما تقول المواطنة أمل عبيد، المصابة بالسرطان، إنها لم تتمكن منذ ما يزيد على عام ونصف العام من مغادرة معبر بيت حانون بسبب رفض الاحتلال لها بحجة تشديد إجراءاته الأمنية، مشيرة إلى أن ضباط المخابرات الإسرائيلية كانوا يتذرعون بأن منعها جاء لأسباب أمنية تتعلق بمحاولات عناصر أمن حماس على المعبر تجنيدها لتنفيذ عملية، وهو ما تنفيه، وتقول: «إنها محاولة لابتزازها من الاحتلال للحصول على معلومات أمنية».
من جانبه، اشتكى الشاب سائد عابد من تعرضه للابتزاز أكثر من مرة، للسماح له بالسفر عبر معبر رفح البري، وقال إن بعض الجهات غير الرسمية من موظفي الأمن التابعين لحكومة غزة سابقاً، أو حتى من التابعين لحكومة رام الله، كانوا يبتزون المسافرين للحصول على 3 آلاف دولار من كل مسافر مقابل وضعهم ضمن أسماء ما يُعرف بـ«التنسيقات». وأشار عابد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه لم يستطع تأمين المبلغ حينها، مضيفاً أنه يتمنى أن تسير الأمور بشكل أفضل «مع وجود الحكومة الشرعية، وأن يُسمح لنا بالسفر»، وأنه ينوي السفر إلى إحدى الدول الأوروبية ومحاولة الحصول على إقامة فيها والدراسة والعمل هناك من أجل تأمين مستقبله، الذي قال إنه «يضيع هنا بغزة مع حاجة القطاع بعد المصالحة إلى سنوات طويلة للعودة للحياة الطبيعية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.