حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

جهد ضخم وأخطاء في الممارسات

إن تكدس الحرمين الشريفين بملايين المسلمين؛ حجاً وعمرةً وصلاةً ودعاءً وتهجداً، والتوسعة المذهلة للحرمين الشريفين وطباعة المصحف الشريف بعشرات الملايين، وامتلاء المساجد في طول العالم الإسلامي وعرضه بالمصلين؛ شيباً وشباباً، بعد أن كانت حكراً على الطاعنين في السن وبأعدادٍ قليلة، وكثرة أعداد الجامعات الإسلامية وتنامي تخصصاتها، والأزهر وعلماءه ومعاهده وأئمته الذين ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، ووزارات الشؤون الإسلامية والمؤسسات الإسلامية الدولية مثل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤتمرات الإسلامية الرسمية والشعبية، والمؤسسات والمراكز الإسلامية المبثوثة في طول العالم الغربي والشرقي، والاجتهادات الفردية والجماعية في خدمة الإسلام، وانتشار المؤسسات التي تُعنى بالقرآن الكريم؛ حفظاً وتفسيراً وتدبراً، والمؤسسات التي تُعنى بالسنّة النبوية؛ رواية ودراية، وآخرها مجمع خادم الحرمين الشريفين للحديث النبوي الذي أعلنت عنه السعودية مؤخراً، وتكاثر البنوك الإسلامية؛ بل وإقبال البنوك الدولية الشهيرة في الغرب والشرق على دمج التمويل الإسلامي في تعاملاتها، والجهود السياسية والعسكرية والفكرية التي قاومت الاستعمار، أو الأعمال العسكرية التي تقاوم تغلغل التوجهات المنحرفة، كتغلغل الشيوعية في أفغانستان والخمينية في اليمن والشام... كل هذه الأعمال والإنجازات وغيرها؛ مجتمعة أو متفرقة، التي تلت تَخلص العالمين العربي والإسلامي من نير الاستعمار، هي من الضخامة والاتساع والكبَر والتعقيد والصعوبة بحيث يستحيل أن يزعم توجه أو فصيل أو فرد أو حزب أو حركة أو جماعة أو دولة، الوقوف وراءها منفردة، بل هي نتاج كل هذه الجهود.
هذه الأعمال الإسلامية الضخمة والمنتشرة في طول العالمين العربي والإسلامي، ذات الطابعين الرسمي والشعبي، أضفى عليها المتابعون والباحثون والمهتمون عدداً من الأوصاف؛ فبعضهم عدّها من نوع التجديد في الدين الذي أشار إليه الحديث النبوي «إِن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، والتجديد قد يكون بفرد، أو دول، أو مؤسسات، أو بها مجتمعة، وبعضهم أطلق عليها وصف «البعث الإسلامي»، وبعضٌ آخر أطلق وصفها بـ«العودة للدين»... وغيرها من الأوصاف، ولا مُشاحَّة في الاصطلاح.
المهم أن نشير هنا إلى أن هذا الجهد البشري الضخم قد حمل في كينونته أخطاء في الممارسات والتطبيق كأي جهد بشري، فمن خلال مقاومة الشيوعية في أفغانستان برزت «القاعدة» حركةً إرهابيةً متطرفةً، وفي مقاومة تغلغل الخمينية في الشام ولدت جماعات إرهابية متشددة مثل «داعش» ومن دار في فلكها، وفي النشاطات الإسلامية التي ترعاها مؤسسات رسمية وشعبية محترمة نشأت مجموعات تنزع للتشدد والمبالغة التي لا تنطلق من نص صحيح صريح، وإنما تأسست على اجتهادات بالغ بعضها في تطبيق قاعدة «سد الذرائع»، أو تأثرت كثيراً بالتقاليد أكثر من اعتمادها على سماحة التشريعات الإسلامية ووسطيتها.
هذه الممارسات الخاطئة المتشددة وُجدت - كما يعلم الجميع - حتى في عصر صدر الإسلام، بل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكلها خرجت منطلقة مما تصوروها أنها غايات من صميم الدين، فالرجال الثلاثة الذين أغضبوا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الزواج وعدم النوم وصوم الدهر؛ إنما كان منطلقهم حرصهم على عبادة فيها من المبالغة الشيء الكثير، فلا يضر الأعمالَ النبيلة مثل البعث الإسلامي وجهود تجديد الدين وإحيائه، غلوُ المندسّين في أعمالها، المتدثرين بغطائها.