10 موانع تبعد أطفال الدول النامية عن مقاعد الدراسة

مسافات بعيدة يقطعها طلاب بالمرحلة الابتدائية في بنين للوصول إلى مدرستهم
مسافات بعيدة يقطعها طلاب بالمرحلة الابتدائية في بنين للوصول إلى مدرستهم
TT

10 موانع تبعد أطفال الدول النامية عن مقاعد الدراسة

مسافات بعيدة يقطعها طلاب بالمرحلة الابتدائية في بنين للوصول إلى مدرستهم
مسافات بعيدة يقطعها طلاب بالمرحلة الابتدائية في بنين للوصول إلى مدرستهم

في حين تجتمع الآراء على ضرورة إصلاح التعليم في مراحله المختلفة بالدول النامية، فإن هذه الدعوات قد لا تأخذ في عين الاعتبار كثيرا من الصعوبات التي تمنع تلقي أطفال تلك الدول حصتهم في التعليم. وبعض هذه الموانع واضح للعيان، مثل عدم وجود مدارس لتلقي التعليم في مناطق كثيرة، بينما البعض الآخر منها لا يمكن رصده بسهولة، مثل عدم كفاءة المدرسين وعدم تمتعهم بالقدر الكافي من التدريب.
بدورها، تقوم منظمة «غلوبال بارتنرشيب» المعنية بتعزيز جهود التعليم حول العالم برصد دوري لأهم العقبات والموانع التي تحجب التعليم عن أطفال الدول النامية. ومنذ عام 2014 حددت أن أهمها 10 موانع تعمل المنظمة بالتعاون مع الحكومات المحلية على تقديم الحلول لها. وتركز المنظمة على الدول الفقيرة، وعلى وجه الخصوص القطاعات المهمشة في المجتمع، والتي قد تشمل الفتيات والأقليات والمعوقين.
ووفق آخر إحصائية أجرتها المنظمة (نهاية عام 2015)، فقد كشفت أن نحو 264 مليون طفلا حول العالم لا يزالون محرومين من مقاعد الدراسة. ولذلك، دعت إلى زيادة الضغوط على الحكومات المعنية من أجل زيادة الحصص المخصصة للتعليم من الميزانيات العامة، كما تقوم بجهود من أجل زيادة الدعم الخارجي من الدول الصناعية لدعم قطاعات التعليم في الدول الفقيرة.
وهذه أهم المعوقات التي تحول بين أطفال الدول النامية وفرص التعليم في كل مراحله وفق المنظمة:

1- عدم وجود التمويل الكافي للتعليم

يحاول كثير من الدول النامية تدبير التمويل اللازم للتعليم من ميزانيات محدودة الموارد، ولكن العامل الأكثر تأثيرا في ميزانياتها المخصصة للتعليم هو تناقص الدعم الخارجي بشكل ممنهج خلال السنوات الأخيرة. وتشير المنظمة إلى أن 2.7 في المائة فقط من مجمل التمويل الخارجي تم استثماره في قطاعات التعليم في عام 2016. ولا يزيد المعدل الحالي الموجه إلى التعليم الأساسي في الدول الفقيرة عما كان عليه في عام 2008. وينعكس هذا سلبا على قدرة الدول النامية على تدبير أماكن لأعداد متزايدة من التلاميذ. وتواجه الدول الفقيرة نقصا في ميزانيات التعليم خلال السنوات الأربع المقبلة يصل إلى 34 مليار دولار. وتحاول منظمة «غلوبال بارتنرشيب» توفير دعم حجمه 3.5 مليار دولار من الدول المانحة، كما تحث الدول النامية على زيادة حصة قطاع التعليم من الميزانيات العامة لكي تسد الفجوة التي يصل حجمها إلى 16 مليار دولار، لسد الحاجات الملحة في قطاع التعليم.

2- عدم وجود مدرسين

هناك نقص عام في عدد المدرسين اللازمين في المراحل الابتدائية في مدارس الدول النامية، كما أن كثيرا من المدرسين الحاليين غير مؤهلين، مما يؤدي إلى تخريج أطفال غير ملمين بأساسيات اللغات والحساب. وتنوه المنظمة بالحاجة الماسة لتمكين 69 مليون معلما في المرحلتين الابتدائية والإعدادية بحلول عام 2030. وفي الوقت نفسه هناك أكثر من ثلث المدرسين في دول العالم الثالث حاليا غير مؤهلين إلى المستوى المطلوب دوليا. وهناك حاجة لتأهيل المدرسين وتدريب مزيد منهم بوصف ذلك أولوية للدول النامية.
3- النقص في عدد الفصول الدراسية
حقيقة يعيشها ملايين التلاميذ في الدول النامية، وفي كثير من هذه الدول يتم حشر مزيد من التلاميذ في فصول ضيقة ذات جدران متهالكة، أو يجري تلقي الدروس في الخلاء. وفي دول مثل مالاوي يحتوي الفصل الدراسي الواحد على 130 تلميذا في السنة الدراسية الأولى. ولا تمتلك المدارس في الدول النامية كثيرا من الخدمات الأساسية مثل مياه الشرب أو دورات المياه. وفي تشاد مثلا لا تتوفر مياه الشرب إلا في مدرسة واحدة من كل 7 مدارس، ولا توجد دورات مياه إلا في واحدة من كل 4 مدارس. ولا يخصص للفتيات إلا ثلث دورات المياه المتاحة، مما يعد عائقا حقيقيا أمام إقبال الفتيات على الدراسة. ويحتاج قطاع التعليم مزيدا من الدعم من الدول المانحة من أجل بناء مزيد من المدارس وتحسين نوعية المدارس القائمة.
4- نقص الكتب والمواد التعليمية

النمط السائد في مدارس الدول النامية هو استخدام كتب دراسية قديمة يتشارك فيها عدد من التلاميذ يصل أحيانا إلى 6 تلاميذ أو أكثر. وفي بلد مثل تنزانيا لا يتمتع باستخدام كتاب خاص به إلا نسبة 3.5 في المائة من مجموع التلاميذ في الصف السادس الابتدائي. وفي الكاميرون هناك 11 تلميذا في المدارس الابتدائية لكل كتاب مدرسي، و13 تلميذا لكل كتاب حساب في الصف الثاني. ويشمل النقص جميع مواد التعليم؛ من نشرات وأدوات كتابية ومدرسية. ويحتاج المدرسون أيضا لكثير من مواد التدريس اللازمة للقيام بوظائفهم. ويمكن لدعم الدول المانحة أن يساهم في عمليات طباعة الكتب المدرسية وتوفير الأدوات الدراسية اللازمة.

5- استثناء ذوي الاحتياجات الخاصة

رغم أن التعليم حق عالمي لجميع الأطفال، فإن ذلك لا يشمل في أغلب الأحيان 93 مليون طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم. وفي بعض أفقر دول العالم توجد نسبة 90 في المائة من ذوي الاحتياجات الخاصة خارج المدارس. وتتعدد الأسباب؛ بين التفرقة الواضحة، وانعدام التدريب على وسائل التدريس الشامل بين المدرسين، وانعدام الخدمات المتاحة في المدارس للمعاقين. والنتيجة هي حرمان كثير من الأطفال من حقهم في التعليم؛ لا لشيء إلا لأنهم معاقون بدنيا. وتحتاج الدول النامية إلى حملات لزيادة الوعي وتوفير بعض التسهيلات للأطفال المعوقين من أجل التحاقهم بصفوف التعليم الابتدائي على الأقل.

6 - التفرقة ضد الفتيات

رغم التقدم النسبي في توفير التعليم للفتيات في الدول النامية، فإن هناك أجيالا منهن لا يحظين بالاهتمام الكافي. وتقدر أعداد النساء الأميات في الدول النامية بنحو مائة مليون امرأة. وتصل نسبة الحرمان من التعليم بين الفتيات حاليا إلى أكثر من 20 في المائة لأسباب متعددة؛ منها الفقر والتفرقة الجنسية والنزاعات الأهلية. ويجبر الفقر بعض العائلات على اختيار من يتلقى التعليم من أبنائها وبناتها. وتخسر الفتيات في معظم الأحيان للاعتقاد السائد بأن تعليم البنات أقل أهمية من تعليم الأولاد. وتتوجه البنات إلى العمل أو البقاء في المنزل والاهتمام بالأطفال من إخوتها الصغار. وتهدف المنظمات الدولية إلى زيادة نسبة تعليم البنات إلى 84 في المائة بحلول عام 2018.

7- النزاعات الإقليمية
نظم التعليم من أكبر ضحايا النزاعات الإقليمية، ويتضح ذلك من إحصاءات تؤكد أن نصف الأطفال الذين لا ينتمون إلى مدارس أو أي نوع من التعليم يعيشون في دول تعاني من نزاعات إقليمية أو حروب أهلية. والنزاعات تمنع الحكومات من القيام بوظائفها على وجه صحيح، وتتسبب في تهجير الآلاف من منازلهم وإغلاق المدارس والمؤسسات الأخرى. وحتى في حالات تلقي الغوث الدولي في الدول المنكوبة لا يعد التعليم من أولويات الدعم.

8 - بعد المسافات بين المنازل والمدارس

في كثير من دول العالم يمشي الأطفال لمدة 3 ساعات ذهابا إلى المدرسة ومثلها إيابا. ويعاني الأطفال كثيرا من المشاق في هذه الرحلة اليومية التي تعد شبه مستحيلة في حالات التلاميذ المعوقين أو الذين يعانون من سوء التغذية أو المرض. ويمكن تصور الاستيقاظ في الخامسة صباحا والذهاب إلى المدرسة بلا إفطار والعودة في السابعة مساء يوميا. وتتعرض الفتيات إلى أخطار مضاعفة في هذه الرحلة منها التحرش والعنف. وليس هناك حل لهذا الوضع سوى بناء مزيد من المدارس المحلية التي تستوعب الأطفال في القرى والمناطق النائية.

9- الجوع وسوء التغذية

يلعب الجوع دورا رئيسيا في إعاقة التعليم في مختلف مستوياته، خصوصا في المرحلة الابتدائية. ويتأثر 171 مليون طفل في العالم الثالث بالجوع وسوء التغذية وهم في سن الخامسة، ويؤثر ذلك على قدراتهم على الاستيعاب والتركيز. ويعاني من هؤلاء نسبة 20 في المائة تقريبا إلى درجة عدم القدرة على القراءة وهم في سن الثامنة. وتعمل بعض المنظمات الدولية على التعامل مع هذه الأزمة بتوزيع الأغذية على مدارس العالم الثالث مباشرة، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى زيادة إقبال التلاميذ على الدراسة من أجل الحصول على وجبة غذائية في منتصف اليوم.

10- التكاليف الدراسية

في حين يقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن كل الأطفال لديهم الحق في التعليم الأساسي المجاني حتى لا يكون الفقر عقبة أمام تلقي التعليم، فإن كثيرا من العائلات الفقيرة ما زالت ترى أن الذهاب إلى المدرسة عملية مكلفة ماليا. وتكون النتيجة هي بقاء الأطفال في المنازل أو ذهابهم إلى العمل. ورغم مجانية التعليم في كثير من الدول النامية، فإن هناك مصروفات إضافية لا بد منها مثل شراء ملابس مناسبة للدراسة وأدوات مكتبية وكتب ورسوم الامتحانات والمساهمة في تبرعات صيانة المدارس. وفي بعض الحالات، لا توجد أماكن كافية لاستيعاب التلاميذ في المدارس الحكومية فتضطر الأسر إلى إرسال الأطفال إلى مدارس خاصة غير مجانية قد لا يستمر فيها التلاميذ طويلا لعدم قدرة الأهل على دفع المصروفات. وفي هذا السياق، تنوه المنظمة بأن التبرع بدولار وربع يوميا، يجعل بالمقدور إرسال طالب للمدرسة في إحدى الدول النامية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).