جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

التكنولوجيا.. كوكايين من نوع آخر

في عصر كثرت فيه الأمراض نتساءل عن السبب، ونقول سقا الله أيام زمان، حيث لم تكن توجد وقتها مثل هذه الأمراض، ولكن في الواقع هو أن أمراض العصر كانت موجودة، ولكن ولسوء الحظ، الجهل وعدم تطور العلم حينها، كانا يوديان بحياة المصابين بعلل مستعصية وأخرى قد تكون لها علاجات.
أما اليوم وبفضل تقدم العلم والمعرفة، أصبحت هناك علاجات عديدة لأمراض مزمنة، ولكن على الرغم من التقدم، إلا أننا نعيش في دوامة تشعرنا بأن التاريخ يعيد نفسه فعلا، فنحن محاطون بالمرضى من حولنا، وقد نكون نحن المرضى الذين نتكلم عنهم من حيث لا ندري، والأخطر هو أن هناك العديد من الذين يصارعون الإدمان، ليس الإدمان على المخدرات، بل الإدمان على الانترنت والألعاب الالكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي...
وبما أن الغرب يسبق عالمنا العربي بأشواط، افتتح في بريطانيا أخيرا أول مركز إعادة تأهيل متخصص بعلاج المدمنين على التكنولوجيا، لا سيما لدى المراهقين.
والسؤال هنا هل تنبّه أحد في بلداننا العربية إلى خطورة هذه المسألة وعواقبها الوخيمة، التي قد تؤدي إلى العزلة والانطواء على الذات، والمشاكل النفسية وحتى الانتحار؟ في بلداننا نفخر بأننا نتقن استعمال الكمبيوتر والهاتف الذكي، ولا نقبل إلا بآخر ما نطقت به التكنولوجيا، ويفخر الأهل بفلذات أكبادهم، إلى أن يأتي اليوم الذين يرونهم منغلقين على أنفسهم، فاشلين اجتماعيا وعائليا.
فمركز إعادة التأهيل الجديد يعمل على تحليل وضع المريض مهما كانت سنه، وبعدها يجري تشخيص الحالة، وتتأرجح الحالات ما بين طفيفة إلى خطرة للغاية، إذ يتطلب العلاج وضع المريض في المركز تحت إشراف الإخصائيين على مدى الساعة.
قد يكون المركز في بريطانيا وجد الحل لنوع جديد من الإدمان، ولكن وبحسب الإخصائيين الأمر الأصعب هو اعتراف المريض أو من هم حوله بالمرض والإدمان، لأنه لا يمكن اتهام كل من استعمل الهاتف أو اللوح الالكتروني بأنه يعاني من الإدمان، ولكن هناك بعض الدلائل التي يجب التنبه اليها (بحسب المركز) مثل تمضية ساعات طويلة في الانغماس في اللعب الكترونيا من دون الشعور بالوقت، أو من خلال إهمال قضايا حياتية مهمة جدا والتفرغ بالكامل للتكنولوجيا، وقد يكون الدليل الأبرز والأوضح على الإدمان هي العزلة التامة، وهذا الأمر ينطبق على المراهقين بشكل خاص، وبحسب الأطباء فهذا النوع من الإدمان قد يؤدي إلى نتائج وخيمة وغير مرضية، مثل إيذاء النفس أو حتى الانتحار، لأن الألعاب الإجرامية تحفز المراهقين على العنف وتجعلهم عطشى لجذب أهتمام من هم حولهم.
الحل موجود في بريطانيا، ولكن هل يا ترى فكّرنا في منطقتنا العربية بخطورة الانترنت، وهذا النوع من الادمان، أم أنه عندما يقع الفأس في الرأس نعود ونقول تماما، مثلما كان يقول أجدادنا (مات موتة ربه) ولكن في الحقيقة مات من إدمان رهيب، وخطير وجديد علينا، والمنطق يفرض علينا التنبه لما لا ندركه ونجهله، فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين، فاحذروها واستفيدوا منها من دون أن تتحولوا إلى عبيد لها.