في حمأة التحضير لمسيرات وإضرابات اليوم الثلاثاء احتجاجاً على تعديلات الحكومة لقانون العمل، وبسبب الأعاصير المدمرة التي ضربت ممتلكات فرنسية في بحر الكاراييبي، تراجعت تفاصيل العمليات الإرهابية التي كان يحضر لها في إحدى ضواحي باريس، والتي عطلتها الأجهزة الأمنية يوم الأربعاء الماضي بعد القبض على ثلاثة أشخاص، ووضع اليد على كمية صغيرة من المتفجرات، وعلى كميات كبيرة من المواد الداخلة في تصنيع متفجرة «أم الشيطان» كما يسميها أتباع تنظيم داعش. لكن الضجيج الإعلامي وتبعات الإعصار «إيرما» الذي حمل التدمير والخراب لجزيرتي سان برتليمي وسان مارتان جعلت تتمات التحقيق الذي تقوم به الأجهزة الأمنية تتراجع إلى المرتبة الثالثة رغم فداحة ما توصل إليه التحقيق وما كشف عنه عصر الأحد فرنسوا مولينس، المدعي العام المتخصص في شؤون الإرهاب والتفاصيل التي جاء بها.
من بين الأشخاص الثلاثة الذين أوقفوا يومي الأربعاء والخميس الماضيين، أخلت الأجهزة الأمنية سبيل الشخص الثالث «هشام»، ووجه الادعاء العام رسميا اتهامات للشخصين الآخرين بتشكيل خلية إرهابية وأرسلا إلى السجن. ومن بين هذين الشخصين، يبدو علي محمد رحماني الذي يحمل الجنسيتين الجزائرية والفرنسية على أنه «الرأس المدبر». رحماني ولد في مدينة أميان ويبلغ من العمر 36 عاماً، وهو صاحب الشقة التي اكتشفت فيها المواد المتفجرة في مدينة فيل جويف الواقعة على مدخل باريس الجنوبي، كما أنه صاحب مرأب للسيارة في مدينة تييه، غير البعيدة عن فيل جويف، حيث عثر أيضا على كميات إضافية من المواد الداخلة في تصنيع «أم الشيطان».
أما الرجل الثاني واسمه فردريك أل، فهو مواطن فرنسي يبلغ من العمر 37 عاماً، اعتنق الديانة الإسلامية في عام 2008. وبحسب المدعي العام فإنه أكد أنه أخذ يمارس الشعائر الدينية منذ عام 2015. وبعد أن كان بائعاً متنقلاً في الأسواق الشعبية، فإنه أصبح عاطلاً عن العمل منذ عام 2011. ونقلت صحيفة «جورنال دو ديمانش» الأسبوعية أن زوجة فردريك وولديه ما زالوا في الجزائر رغم بدء العام الدراسي في فرنسا.
في حديثه السريع للصحافة عصر الأحد، أكد فرنسوا مولينس أن خطة الشخصين الموقوفين كانت «تصنيع قنبلة من أجل القيام باعتداء إرهابي».
وجاء هذا الاعتراف بعد أن تمت مواجهتهما بالمعلومات التي توصل إليها التحقيق منذ توقيفهما وعقب تواجههما صباح الأحد. بيد أن مولينس أشار إلى عدم وجود هدف محدد كانا عازمين على ضربه، وجل ما جاء به أنهما كانا ينويان استهداف منظمة «سانتينيل» المولجة السهر على أمن وراحة المواطنين والمشكلة من الجنود الفرنسيين.
ينم كلام المدعي العام عن قناعة مطلقة لجهة الغرض الإرهابي للموقوفين، ولما كانا يحضران له. والجدير بالذكر أن وزير الداخلية جيرار كولومب ذكر الأسبوع الماضي أن الموقوفين زعما أنهما يصنعان المتفجرات لسرقة موزع آلي للأوراق النقدية. لكن علي محمد رحماني وفردريك أل اعترفا بأنهما كانا ينويان في عام 2015 الالتحاق بـ«داعش» في سوريا لكن افتقارهما للاتصالات الضرورية محلياً وللأموال اللازمة أثناهما عن هذا المشروع الذي استبدلا به، على ما يبدو، ارتكاب أعمال إرهابية على الأراضي الفرنسية.
وبعكس الموقوف الأول الذي لم يكن معروفاً لدى الأجهزة الأمنية الفرنسية، فإن فردريك كان موجوداً على اللائحة المسماة «أس» والتي تضم أسماء الأشخاص الذين يشكلون تهديداً للأمن في فرنسا، بسبب «زياراته» للمواقع الجهادية على الإنترنت وبسبب اتصاله، على ما يبدو، بـ«رشيد قاسم» وهو فرنسي التحق بـ«داعش» في سوريا وقتل في فبراير (شباط) الماضي. ومعروف عن قاسم أنه كان أحد كبار «المجندين» الفرنسيين، وبرز اسمه أكثر من مرة في تحقيقات تناولت عمليات إرهابية حصلت في فرنسا في العامين الماضيين.
وعلى رغم ضبابية مشروع المتهمين الإرهابي، فإن ما جمعاه من مواد وما قاما به من تحضيرات يدل بشكل قاطع على نية إرهابية. فمن جانب، عمدا إلى تحويل شقة علي محمد رحماني إلى «مختبر» لتصنيع المتفجرات. وقد اعترف الشخصان بأنهما كانا ينويان تصنيع ما بين 3 و4 كيلوغرامات من مادة «تي آي تي بي» وعثرت المخابرات وجهاز مكافحة الإرهاب على 105 غرامات من هذه المادة في شقة فيل جويف إضافة إلى كميات من المواد الداخلة في تصنيع المادة المتفجرة مثل أسيد الأسيتون، وماء الأوكسجين وأسيد السولفوريك إضافة إلى معدات وأسلاك كهربائية ضرورية للتفجير. كذلك عثر المحققون على كميات أكبر في مرأب السيارة الخاص برحماني في مدينة تييه.
وأشارت صحف فرنسية إلى العثور على كتابات باللغة العربية في الشقة المذكورة. وفي السياق عينه، بيّن تفحص الحواسيب الخاصة بالرجلين عن بحوث قاما بها بخصوص كيفية تصنيع المادة المتفجرة واستخدام البندقية الرشاشة من طراز كلاشنيكوف وقيادة الشاحنات الكبيرة. بيد أن الأهم من ذلك أنهما اعترفا بقيامهما بتجربتين للتعرف على كيفية حصول تفجير مادة «تي إن تي بي».
الخلاصة التي توصل إليها المدعي العام أن فرنسا ما زالت تعيش في «ظل التهديدات الإرهابية التي يمثلها محبذو داعش الذين يتبنون آيديولوجيته، لكنهم لم يتركوا الأراضي الفرنسية». وبحسب مولينس، فإن هؤلاء يمثلون خطراً مشابهاً للخطر الذي يمثله العائدون من «ميادين التطرف» أكان ذلك في سوريا أو العراق أو بلدان الصحراء «مالي، النيجر، بوركينا فاسو، تشاد...». وصعوبة التصدي لهؤلاء تكمن في أنهم إما من الذئاب المتوحدة أو من الخلايا النائمة، أي أنهم ليسوا موجودين تحت منظار الأجهزة الأمنية، ويمكن أن يقرروا التحرك في أي لحظة لسبب أو لآخر. وتخوف باريس أن هزائم «داعش» في سوريا والعراق لن تضع حداً للإرهاب الذي ضرب فرنسا وبلداناً أوروبية أخرى «بلجيكا، بريطانيا، ألمانيا، إسبانيا...» لا بل إنها ستغذيه، ما يتطلب برأيها مزيداً من الحذر والتعاون بين الدول الأوروبية. وسيبدأ البرلمان الفرنسي قريبا دراسة مشروع قانون رفعته الحكومة من أجل تعزيز صلاحيات الأجهزة الأمنية بشكل دائم، رغبة منها في وضع حد للعمل بحالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عامين.
فرنسا: توجيه تهمة الإرهاب لموقوفين حاولا الالتحاق بـ«داعش» وخططا لتفجيرات
فرنسا: توجيه تهمة الإرهاب لموقوفين حاولا الالتحاق بـ«داعش» وخططا لتفجيرات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة