«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (8): فنيسيا انتهى... مرحباً بتورنتو

الفلسطيني كامل الباشا فاز بجائزة أفضل ممثل

من «شكل الماء» صاحب الجائزة الأولى - كامل الباشا الفائز  بجائزة فنيسيا كأفضل ممثل - كرستيان بايل  كما يبدو في «عداءات»
من «شكل الماء» صاحب الجائزة الأولى - كامل الباشا الفائز بجائزة فنيسيا كأفضل ممثل - كرستيان بايل كما يبدو في «عداءات»
TT

«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا السينمائي (8): فنيسيا انتهى... مرحباً بتورنتو

من «شكل الماء» صاحب الجائزة الأولى - كامل الباشا الفائز  بجائزة فنيسيا كأفضل ممثل - كرستيان بايل  كما يبدو في «عداءات»
من «شكل الماء» صاحب الجائزة الأولى - كامل الباشا الفائز بجائزة فنيسيا كأفضل ممثل - كرستيان بايل كما يبدو في «عداءات»

فاز الممثل الفلسطيني كامل الباشا بجائزة أفضل ممثل في ليلة ختام الدورة الـ74 يوم أول من أمس. وفي حين لم يفز الفيلم الذي قام الممثل بالمشاركة في بطولته، وهو «القضية 23» لجانب الممثل اللبناني عادل كرم، بأي جائزة أخرى، إلا أن توجه جائزة فنيسيا إلى الممثل الفلسطيني هو اعتراف ضمني بأن الفيلم نوقش جيداً قبل أن تتوصل لجنة التحكيم، برئاسة الممثلة الأميركية آنيت بنينغ، إلى قرارها ذاك.
الفيلم الذي خطف جائزة الأسد الذهبي، الأولى في عداد الجوائز، هو الفيلم الأميركي الذي حدث وأن حظي بأعلى تقدير من قِـبل النقاد أيضاً وهو «شكل الماء»، الفانتازيا الداكنة والمثيرة التي حققها غويلرمو دل تورو من بطولة سالي هوكينز، التي كانت خصّت «الشرق الأوسط» بحديث منشور.
دل تورو وقف ليستلم جائزة في ختام استعراض الفائزين وغالب دموعه وهو يقول: «أؤمن بالحياة. أؤمن بالحب. أؤمن بالسينما». ويأتي هذا الاستقبال الجيد من قِـبل المهرجان بالتواكب مع استقبال جيد آخر حظي الفيلم به في مهرجان توليارايد الأميركي. هذا قبل أن يتوجه الفيلم ذاته إلى مهرجان تورنتو الذي انطلق في الثامن من هذا الشهر.
الجائزة المهمة الثانية هي جائزة لجنة التحكيم الخاصّـة، وهي الثانية في الأولويات، وهذه تسلمها الفيلم الإسرائيلي «فوكستروت» لمخرجه سامويل مواز الذي كان نال الأسد الذهبي سنة 2006 عن فيلمه الأقل مستوى «لبنان».
جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى الفرنسي إكزاڤييه ليغران عن فيلمه الأول «رعاية»، وهو دراما حول من سيقوم برعاية الأطفال بعدما اتفق الأبوان على الطلاق. هذا ما يلج بهما إلى المحكمة.
والمقابل النسائي للجائزة التي حصل عليها كامل الباشا جاءت من نصيب الممثلة شارلوت رامبلينغ التي أدت دور البطولة النسائية في فيلم أندريا بالاورو «هانا».

تلك القضية

المحكمة هي الجامع بين ثلاثة أفلام في المسابقة شمل الفوز اثنين منها، هما «القضية 23» و«رعاية»، أما الفيلم الثالث فهو «الجريمة الثالثة» للياباني كورا - إيدا هيروكاذو، وأفضلها بلا شك هو الفيلم اللبناني «القضية 23» الذي برع في ألا يكون سياسيا بينما يتصدى لموضوع سياسي بالمقام الأول.
كما تقدم هنا في رسالة سابقة، هو فيلم عن ضحيّـتين كل منهما تنفي عن الأخرى أنها ضحية. الأولى هو رجل لبناني ما زال يستمع إلى الخطب ذات النعرات الطائفية مليء بالغضب حيال الفلسطينيين ويرى أن النظام بأسره يعمل لمصلحتهم وليس لمصلحة المواطنين اللبنانيين. والثاني هو الفلسطيني الذي يعمل في شركة تابعة للبلدية كان يقوم بعمله المطلوب منه عندما دلق عليه الأول الماء من شرفته فشتمه.
إذ تنتقل القضية إلى المحكمة يتبين لاحقاً أن الضغينة الطائفية ناتجة عن خسارة عائلة الأول لأملاكها عندما هاجم الفلسطينيون مساكنهم خلال الحرب الأهلية، بينما يعايش الفلسطيني واقعه التاريخي الذي دفع به للعيش لاجئاً في لبنان.
ربما ذهبت الجائزة في هذا المجال إلى اعتبار أن كامل الباشا (وهو محترف مسرحي يعيش في القدس) يستحقها لأنه فلسطيني. احتمال يؤيده أن الفيلم الإسرائيلي الذي فاز بالجائزة الثانية هو فيلم انتقادي عن العسكرية الإسرائيلية، وأن لجنة التحكيم ورئيستها الأميركية تتألف من مجموعة غالبة من اليساريين، لكن الممثل يستحقها. منواله هو التعبير صمتاً عما في داخله من الأسى الكبير.
في المقابل، فإن عادل كرم لديه، هنا، شخصية مفتوحة تقرأها من اللحـظة الأولى. ليس الخطأ خطأه بل يتبع حقيقة أنه من الخطر على رسالة الفيلم البحث عن نقاط رمادية في شخصيته تجيز للمشاهد تكوين نظرة متعاطفة وإلا دخل الفيلم متاهة مختلفة. زياد الدويري يكتفي بتوزيع المصادر العاطفية والسياسية لشخصياته ويصنع عملاً جيداً في هذا المقام. لم يحقق أفضل فيلم يمكن لمسابقة أوسكار أفضل فيلم أجنبي استحواذه، بل النوع الذي قد يشق، غالباً، طريقه لجوائز أخرى.
وعلى ذكر الأوسكار، فإن اللجنة المتخصصة لترشيح الأفلام اللبنانية إلى الأوسكار، والتابعة لوزارة الثقافة، غالباً ما ستختار هذا الفيلم لتمثيل السينما اللبنانية. وهو لن يكون الفيلم الوحيد الذي سينطلق من فنيسيا ليدخل سباق الأوسكار بل هناك «شكل الماء» نفسه، والفيلم الأسترالي «سويت كنتري». أما ما يتردد بشأن «فوكستروت» فهو أنه قد يكون الترشيح الإسرائيلي لأوسكار أفضل فيلم أجنبي.

صواريخ سينمائية

فنيسيا المنتهي يتشابك، توقيتاً، مع مهرجانين آخرين يجدهما الكثير من الموزعين نقطة انطلاق موازية لموسم الجوائز. الأول توليارايد المكتفي بأربعة أيام من الحياة سنوياً لا تتسع لأكثر من 35 فيلما من بينها، هذا العام: «فوكستروت» و«تصغير» و«شكل الماء» و«فيرست ريفورمر»، وكلها عرضت هنا وتنتقل من توليارايد إلى المهرجان الكبير التالي تورنتو الذي يتسع، كالعادة، لأكثر من 350 فيلما (وفي بعض دوراته السابقة شهد ما تجاوز الـ400 فيلم).
تورنتو ينطلق من الثامن إلى الثامن عشر، أي قبل انتهاء المهرجان الإيطالي بيومين. يحفل بالعروض الأولى كما بعروض أفلام مرّت ببعض المهرجانات الأوروبية الأخرى. كذلك بالحفلات واللقاءات وشغل مكتظ من قبل طواقم شركات التوزيع والإنتاج إما دعما لما أنتجوه أو بحثاً عن أفلام يشترونها.
بالنسبة للناقد فإن برمجة يومياته هي أكثر تعقيدا من برمجة يومياته في أي مهرجان أوروبي، ولن يجيده تماماً إلا من تدرج في معرفة المهرجان عقداً بعد عقد وسنة بعد سنة. في كل الأحوال فإن تورنتو هو أكبر منصات الإطلاق الثلاثة (فنيسيا، توليارايد وتورنتو) وصواريخه السينمائية تسعى لكي تحط في هوليوود، لأن موسم الجوائز صار مثل المدار الذي تتمحور حوله الأفلام ذات القيمة الفنية.
هذا لا يعني أن الأفلام التي عرضت في فنيسيا وتعرض الآن في تورنتو تستقبل بمستوى واحد من الإقبال. على العكس قد يتفاوت الأمر تبعاً لتفاوت الثقافات.
على سبيل المثال، «مكتوب حبي» لعبد اللطيف كشيش، الذي وجده رهط من النقاد الأوروبيين رائعاً على فراغ موضوعه وخلوه من عنصر التطور الدرامي، سيدق رأسه بالحائط حين يعرض في تورنتو بعد أيام. ولجنة تحكيم فنيسيا صنعت خيراً إذ استبعدته، كون المخرج وبعض النقاد هم الوحيدين الذين يجدونه فيلماً بمقوّمات السينما الفعلية.
مات دامون استقبل هنا بترحاب كبير نتيجة تأديته دوره في «تصغير»، لكن الأخبار الأولى الموثوقة الآتية بعد 24 ساعة على عرضه في مهرجان توليارايد هي أن الممثل وجد فتوراً ملحوظاَ. مهرجان تورنتو هو الذي سيتجه صوب أحد الاستقبالين، إما سيكون استقباله هناك استكمالاً لما شهده الممثل في فنيسيا أو شبيهاً بالاستقبال الذي تعرض له في توليارايد. والكلام ذاته ينطبق على الفيلم ذاته ومخرجه ألكسندر باين. ولا يعرض فنيسيا كل ما يعرضه تورنتو بل حفنة منه. الكثير من الأفلام الأميركية والأجنبية يتحاشى فنيسيا بما أن تورنتو هو بيت القصيد إعلامياً وتسويقياً. لذلك يحتشد في المهرجان الكندي أفلام لن يسع النقاد مشاهدتها إلا هناك أو حين عروضها التجارية المبرمجة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذه السنة. بينها الفيلم الجديد لأنجلينا جولي، كمخرجة، «أولاً قتلوا والدي» الذي ألهب حماس الحضور في توليارايد قبل أيام. الفيلم التسجيلي يدور حول ما ارتكبته الخمير الحمر من جرائم في كمبوديا. أيضاً من بين العروض التي يزخر بها تورنتو:
> «عداءات» Hostiles هو وسترن (الذي يرفض أن يموت كنوع) من إخراج سكوت كوبر وبطولة كرستيان بايل الذي عليه اصطحاب هندي إلى قبيلته متحملا مخاطر الطريق من البيض أساساً.
> «لادي بيرد» هو من النوع الذي يحتفي به الموسم من الأعمال النسائية. مخرجته هي غريتا غرويغ من التمثيل (نحو 30 فيلما) إلى الإخراج مع ساوريز رونان في البطولة.
> «الساعة الأدكن» للبريطاني جو رايت حول الفترة التي تلت مباشرة تسلم ونستون تشرشل لمهامه كرئيس وزراء بريطانيا وتضمنت توقيع اتفاق سلام مع ألمانيا النازية. دور العمر لغاري أولدمان لاعباً شخصية تشرشل ومحاطاً بليلي جيمس وستيفاني ديلون وساموَل وست وكرستن سكوت توماس.
> جايك جيلنهال يتطلع بالتأكيد إلى الأوسكار عبر تمثيله شخصية جف بومان الذي فقد ساقه إثر العملية الإرهابية في مدينة بوسطن، سنة 2013، الفيلم هو «أقوى» (Stronger) ومخرجه هو ديڤيد غوردون غرين.
> «موت ستالين»، لأرماندو إيانوتشي يعد بأن يكون أحد أكثر الأفلام المعروضة في تورنتو إثارة. إنه كوميديا صارخة فرنسية التمويل، أميركية التمثيل واللهجة، حول ما تلا وفاة الديكتاتور جوزف ستالين. منفذ كفيلم أميركي مع 15 في المائة من الواقع و85 في المائة من الخيال.

جوائز فنيسيا مع تقييم الناقد لما شوهد منها

المسابقة الرسمية

- الأولى لأفضل فيلم: «شكل الماء» لغويلرمو دل تورو (الولايات المتحدة) ****
- لجنة التحكيم الكبرى: «فوكستروت» لسامويل مواز (إسرائيل) ** 1‪-‬2
- أفضل مخرج: «رعاية» (Custody) لإكزاڤييه ليغران (فرنسا) **
- أفض ممثل: كامل الباشا عن «القضية 23» لزياد الدويري (لبنان) ***
- أفضل ممثلة: شارلوت رامبلينغ عن «هانا» لأندريا بالاورو (إيطاليا)
- أفضل سيناريو: «ثلاث لوحات خارج إيبينغ، ميسوري» لمارتن مكدوناف (الولايات المتحدة) ***
- جائزة التحكيم الخاصّة: «سويت كنتري» لوورويك ثورنتون (أستراليا) *** 1‪-‬2

مسابقة قسم «آفاق»

- الأولى لأفضل فيلم: «نيكو، 1988» (إيطاليا) **
- أفضل مخرج: فهيد جليلفاند عن «لا تاريخ، لا توقيع» (إيران)
- لجنة التحكيم الخاصة:»كانيبا» لڤيرينا باراڤل ولوسان كاستانغ - تايلور (فرنسا)
- أفضل ممثلة: لينا خوري عن «المباركون» لستيفاني جمعة (فرنسا)
- أفضل ممثل: ناڤيد محمدزاده عن «لا تاريخ، لا توقيع» (إيران).


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».