الخلاف على الإصلاحات يهدد الانتخابات النيابية اللبنانية

المهل تضيق لإجراء اقتراع فرعي في كسروان وطرابلس

TT

الخلاف على الإصلاحات يهدد الانتخابات النيابية اللبنانية

تفاقم مؤخرا الخلاف بين القوى السياسية اللبنانية حول الإصلاحات الواجب اعتمادها في الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في مايو (أيار) المقبل، ما هدد بدخول الاستحقاق الانتخابي كله في دائرة الخطر وبالتالي يفتح الباب أمام احتمال تمديد رابع للمجلس النيابي الحالي المنتخب في عام 2009.
ولم تبدأ وزارة الداخلية حتى الساعة الإجراءات العملية للاستعداد للانتخابات، حتى إن القانون الانتخابي الجديد الذي أقره مجلس النواب في شهر يونيو (حزيران) الماضي الذي يعتمد النسبية الكاملة وتقسيم لبنان إلى 15 دائرة لا يزال هو أيضا غير مفهوم من قبل قسم كبير من الطبقة السياسية واللبنانيين، ما يستوجب الانطلاق بأسرع وقت بحملات كبيرة لشرحه للناخبين كما للراغبين في الترشح، خاصة في ظل حالة من «البرودة» الطاغية على الماكينات الانتخابية الحزبية.
وإن كان الهاجس الأمني أخذ الحيز الأكبر من الاهتمام السياسي في الأشهر الماضية، ترجح مصادر رسمية أن تنصرف الحكومة والأجهزة المعنية في الأسابيع القليلة المقبلة بعد الانتهاء من تحرير الأراضي التي كانت محتلة على الحدود الشرقية للاستعداد للانتخابات النيابية، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هناك «قرارا حاسما من قبل رئيس الجمهورية بإجراء الاستحقاق النيابي في موعده المحدد حتى إنّه لا يمانع تقريب موعده في حال التخلي عن بعض الإصلاحات التي كانت تتطلب وقتا لتحقيقها كالبطاقة الممغنطة».
لكن تأخر الحكومة في البت بمصير الانتخابات الفرعية التي كان من المفترض أن تحصل في شهر سبتمبر (أيلول) الحالي، كما كان وزير الداخلية قد أعلن في وقت سابق، يفاقم المخاوف على مصير الانتخابات النيابية رغم كل التطمينات التي تحملها القوى السياسية لجماهيرها. وكان من المفترض أن تكون الانتخابات الفرعية في دائرتي كسروان وطرابلس حيث تشغر 3 مقاعد أبرزها مقعد رئيس الجمهورية ميشال عون كما مقعد النائب الراحل بدر ونوس ومقعد النائب المستقيل روبير فاضل، بمثابة «بروفا» للاستحقاق النيابي، وإن كانت ستجري وفقا للقانون الانتخابي الأكثري الذي جرت على أساسه آخر انتخابات نيابية في عام 2009 والمعروف بقانون «الستين».
ويعتبر عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب غسان مخيبر، أنّه من «المعيب» عدم تنظيم انتخابات فرعية بأسرع وقت ممكن، لافتا إلى أنها «مخالفة دستورية غير مبررة». وأشار مخيبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «وفي حال توفرت الإرادة السياسية فتحقيق هذا الأمر لا يزال ممكنا باعتبار أن النص القانوني يقول بوجوب ملء المقاعد الشاغرة قبل 6 أشهر من موعد الانتخابات العامة، وبالتالي نحن لا نزال ضمن المهل وإن كانت قد ضاقت». وقال: «أما ما يتعلق بالانتخابات النيابية فلا خوف من أن تنسفها الإصلاحات التي نتمسك ونطالب بها، ولكن إذا فشلنا في النهاية في الاتفاق عليها فلا يمكن القبول بأن تكون سببا لتطيير الاستحقاق النيابي».
ويشكل إنجاز البطاقات الممغنظة التي نص عليها القانون الانتخابي الجديد تحديا كبيرا لوزارة الداخلية، وقد تصاعد الخلاف بين القوى السياسية الممثلة داخل اللجنة الوزارية المكلفة التحضير لهذه الانتخابات حول التسجيل السابق للناخبين في حال أرادوا الاقتراع خارج مكان القيد، إذ تتمسك به كل من حركة أمل والقوات اللبنانية و«حزب الله» والحزب القومي الاجتماعي وتيار المردة، فيما يرفضه التيار الوطني الحر وتيار «المستقبل». حتى إن الأمور بلغت حد إعلان رئيس المجلس النيابي نبيه بري رفض إلغاء هذا المبدأ (أي تسجيل الأسماء سابقا)، «حتى لو طارت الانتخابات برمتها».
وفي هذا الإطار، شدد مخيبر على أن «البطاقة الممغنطة أداة لإجراء الانتخابات وليست الهدف، وبالتالي في حال لم نتمكن من السير بهذا الإصلاح فلا يعني ذلك القبول بتطيير الانتخابات»، مرجحا أن يتم تعيين هيئة للإشراف على الانتخابات قريبا بعد تقدم وزارة الداخلية إلى مجلس الوزراء قبل أسبوعين بعدد من الأسماء لاختيار أعضاء هذه الهيئة.
ولا يبدو الخبير الانتخابي ربيع الهبر متشائما بخصوص مصير الانتخابات النيابية، إذ يعتبر أنّه «طالما الفريق الأقوى في لبنان يريد هذه الانتخابات فلا شك أنها حاصلة في موعدها». وأشار الهبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «رغم أن نتائج هذه الانتخابات غير مضمونة لكثير من الأحزاب الكبيرة فإنني أتوقع حصول الانتخابات في وقتها». وأضاف: «أما البطاقة الممغنطة التي تهدف لربط مراكز الاقتراع ببعضها والسماح للناخبين بالاقتراع في مناطق سكنهم، فسيتم على الأرجح التخلي عنها لأنه لا قدرة لوزارة الداخلية على إنجازها، حتى إنها قد تعيق إجراء العملية الانتخابية كلها». أما بخصوص الانتخابات الفرعية، فيؤكد الهبر أن «احتمال حصولها إجرائيا وقانونيا لم يسقط، وإن كنا نشهد مماطلة وتسويف يوحيان بأن النية والإرادة لإجراء هذا الاستحقاق غير متوفرة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.