سيرة حياة مائة متطرف في أفريقيا والشرق الأوسط

تم اختيارهم على أساس الأهمية في الحركة وكم المعلومات المتاحة

TT

سيرة حياة مائة متطرف في أفريقيا والشرق الأوسط

مائة متطرف من رموز التطرف في العالم ألقت الضوء على حياتهم وأفكارهم العقائدية والسياسية دراسة مهمة ومستفيضة صدرت حديثا عن وحدة الدراسات المستقبلية بمكتبة الإسكندرية ضمن العدد التاسع والثلاثين من سلسلة «مراصد»، بعنوان «علامات في طريق القتال: ما تفصح عنه حياة مائة متطرف عن حركة عالمية».
الدراسة نتاج جهد مشترك من تأليف كل من: مبارز أحمد وميلو كمرفورد وإيمان البدوي. وقد صدر النص الأصلي عن «مركز الدين والجغرافيا السياسية» بالمملكة المتحدة، وترجمته للعربية شريهان سعد، وقامت بمراجعة الترجمة خلود سعيد.
يعتمد هذا البحث على السير الذاتية لمائة متطرف بارز من جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد جُمعت المعلومات عن كل متطرف من المصادر المفتوحة. واستخدم مركز الدين والجغرافيا السياسية مجموعة واسعة من المصادر على شبكة الإنترنت وخارجها باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية لجمع بيان شامل عن رحلة كل فرد للتطرف العنيف. وقد حلل الباحثون المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والخلفيات التعليمية والسفريات الدولية وعوامل أخرى من أجل بناء صورة لحياة الفرد قبل وبعد الانخراط في الأعمال الإرهابية، ثم قاموا بترميز السير الذاتية وفقاً للموضوعات أو الصفات المكررة عبر العينة، مما سمح لهم بتحديد كمية البيانات وإجراء تحاليل أكثر تفصيلاً.
اقتصر اختيار العينة على من هم من الشرق الأوسط وأفريقيا باستثناء ثلاثة: أنور العولقي وعمر الشيشاني وعبد الرحمن ياسين، حيث تم إدراجهم لأنهم قد صنعوا لأنفسهم سيرة مهنية بارزة ضمن جماعات يقتصر عملها على الشرق الأوسط. إلى جانب هؤلاء الثلاثة، تم تمثيل المتطرفين من الشرق الأوسط وأفريقيا فهناك 54 أفريقيا و46 شرق أوسطي في العينة.
واختار الباحثون الأشخاص الذين انخرطوا في «الجهاد» في مرحلة ما، حيث تنتمي أغلب العينة إلى «حركة السلفية الجهادية» بمعناها الواسع. وكان لكل فرد في العينة منصب بارز في جماعة متطرفة تعمل بالشرق الأوسط أو أفريقيا إما كصانع آيديولوجيات أو تنفيذي بكفاءة عالية. ويمكن أن يشمل ذلك أيضاً من يقدمون الدعم اللوجيستي في الجماعة ومن يعملون في ساحة القتال بمركز قيادي أو بالصفوف الأولى.
وتوضح الدراسة أن اختيار العينة لم يكن عشوائياً، حيث تم التركيز على الأعضاء البارزين فقط، وبالأخص الهيكل القيادي للجماعات بالحركة. وتم اختيار المائة متطرف في العينة على أساس الأهمية في الحركة وكم المعلومات المتاحة عن كل فرد، مع ضمان التوزيع الجغرافي القوي عبر الشرق الأوسط وأفريقيا. وما يجعل دراسة المتطرفين البارزين أمرا ضروريا هو التأثير الذي قد تضيفه لتطور الحركة، حيث إن الآيديولوجية المتطرفة غير ثابتة وتتطور مع الوقت بتغير الأوضاع وبتغير القيادة.
وتلفت الدراسة إلى أن البحث في المتطرفين البارزين يؤدي فقط إلى نتائج مختلفة تماماً عن دراسة المركز والملف الخاص بالحركة، حيث يجب افتراض أن بينهم صفات وخصائص مشتركة تميزهم عن غيرهم من القواعد الشعبية. قد تكون من بين هذه الصفات كونهم من قدامى المقاتلين أو كثرة أسفارهم أو شبكات أعمالهم الواسعة، أو أنهم الأفضل تعليماً سواء في المجالات التقنية أو الدراسات الدينية، وربما أنهم يظهرون أنفسهم بشكل أكثر تقوى أو لأن لديهم مهارات تجعل منهم إضافة قيمة لوضع استراتيجيات الجماعة. وتعد كل هذه الاعتبارات مهمة لمحاولة فهم ما يجعل الشخص معرضاً للتجنيد وكيف نعرقل نمو الحركة.
وقد استخدم مركز الدين والجغرافيا السياسية مواد من مصادر مفتوحة باللغات الإنجليزية والعربية والفرنسية، وتنوعت بين الرثاء الذي تنشره الجماعة والسير الذاتية المنشورة والأبحاث الأكاديمية والمواد الصحافية. وتم البحث في كل هذه المصادر عن معلومات ذات صلة وفقاً لفئات محددة؛ ومنها: الاسم الحقيقي والاسم الحركي، التواريخ المهمة بحياة المتطرف، محل الميلاد ويشمل البلدة أو المدينة أو القرية، الجماعات أو الشبكات المتطرفة التي انضم إليها، المناصب التي تولاها في جميع الشبكات والجماعات، آخر جماعة أو منصب، الخلفية العائلية وتشمل أي معلومات عن الوالدين والوضع الاقتصادي والاجتماعي، التعليم، التنشئة الدينية وتشمل أي معلومات ذات صلة بمستوى المعرفة الدينية، المؤثرات البارزة بفترة الطفولة والمراهقة وقد تشمل الأحداث المهمة في حياته والأشخاص المؤثرين والأدب الذي تأثر به، السفريات الدولية وتشمل أيضاً المعلومات عن وجهات معينة ورصد أي معلومة عن أشخاص من الممكن أن يكون قابلهم خلال السفريات، أو من المعارف المشهورين أو الحلفاء المعروفين، السجل الإجرامي قبل وبعد الانخراط بالجهاد، مسارح العمليات والصراعات التي شارك فيها مباشرة، الأحداث المهمة في حياته مثل وفاة أحد أفراد الأسرة أو بداية الحرب الأهلية في الوطن، والتصريحات المهمة، بما في ذلك الفتاوى ذات الصلة.
ويوضح الباحثون أنهم صادفوا فجوات في المعلومات المتاحة، وذلك نظراً لطبيعة المصادر المفتوحة، إلا أن اختيار المتطرفين البارزين ساعد على الحد من هذا العائق لوجود كم أكبر من المعلومات عن البارزين على المشاع. ووضع الباحثون في اعتبارهم عامل الذاتية في جمع المعلومات خصوصا في بعض الفئات. فعلى سبيل المثال، اتضح خلال عملية جمع المعلومات أن فئة «التنشئة الدينية» تعتمد بشدة على تقارير غير موضوعية، ولذلك لم يتم إدراج المعلومات التي تم جمعها في هذه الفئة في التحليل النهائي. كما ظهرت بعض المشكلات عند جمع المعلومات عن الروابط الإسلاموية. فعند استخدام المصادر الثانوية، لا يعد عدم وجود المعلومات تأكيداً على اتجاه معين. فمن الممكن على سبيل المثال أن يكون هناك لعدد أكبر بكثير من العينة روابط إسلاموية ولكن نتيجة ندرة المعلومات عن الجماعات الإسلامية أظهرت النتائج تقديراً ضعيفاً. ورغم ذلك، لم يتم تسجيل الروابط الإسلامية في السيرة الذاتية لأي فرد إلا إذا عثر الباحثون على إشارة في المصدر لعلاقة مباشرة بين الشخص وجماعة إسلامية أو عضو بجماعة إسلامية. وفي بعض الحالات، أظهر البحث تقارير متضاربة عن تفاصيل بعض الأفراد، وتمت الإشارة إلى كل حالة بها تعارض بين مصادر المعلومات، وتقييم صحة المصادر المتضاربة. وكذلك تحديد التحيزات المتوقعة وتفضيل المصادر الأكاديمية على الأدب الرمادي والرثاء.
وأشارت الدراسة إلى أنه لقياس النتائج، تم ترميز السير الذاتية للمائة متطرف يدوياً باستخدام برنامج Nvivo لتحليل البيانات النوعية. كما تمت الإشارة إلى الاتجاهات والموضوعات المكررة لما يمكن أن تحمله من أهمية. وتتبع الباحثون هذه المرحلة الأولى من التحليل بأخرى أدق، واضعين في الاعتبار الاتجاهات الأكثر شيوعاً بين المتطرفين قيد الدراسة. وأخيراً قيّم الباحثون أهمية النتائج والاستنتاجات السياقية وفقا للدولة والمنطقة.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»
TT

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة أو أن تُحسب دراسته، على الرغم من التفصيل والإسهاب في مادة البحث، أحدَ الإسهامات في حقل النسوية والجندر، قدر ما يكشف فيها عن الآليات الآيديولوجية العامة المتحكمة في العالمَين القديم والجديد على حد سواء، أو كما تابع المؤلف عبر أبحاثه السابقة خلال أطروحته النظرية «العالم... الحيز الدائري» الذي يشتمل على أعراف وتقاليد وحقائق متواصلة منذ عصور قديمة وحديثة مشتركة ومتداخلة، وتأتي في عداد اليقين؛ لكنها لا تعدو في النهاية أوهاماً متنقلة من حقبة إلى أخرى، وقابلة للنبذ والنقض والتجدد ضمن حَيِّزَيها التاريخي والاجتماعي، من مرحلة الصيد إلى مرحلة الرعي، ومنهما إلى العصرَين الزراعي والصناعي؛ من الكهف إلى البيت، ومن القبيلة إلى الدولة، ومن الوحشية إلى البربرية، ومنهما إلى المجهول وغبار التاريخ.

ويشترك الكتاب، الصادر حديثاً عن دار «الياسمين» بالقاهرة، مع أصداء ما تطرحه الدراسات الحديثة في بناء السلام وحقوق الإنسان والعلوم الإنسانية المتجاورة التي تنشد قطيعة معرفية مع ثقافة العصور الحداثية السابقة، وتنشئ تصوراتها الجديدة في المعرفة.

لم يكن اختيار الباحث فالح مهدي إحدى الظواهر الإنسانية، وهي «المرأة»، ورصد أدوارها في وادي الرافدين ومصر وأفريقيا في العالمَين القديم والجديد، سوى تعبير عن استكمال وتعزيز أطروحته النظرية لما يمكن أن يسمَى «التنافذ الحقوقي والسياسي والقانوني والسكاني بين العصور»، وتتبع المعطيات العامة في تأسس النظم العائلية الأبوية، والأُمّوية أو الذرية، وما ينجم عن فضائها التاريخي من قرارات حاكمة لها طابع تواصلي بين السابق واللاحق من طرائق الأحياز المكانية والزمانية والإنسانية.

إن هذه الآليات تعمل، في ما يدرسه الكتاب، بوصفها موجِّهاً في مسيرة بشرية نحو المجهول، ومبتغى الباحث هو الكشف عن هذا المجهول عبر ما سماه «بين غبار التاريخ وصورة الحاضر المتقدم».

كان الباحث فالح مهدي معنياً بالدرجة الأساسية، عبر تناول مسهب لـ«المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ، بأن يؤكد أن كل ما ابتكره العالم من قيم وأعراف هو من صنع هيمنة واستقطاب الآليات الآيديولوجية، وما يعنيه بشكل مباشر أن نفهم ونفسر طبيعةَ وتَشكُّلَ هذه الآيديولوجيا تاريخياً ودورها التحويلي في جميع الظواهر؛ لأنها تعيد باستمرار بناء الحيز الدائري (مفهوم الباحث كما قلت في المقدمة) ومركزة السلطة وربطها بالأرباب لتتخذ طابعاً عمودياً، ويغدو معها العالم القديم مشتركاً ومتوافقاً مع الجديد.

إن مهدي يحاول أن يستقرئ صور «غبار التاريخ» كما يراها في مرحلتَي الصيد والرعي القديمتين، ويحللها تبعاً لمسارها في العهد الحداثي الزراعي الذي أنتج النظم العائلية، وبدورها أسفرت عن استقرار الدول والإمبراطوريات والعالم الجديد.

يرصد الكتاب عبر تناول مسهب «المرأة» وعلاقات القوى المؤثرة في وجودها الإنساني عبر مسار التاريخ في ظل استقطاب آيديولوجيات زائفة أثرت عليها بأشكال شتى

ويخلص إلى أن العصر الزراعي هو جوهر الوجود الإنساني، وأن «كل المعطيات العظيمة التي رسمت مسيرة الإنسان، من دين وفلسفة وعلوم وآداب وثقافة، كانت من نتاج هذا العصر»، ولكن هذا الجوهر الوجودي نفسه قد تضافر مع المرحلة السابقة في عملية بناء النظم العائلية، وأدى إليها بواسطة البيئة وعوامل الجغرافيا، بمعنى أن ما اضطلع به الإنسان من سعي نحو ارتقائه في مرحلتَي الصيد والرعي، آتى أكله في مرحلة الزراعة اللاحقة، ومن ثم ما استُنْبِتَ في الحيز الزراعي نضج في الحيز الصناعي بمسار جديد نحو حيز آخر.

ومن الحتم أن تضطلع المعطيات العظيمة التي أشار إليها المؤلف؛ من دين وفلسفة وعلوم وآداب زراعية؛ أي التي أنتجها العالم الزراعي، بدورها الآخر نحو المجهول وتكشف عن غبارها التاريخي في العصرَين الصناعي والإلكتروني.

إن «غبار التاريخ» يبحث عن جلاء «الحيز الدائري» في تقفي البؤس الأنثوي عبر العصور، سواء أكان، في بداية القرن العشرين، عن طريق سلوك المرأة العادية المسنّة التي قالت إنه «لا أحد يندم على إعطاء وتزويج المرأة بكلب»، أم كان لدى الباحثة المتعلمة التي تصدر كتاباً باللغة الإنجليزية وتؤكد فيه على نحو علمي، كما تعتقد، أن ختان الإناث «تأكيد على هويتهن».

وفي السياق نفسه، تتراسل دلالياً العلوم والفلسفات والكهنوت والقوانين في قاسم عضوي مشترك واحد للنظر في الظواهر الإنسانية؛ لأنها من آليات إنتاج العصر الزراعي؛ إذ تغدو الفرويدية جزءاً من المركزية الأبوية، والديكارتية غير منفصلة عن إقصاء الجسد عن الفكر، كما في الكهنوت والأرسطية في مدار التسلط والطغيان... وهي الغبار والرماد اللذان ينجليان بوصفهما صوراً مشتركة بين نظام العبودية والاسترقاق القديم، وتجدده على نحو «تَسْلِيع الإنسان» في العالم الرأسمالي الحديث.

إن مسار البؤس التاريخي للمرأة هو نتيجة مترتبة، وفقاً لهذا التواصل، على ما دقّ من الرماد التاريخي بين الثقافة والطبيعة، والمكتسب والمتوارث... حتى كان ما تؤكده الفلسفة في سياق التواصل مع العصر الزراعي، وتنفيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا في كشف صورة الغبار في غمار نهاية العصر الصناعي.