issue17200

7 تحقيق FEATURES Issue 17200 - العدد Wednesday - 2025/12/31 الأربعاء رجال الأمن التابعون للحكومة لا يتجولون في الشارع إلا بطلب مباشر من «مجموعات الأحياء» > المسيحيون في سوريا ممثلون بوزارة واحدة للشؤون الاجتماعية مثلما منح الدروز وزارة الزراعة فقط > الجهد الكبير المبذول في «طمأنة» القلقين يتجاوز دمشق وأحياءها إلى حلب وما بينهما من بلدات مسيحية بدأت تشهد عودة أهاليها ASHARQ AL-AWSAT شجرة ميلاد وزينة في أحد فنادق باب توما في دمشق (الشرق الأوسط) طفل يغفو في قداس ليلة عيد الميلاد بكنيسة مار يعقوب النصيبي بالقامشلي (رويترز) عائلة سورية تلتقط صورة تذكارية أمام شجرة الميلاد في دمشق (أ.ف.ب) تــطــويــقــهــا، بـــالإضـــافـــة إلــى تـــــوزيـــــع مـــجـــمـــوعـــات أكـــثـــر بــن الــبــيــوت وعــنــد مـداخـل الأحـــيـــاء الـصـغـيـرة وبــدأنــا شابا ً». 90 أو 80 بنحو وبـــالـــفـــعـــل، لــــدى زيــــــارة الــدويــلــعــة كـــــانـــــت كـــنـــيـــســـة مـــــــار إلــــــيــــــاس مــغــلــقــة للعامة ويمكن الدخول إليها عبر باب خـلـفـي ضــيــق يــعــرفــه مـــرتـــادوهـــا ومــن يعرِّفون عـن نفسهم عبر شخص ثقة. وكـــــان هــــذا حــــال غـالـبـيـة دور الــعــبــادة المـسـيـحـيـة الـــتـــي مـــررنـــا بـــهـــا، كــمــا بــدا الشبان المتجمعون عند النواصي أكثر مـن مجرد «متسكعين» فـي يـوم جمعة مشمس. وحــســب الـــشـــاب الــــذي يـــــزاوج بين وظيفة حكومية نهارا ومهمة الحراسة مــــســــاءً، فــــإن هـــــؤلاء «الأمـــنـــيـــن» كلهم مــتــطــوعــون بـــالـــكـــامـــل، يـــســـهـــرون على أهلهم وأرزاقــهــم مـن دون مقابل مـادي وكل بحسب قدرته وظروفه، «يشاركهم أحيانا بعض أصدقائهم أو جيرانهم المسلمون». تعاون مع المخفر وأمــــا عـــن رجــــال الأمــــن الـفـعـلـيـن، التابعين للحكومة الـسـوريـة، فهؤلاء يـــبـــقـــون فــــي المـــخـــفـــر وفـــــي فـــــرع الأمــــن الــــجــــنــــائــــي عــــنــــد مــــدخــــل المــــنــــطــــقــــة، لا يتجولون في الشارع إلا بطلب مباشر مـــن «مــجــمــوعــات الأحــــيــــاء». فــــإذا وقـع حادث أو مشادة تتطلب تدخلهم، يتم اســـتـــدعـــاؤهـــم؛ لـــكـــون المــتــطــوعــن غير مـسـلـحـن إلا بـبـعـض الــقــطــع الــفــرديــة «وهي قليلة جدا ومرخصة ويحملها أصحابها بمعرفة المخفر». ويــــوضــــح مـــحـــدثـــي أن أحـــــــدا مـن حـمـلـة الـــســـاح الـــفـــردي لا يستخدمه فـي مـنـاوبـات الـحـراسـة المشتركة لئلا يتحمل مسؤولية فردية عن أي حادث عــام فتنزلق الأمـــور إلــى تصعيد غير مضبوط «خـصـوصـا أن شـبـاب الأمـن لا يـــتـــأخـــرون فـــي الاســـتـــجـــابـــة عـنـدمـا نطلبهم». ويــــتــــابــــع: «الـــــوضـــــع مــــربــــك جــــداً. فـــمـــا عـــدنـــا نــعــلــم كـــيـــف نــمــيــز الـخـطـر الـــحـــقـــيـــقـــي... وفــــي الـــحـــادثـــة الأخـــيـــرة وصــــل الأمـــــن وســـاعـــدنـــا مــنــذ الـلـحـظـة الأولــــى، لكن حـالـة هلع عـامـة أصابت الــــــنــــــاس. مـــــــــاذا نـــفـــعـــل مــــــع الـــــخـــــوف؟ مشكلتنا ليست أبدا مع الدولة، فنحن نـريـد دولــــة، ولا مــع رجـــال الأمــــن، فقد وقـــــفـــــوا مـــعـــنـــا. مــشــكــلــتــنــا فـــــي غـــيـــاب الأمن». «تفاهمات» جرمانا ذلــــــك الـــــكـــــام بـــحـــرفـــيـــتـــه تـسـمـعـه فــي جــرمــانــا الــتــي نــالــت حصتها من «صفعة اليقظة» مـع مشاكل المناطق الــــدرزيــــة بـــــدءا بــمــواجــهــات صـحـنـايـا نــهــايــة أبـــريـــل (نـــيـــســـان) المــــاضــــي، ثم أحـــــــداث الــــســــويــــداء، لـــكـــن ســـريـــعـــا مـا نـأت جرمانا بنفسها عبر «تفاهمات مــحــلــيــة»، أبــــرزهــــا مـــشـــاركـــة الــشــبــاب الدروز في دوريات الأمن العام ونقاط الحراسة والعمل معهم بواقع شاب أو اثنين لكل مجموعة أمنية من خمسة عناصر. وإذ لا يــــرتــــدي شـــبـــان الـــحـــراســـة الأهلية في جرمانا اللباس العسكري، غير أنـهـم يلتزمون بـشـيء مـن الملمح الــــعــــســــكــــري كــــالــــبــــنــــطــــال والـــقـــمـــيـــص الأســــــوديــــــن تـــحـــت ســــتــــرة كـــاكـــيـــة أو كـحـلـيـة، ويــشــكّــلــون بــذلــك «مـفـاتـيـح» الأحـــــيـــــاء ووجـــــهـــــا مــــألــــوفــــا لـــأهـــالـــي ورجــــال الأمـــن مـعـا فيضبطون إيـقـاع الطرفين معاً. وبخلاف الدويلعة، تعد جرمانا تــقــلــيــديــا مـــديـــنـــة لـلـطـبـقـة المــتــوســطــة وأصـــــحـــــاب المـــهـــن الــــحــــرة فــــي دمــشــق وهي شهدت بدورها توسعا كبيرا في العقد الأخــيــر، جعلها أكـثـر اكتظاظا وزحمة وعشوائية. لكن الركيزة فيها حـسـب أحـــد شـبـانـهـا، وهـــو رجـــل ديـن درزي، أن «التعايش الأهلي هنا فطري وسابق على الأوضاع الحالية»، لافتا إلــــــى أن دروز جــــرمــــانــــا هــــم «ســـكـــان أصليون يقيمون فيها منذ ما يقارب ألـــــف عـــــــام، ولا يــــتــــحــــدرون مــــن حـلـب وشمال البلاد». وبـــــالـــــتـــــالـــــي، فــــــــإن «الإشـــــــكـــــــالات الأمنية» التي برزت في العام الماضي، هـــــي مــــــرة أخـــــــرى «أمـــــــــور طــبــيــعــيــة»، ألـــفـــهـــا دروز جـــرمـــانـــا عـــبـــر الــعــصــور وباختلاف أنظمة الحكم فـي دمشق. وهنا، في هذه البقعة من الفسيفساء الـــســـوريـــة، يــشــكــل الـــتـــرابـــط الــســنــي - الـــــــدرزي الـــتـــاريـــخـــي، صــمــغ الـــروابـــط الاجتماعية وركيزة الأمـن السياسي. لـــذا؛ حــن فـــاوض أبــنــاء جـرمـانـا على إبـــقـــاء ســـاحـــهـــم، وهــــم بــعــكــس أبــنــاء الدويلعة، مسلحون ولا يخفون ذلك، فقد نجحوا فـي التوصل إلـى «حلول وسطية مُرضية للجميع» بالمشاركة الـــفـــاعـــلـــة فـــــي حـــفـــظ أمــــــن مـنـطـقـتـهـم والبقاء ضمن حدودها. وعـــــن ذلـــــك الـــخـــيـــط الـــرفـــيـــع الــــذي يـفـصـل بـــن مـطـلـب الــســكــان بــ«ضـبـط الأمـــــن» مـــن جــهــة، ونــدائــهــم الـصـامـت بـ«الحفاظ على خصوصية المنطقة» مــــن جـــهـــة ثـــانـــيـــة فــــي مـــعـــادلـــة صـعـبـة تـشـوبـهـا جــيــرة قـابـلـة لـاشـتـعـال في أي لـــحـــظـــة، قـــــال الــــشــــاب الأمــــنــــي ابـــن الدويلعة: «فـي الـواقـع عـرضـوا علينا الانـتـسـاب للشرطة عـوضـا عـن العمل الـتـطـوعـي هـــذا، لـكـن الأهـــالـــي رفـضـوا لأن ذلك يعني خروج الشباب من الحي لتأدية خدمتهم، حيث يتم توزيعهم فــــي المـــنـــاطـــق الــــســــوريــــة كــــافــــة، كــذلــك يفترض بهم الالتزام بقرارات القيادة وهم يفضلون البقاء في الدويلعة». صور نمطية وإذا كـانـت جرمانا تعيش بشيء من الرخاء الاقتصادي، فإن الدويلعة، وبـــــاخـــــتـــــاف الانــــــتــــــمــــــاءات الـــطـــائـــفـــيـــة والمــــنــــاطــــقــــيــــة فــــيــــهــــا، يـــبـــقـــى الـــقـــاســـم المشترك الأبـرز بين سكانها هو الحالة الاقتصادية المتردية التي تشابه الفقر إن لـــم تــكــن الــفــقــر بـعـيـنـه. يـــقـــول شــاب مـن أبـنـاء الحي تهجَّر مـع والـدتـه «في مــطــلــع الأحــــــــداث» (الــــثــــورة ضـــد نـظـام بشار الأسد) من درعا ولم يكن يتجاوز الــــعــــاشــــرة مـــــن عـــــمـــــره: «هـــــنـــــاك نـــظـــرة للمسيحيين بأنهم بالضرورة مرفَّهون وأغـنـيـاء وهــم لا يـعـرفـون كيف يعيش الناس هنا. يعتقدون أننا جميعا من القصَّاع وباب توما». وعــــــمَّــــــا إذا كــــــــان يـــــعـــــرف هـــاتـــن المنطقتين الشهيرتين معرفة جيدة أو لــه أقــــارب فيهما مــثــاً، قـــال إنـــه يذهب أحــيــانــا مـــع أصــدقــائــه لـلـفـرجـة، ولكنه يعود قبل هبوط الليل. وهــنــاك فــي الــقــصَّــاع وبــــاب تـومـا، حيث البيوت الدمشقية التقليدية التي تـحـولـت فــنــادق ومـطـاعـم فــاخــرة، بـدت زينة الميلاد هـذا العام استثنائية بكل المــقــايــيــس، وطــغــت عـلـى المـشـهـد الـعـام لــلــعــاصــمــة الــــســــوريــــة؛ إذ امــــتــــدت إلـــى شـــوارع وأحــيــاء خـــارج حـــدود المناطق ذات الطابع المسيحي حصراً. بـــدت أحـــيـــاء دمــشــق الــراقــيــة كلها مــــــزدانــــــة بــــشــــجــــرات الــــعــــيــــد والــــزيــــنــــة الحديثة كما عمدت الفنادق والأسواق الـــتـــي امــتــنــعــت عــــن إبـــــــداء أي مـظـاهـر احتفالية العام الماضي، إلى استعراض كـــل مـــا لــديــهــا مـــن إضــــــاءة وتـصـامـيـم مــيــاديــة مـتـنـوعـة. فــي أكــثــر مــن فندق حـــمـــل حــــرفــــيــــون وفــــنــــانــــون مــحــلــيــون بــضــائــعــهــم ومـــصـــنـــوعـــاتـــهـــم الـــيـــدويـــة للمشاركة في «معارض الميلاد»، حيث عزفت فرق شبابية موسيقى غربية من وحي المناسبة. ولا يـــخـــفـــى أن شـــــجـــــرات الـــزيـــنـــة فــــــي الأمـــــــاكـــــــن الـــــعـــــامـــــة والــــفــــعــــالــــيــــات ومــــداخــــل الــــحــــارات مـحـمـيـة بـعـنـاصـر مـن الأمـــن الـعـام أو سـيـارات شـرطـة، أو بــــحــــراســــات أهـــلـــيـــة تــعــمــل بـالـتـنـسـيـق كـمـا هـــي الـــحـــال فـــي الــدويــلــعــة. كـذلـك، فـــإن الـــضـــوء الأخـــضـــر الــحــكــومــي، غير المعلن ولا المكتوب، بضرورة أن يحتفل المــســيــحــيــون بــأكــثــر صــخــب مــمــكــن، لا يخفى بـــدوره. فالجهد الكبير المبذول فـي «طـمـأنـة» القلقين، يـتـجـاوز دمشق وأحــيــاءهــا إلـــى حـلـب ومـــا بينهما من بـــلـــدات مـسـيـحـيـة بـــــدأت تــشــهــد عـــودة أهـــلـــهـــا تـــدريـــجـــيـــا ومـــعـــهـــم طــقــوســهــم الميلادية وصورهم وفيديوهاتهم التي انتشرت على «السوشيال ميديا». أقليات ضمن أقليات قد يوحي ذلك المشهد العام لبرهة بأن للمسيحيين في سوريا حصة أكبر مـن حجمهم الديمغرافي فـي قطاعات السياسة أو الاقتصاد أو الثقافة أو أي 2011 حيز عام، وهم كانوا حتى مطلع في المائة من السكان، حسب 10 يقاربون المعلن رسمياً. لكنهم عمليا وبمختلف 11 مذاهبهم ومشاربهم (وهم يقاربون طائفة) ممثلون بوزارة واحدة للشؤون الاجتماعية تحتل فيها الــوزيــرة هند قبوات مقعد المرأة ومقعد الطائفة معاً، مثلما منح الــــدروز وزيـــرا لـلـزراعـة هو ابن السويداء أمجد بدر. وفـــي وقـــت تـتـسـابـق فـيـه مـكـونـات المجتمع السوري من «الأقليات الأكبر» عـــلـــى نـــفـــض خــــطــــاب «الأمــــــــة الــعــربــيــة الــواحــدة، ذات الرسالة الـخـالـدة» الـذي كـــــان يـــرفـــعـــه حـــــزب «الــــبــــعــــث» شـــعـــاراً، وحــجــز مــواقــع فــي الـتـركـيـبـة الـجـديـدة تــعــكــس واقـــعـــهـــم عـــلـــى الأرض، يــبــدو الإحـجـام والترفع عـن المطالبة بحصة وازنـة من الدولة ومؤسساتها هو مآل «الأقــــلــــيــــات الأصـــــغـــــر». فــحــتــى وظـيـفـة الــشــرطــي فـــي حـــي فـقـيـر كـالـدويـلـعـة لا تبدو مغرية كفاية، وكـأن جُــل المطالب يتحقق في شجرة عيد وبعض الزينة المــــوســــمــــيــــة ومـــــشـــــاركـــــة ضــــمــــن حـــــدود الــحــارة، وهــم إذ ذاك يرسخون كونهم استثناء نادرا و«أقلية نموذجية».

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky