issue17200

6 تحقيق FEATURES Issue 17200 - العدد Wednesday - 2025/12/31 الأربعاء الإحالة إلى الطبيعة محط كلام شائع بين الناس لتفسير أحوالهم... إنها تبديد للسؤال قبل البحث عن إجابة ASHARQ AL-AWSAT مسيحيو سوريا... حراسة ذاتية وأعياد صاخبة لكسر «الخوف الطبيعي» إنها صبيحة يـوم جمعة وكنيسة مار إلياس في حي الدويلعة الدمشقي تـــــدق أجـــراســـهـــا إيــــذانــــا بـــبـــدء الـــقـــداس الأسبوعي. هنا تُرفع صلوات وترانيم يـومـيـة، بينما يــقــام قــــداس الأحــــد أيــام الــجــمــعــة أيـــضـــا لـــيـــتـــزامـــن مــــع الـعـطـلـة الأســـــبـــــوعـــــيـــــة فــــــي الـــــــبـــــــاد، ويــــنــــاســــب «المــوظــفــن ومـــن يـرتـبـطـون بــــدوام عمل أو دراسة»، والأمر على هذا المنوال منذ أيام النظام السابق. هي الكنيسة نفسها التي تعرَّضت أشــهــر لتفجير انــتــحــاري أودى 6 قـبـل شـخـصـا، ولا تـــزال صـورهـم 25 بـحـيـاة مـرفـوعـة فــي الـسـاحـة الـعـامـة للمنطقة عـلـى شـكـل لافـتـة كـبـيـرة وأخــــرى كزينة عـــلـــى شـــكـــل شــــجــــرة مـــــيـــــاد، فـــــي حـن القداديس والمناسبات الدينية ولقاءات الــفــرق الـكـشـفـيـة تــجــري كـلـهـا فــي قاعة سفلية يُفترَض أنها مؤقتة. على بعد أيام قليلة من عيد الميلاد لـدى الطوائف المسيحية الغربية، كان المبنى الرئيسي للكنيسة لا يـــزال قيد الترميم. وكان أهالي الحي، والعائلات المكلومة تحديداً، يأملون في أن تنتهي الأعـمـال بوتيرة أســرع علّهم ينجحون فـي إحـيـاء صــاة العيد فـي كنيستهم. لكن ذلك لم يحدث. كـثـر الـحـديـث والــتــرويــج لتبرعات من رجال أعمال مسلمين أطلقت عملية الـتـرمـيـم مــن دون إمـكـانـيـة الـتـثـبـت من ذلك، حتى من الكنيسة نفسها. فــــي الـــنـــهـــار كـــــان فـــتـــيـــان وفـــتـــيـــات الكشافة كما القساوسة والشبان الأكبر ســـنـــا يـــتـــراكـــضـــون فــــي الأحـــــيـــــاء وبـــن الأزقـــة للمشاركة والإشــــراف على سير الأعــــمــــال، مـــن نــصــب مـنـصـة وتـنـظـيـف أرصـــفـــة وتـــأمـــن مــقــاعــد كــافــيــة لـحـدث اســـتـــثـــنـــائـــي. إضـــــــــاءة شــــجــــرة المـــيـــاد الـكـبـيـرة واحـتـفـالـيـة اجـتـمـاعـيـة دينية تــعــلــن بـــــدء مـــوســـم الأعـــــيـــــاد. لـــكـــن ذلـــك أيضاً، لم يحدث. فما إن بـدأ الـنـاس فـي التوافد إلى المـكـان مـع سـاعـات المـسـاء الأولـــى، حتى سرت شائعة بأن «داعشياً» يتجوّل بين الــجــمــوع. أثــــار الأمــــر بلبلة واسـتـنـفـارا أمـنـيـا وتــدافــعــا كـبـيـرا نـتـج مـنـه حالتا إغماء لسيدتين ومزيد من الفوضى مع وصـــول المسعفين، انتهت كلها بإلغاء الفعالية وتأجيلها لوقت آخر بلا كثير جمهرة وصخب. تـــضـــاربـــت الــــــروايــــــات عــــمّــــا حـــدث تـمـامـا فــي تـلـك الـلـحـظـة، وبـــدا أن أحــدا مــن أهـــل المـنـطـقـة لا يــريــد الــخــوض في التفاصيل. فحتى أحد أهالي الضحايا الــــذي كـــان وافــــق مــوافــقــة مـبـدئـيـة على الـــتـــحـــدث إلـــيـــنـــا، عــــاد واعــــتــــذر تــفــاديــا لـ«تقليب المواجع». شــاع الخبر واختفى سريعا كأنه لم يحدث. «مخاوف طبيعية» نفى صاحب صيدلية في الدويلعة أن يـــكـــون الــــحــــادث مـتـعـلـقـا بـــــأي عـمـل إرهــابــي وإنـمـا رد المـسـألـة برمتها إلى «مخاوف طبيعية». قال الرجل مفضلا عــدم ذكــر اسـمـه إن «كــل مـا فـي الأمـــر أن شـابـا عـلـى موتوسيكل يحمل عـلـم (لا إلــه إلا الـلـه) الأبــيــض، وهــو شـائـع جدا هـــذه الأيـــــام، مـــر لـلـفـرجـة بينما الـنـاس يـــتـــوافـــدون إلـــى الــحــفــل». وتـــابـــع قـولـه: «يبدو أن أحـد شباب الحراسة المحلية لـحـق بــه فـهـرب مـسـرعـا؛ مــا أثـــار الـذعـر والفوضى والـتـدافـع». وقلل الـرجـل من تـلـك الـبـلـبـلـة كـونـهـا «أمــــرا طبيعيا في هذه الظروف». وإذ تـــبـــدو الإحــــالــــة إلــــى الـطـبـيـعـة مــــحــــط كـــــــام شــــائــــع بـــــن الـــــنـــــاس هــنــا لتفسير أحوالهم، فإنها تبقى كالسهل الممتنع حيال أي محاولة للاستفاضة أو الــــشــــرح. إنـــهـــا تــبــديــد لـــلـــســـؤال قبل الخوض في البحث عن إجابة. وأمـــا الــخــوف «الـطـبـيـعـي» بـــدوره، فقد أرجـعـه الـصـيـدلانـي إلــى صـدمـة لم تكمل عامها الأول بعد، ولا تزال تحفر فــي الـنـفـوس و«أفـــقـــدت الــنــاس الشعور بالأمان»، بعدما وقع ما لم يخطر ببال. عـن لحظة تفجير الكنيسة فـي يونيو ، قــال: «كــان جــاري هنا 2024 ) (حـزيـران في الصيدلية وسمعنا الصوت. تهافت الناس وبـدأوا يصرخون: انتحاري في الـكـنـيـسـة. انـــتـــحـــاري فـــي الـكـنـيـسـة. لم نـصـدّق وأكملنا حديثنا معتقدين أنه مجرد كذب وتهويل». وأضـــــــاف بـــعـــد بـــرهـــة صـــمـــت كـمـن يـعـاتـب نـفـسـه: «كـيـف نــصــدق؟ بعمري هيك شيء ما صار!». وعندما هرعت سـيـارات الإسعاف وهــــب الـجـمـيـع لـلـمـسـاعـدة وجــــاء رجـل بابنته إلى الصيدلية لتطبيب جرحها والـــــدمـــــاء تــســيــل مــــن جــبــيــنــهــا، حــدثــت فجأة لحظة يقظة. إنـــــــه انـــــتـــــحـــــاري فــــجَّــــر نـــفـــســـه بــن المصلين. لقد حدث ذلك بالفعل. وحــــي الــدويــلــعــة الــــذي شــــاع ذكـــره بـــعـــد تـــلـــك الــــحــــادثــــة يـــقـــع فـــــي جـــنـــوب شــرقــي دمـــشـــق. وهـــو مـخـتـلـط سكانيا بــن مسلمين سـنـة وغـالـبـيـة مسيحية مــتــنــوعــة مــذهــبــيــا تــتــقــاســم كـنـائـسـهـا المختلفة الــشــوارع الرئيسية للمنطقة الـــتـــي تــشــبــه قـــريـــة صـــغـــيـــرة، فــــي حـن الأبنية في الأحـيـاء الداخلية أقـرب إلى العشوائيات. وقـد شهدت منطقة الدويلعة دفقا سـكـانـيـا كــبــيــرا جـعـلـهـا مـكـتـظـة بشكل أكـبـر بعد تـوافـد مهجَّرين مـن المناطق الــســوريــة الأخــــرى الـتـي شـهـدت أعـمـالا عــســكــريــة وحـــربـــيـــة، بـيـنـمـا بــقــيــت هي بمنأى عـن أي «حــــوادث أمـنـيـة»، وذلـك على عكس أحـيـاء تكاد تكون ملاصقة لــهــا مــثــل جـــوبـــر والــتــضــامــن المــدمَّــريــن تدميرا كاملاً. حراسة أهلية وأمن ذاتي والـــيـــوم، تـحـمـي الـدويـلـعـة نفسها بـنـظـام «حـــراســـة أهــلــيــة»، يــتــنــاوب من خـــالـــه شـــبـــان مـــن أبـــنـــاء المــنــطــقــة على حــفــظ الأمـــــن ومـــراقـــبـــة دخـــــول وخــــروج «الـــغـــربـــاء». وقــــد شــــاع هــــذا الــنــمــط في أكــــثــــر مــــن مــنــطــقــة أو مـــديـــنـــة، ومــنــهــا جرمانا المختلطة طائفيا بين مسلمين ومـسـيـحـيـن وأقــلــيــات أخــــرى وغـالـبـيـة درزيــة طاغية، ويفصلها عن الدويلعة الجسر المتحلق الجنوبي. مــــــــســــــــؤول «قــــــــطــــــــاع أمــــــــنــــــــي» فـــي الــــــدويــــــلــــــعــــــة، شـــــــــرح لـــــنـــــا تـــقـــســـيـــمـــات الـعـمـل المـيـدانـي و«الـــتـــدرج فــي التشدد الأمـــنـــي»، فـــقـــال: «مــبــاشــرة بـعـد لحظة السقوط استنفرنا كشباب حي لحفظ الممتلكات من السرقة والنهب. توزعنا فــي الـــشـــوارع وتــحــت مـنـازلـنـا بطريقة عــفــويــة فـــي الـــبـــدايـــة، ثـــم أخـــذنـــا نــــوزّع الورديات والأدوار بيننا. ولم يأت أحد نحونا. أعتقد أننا كنا منسيين أصلاً... واستمرت بنا الحال هكذا حتى تفجير (كنيسة) مار إلياس». وكـــــمـــــا شـــــكَّـــــل الــــعــــمــــل الإرهــــــابــــــي لـحـظـة يـقـظـة لــصــاحــب صــيــدلــيــة، فقد كــــان صـفـعـة أيــقــظــت أحـــيـــاء كــامــلــة من «المـنـسـيـن» وكـــأن مقولة «الــنــاس نيام إذا مــاتــوا انـتـبـهـوا» وجــــدت ترجمتها الحرفية هنا. ويـــوضـــح الـــشـــاب كيف تـغـيـر الـــوضـــع كــلــيــا، فــقــال: «تـــــطـــــوعـــــنـــــا بــــشــــكــــل أكــــبــــر لحماية الـكـنـائـس أولا فتم رجال أمن سوريون يحرسون موكب الكشافة المسيحية في دمشق القديمة (أ.ف.ب) بـدت زينة الميلاد هـذه السنة في سوريا استثنائية بكل المقاييس، وطغت على المشهد الـعـام للعاصمة وامـتـدت إلى شــوارع وأحـيـاء خــارج حــدود المناطق ذات الطابع المسيحي. بـــدت أحـــيـــاء دمــشــق الــراقــيــة كـلـهـا مـــزدانـــة بــشــجــرات العيد والزينة الحديثة كما عمدت الفنادق والأســواق التي امتنعت عن إبـداء أي مظاهر احتفالية العام الماضي، إلى استعراض كـل مـا لديها مـن إضـــاءة وتصاميم مـيـاديـة متنوعة. لكن ذلك جرى بإجراءات أمنية صارمة وواضحة، حيث لم يفارق عناصر الأمن شجرات الزينة في الساحات العامة والفعاليات وانـتـشـرت الـشـرطـة عند مـداخـل الـــحـــارات، مما يكشف عن إصـــرار حكومي واضــح على أن يحتفل المسيحيون بأكثر صـخـب مـمـكـن، إبـــــرازا لـلـجـهـد الـكـبـيـر المـــبـــذول فـــي «طـمـأنـة القلقين». لكن أهالي المناطق المسيحية لم يُخفوا «خوفا طبيعياً» أشهر تعرضت كنيسة «مـار 6 يرافقهم، لا سيما أنـه قبل إلياس» في الدويلعة لتفجير انتحاري لم يُشف السكان منه بعد، فعمدوا إلى تشديد الحراسات الأهلية كما فعل سكان جرمانا ذات الغالبية الدرزية وتوصلوا إلى «تفاهمات خاصة» مع السلطة بعد أحداثهم الأخيرة. «الشرق الأوسط» جالت على المنطقتين قبيل عيد الميلاد ورصـدت ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين مطلب السكان بـــ«ضــبــط الأمـــــن» مـــن جــهــة، ونــدائــهــم الــصــامــت بــ«الـحـفـاظ على خصوصية المنطقة» من جهة ثانية في معادلة صعبة تشوبها جيرة قابلة للاشتعال في أي لحظة. نموذج الدويلعة وجرمانا... تعايُش أهلي يُبرز «الاستثناء» في علاقات الطوائف بالدولة دمشق: بيسان الشيخ مسلح درزي (يسار) يتحدث مع قوات الأمن السورية التي توصلت إلى اتفاق للانتشار حول جرمانا جنوب دمشق (أ.ب) شجرة الدويلعة مزينة بصور وأسماء ضحايا التفجير الانتحاري الذي وقع في كنيسة مار إلياس يونيو الماضي (أ.ب)

RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky