Issue 17200 - العدد Wednesday - 2025/12/31 الأربعاء عـــلـــى بـــعـــد ســــاعــــات مـــــعـــــدودات مــــن الـــعـــام الـجـديـد، ربـمـا يتوجب علينا إلـقـاء نـظـرة على حـــال الـعـالـم، وهـــل مــعــارج الــســام تـفـوق مـزالـق الصدام أم العكس؟ عـبـر نـظـرة متأنية عـلـى المـخـاطـر المرتبطة بـالـنـزاعـات حـــول الــكــرة الأرضـــيـــة، يمكن القطع -مـــع أســـف شــديــد- بـــأن الـكـوكـب بـــات أكـثـر عنفا واضطراباً، ولا سيما بعد أن بلغ عدد النزاعات المسلحة الآن أعلى مستويات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هــل فـــرص الــســام تـتـقـلَّــص لـصـالـح دوائـــر الخصام؟ يــبــدو أن المـصـطـلـح الـــرائـــج حـالـيـا، بــروايــة أمـيـركـيـة عــن تــرمــب، هــو مصطلح «الـــســـام من خلال القوة»، ذاك الذي يفتح الباب واسعا لمزيد من الصدام، ويكاد يغلق مسارات الوئام. الـرئـيـس تـرمـب خــال حفل تنصيبه، وعد بـأن تكون ولايته الثانية سلمية على الصعيد الـــعـــالمـــي، وبـــهـــدف لا يــغــيــب عـــن الأعــــــن: إنــهــاء الحروب من فوق وجه البسيطة. لا ينفك سيد البيت الأبيض يردِّد أنه نجح فـي حـل كثير مـن الـنـزاعـات شـرقـا وغـربـا، ولكن الحقيقة قد تكون على العكس من ذلك. بالنظر إلـى تقييم الحالة الأممية الصادر عن «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك، -وهــــو عـقـل الإدارات الأمــيــركــيــة المـتـعـاقـبـة منذ - نجد أن واشـنـطـن انزلقت 1921 تأسيسه عــام في سلوكيات كانت نتيجتها زعزعة للاستقرار، والتهديد باستخدام القوة، وغيرها من التدابير القسرية ضد دول عدة، بما فيها من حلفاء، ولا سيما في نصف الكرة الغربي. ولعله لا يغيب عـن ذهــن الــقــارئ، أن إدارة ترمب قامت في بدايات عملها بتفكيك العناصر الأســـاســـيـــة لــلــحــكــومــة الأمـــيـــركـــيـــة، المـخـصـصـة لـــاســـتـــشـــراف الاســـتـــراتـــيـــجـــي ومـــنـــع الـــنـــزاعـــات وبــنــاء الــســام، مــن غـيـر اسـتـبــدال بــدائــل أفضل بها، عطفا على خفض التمويل المخصص لهذه الـجـهـود بشكل كبير، وجميعها إجــــراءات غير مجدية وقصيرة النظر. تبدو الـولايـات المتحدة -وهـي ساعية على أثر فلسفة الرئيس السادس والعشرين للولايات )، المتمثلة 1919 -1858( المتحدة، ثيودور روزفلت في مقولته الشهيرة: «أمسك عصا غليظة وتكلم عـن الــســام»- غير مقنعة لبقية قـــارات الأرض، ولا سيما في ظل حالة تفاقم العنف السياسي والاضــطــرابــات الشعبية فـي أرجـائـهـا المتسعة؛ حـيـث يــســود الافـــتـــراق ويُــفـتـقـد الـــوفـــاق عـرقـيـا، وعــقــديــا، ومـذهـبـيـا، وطـائـفـيـا، مــا يــهــدد وحــدة السلام المجتمعي الداخلي أول الأمر. تبدو الـولايـات المتحدة اليوم وكأنها دافع ومحرك رئيس نحو مزالق الصدام؛ حيث تكاد تشعل النصف الـغـربـي مـن البسيطة، بـــدءا من عـنـد المـكـسـيـك الــتــي تـخـطـط لـتـوجـيـه مــزيــد من الـضـربـات العسكرية لـهـا، ضـد مــن تـدعـي أنهم جـــمـــاعـــات إجـــرامـــيـــة، مــــــرورا بـــفـــنـــزويـــا، سـاحـة الـــصـــدام الأكــبــر فــي الـــقـــارة الـاتـيـنـيـة. والـنـيـات الحقيقية تـبـدو مستترة وخـافـيـة فـي ادعـــاءات ملاحقة تـجـار المــخــدرات تـــارة، وعلنية بذريعة الـحـق الـتـاريـخـي فــي الـنـفـط المـحـلـي هـنـاك تــارة أخرى، وصولا إلى عمليات استخباراتية سرية فـــي عــمــوم الـخـلـفـيـة الـجـيـوسـيـاسـيـة، لمـواجـهـة النفوذ الروسي والصيني المتصاعد هناك. مــــعــــارج الــــســــام المــــنــــشــــودة تـــكـــاد تـقـلـصـهـا طروحات وشروحات إمبراطورية أميركية، تتجلَّى فــي حــديــث الأســـطـــول الـبـحـري الـذهـبـي الترمبي الجديد مرة، والتجارب النووية المستعادة من رحم الحرب الباردة مرة أخرى، ناهيك من إشعال سباق التسلح الفضائي خارج الكوكب. على أن تحديات السلام الأممي لا تتوقف في حقيقة الأمــر عند الـولايـات المتحدة، ذلـك أن نظرة سريعة على القارتين الآسيوية والأوروبية تنشئ قلقا ينحو إلى درجة الهلع. من جهة، تتصاعد حدة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بينما تتجه الهجمات المتبادلة نحو البنى التحتية المدنية، ما يهدد السكان وينقل الصراع إلى فلك خطير. ومع الإخفاق حتى الساعة في التوصل إلى وقــف إطـــاق للنار بـن موسكو وكـيـيـف، تــزداد احتمالات تحول التوترات بين روسيا وأوروبـا إلى اشتباكات مسلحة، بما يكفي لدخول حلف «الـنـاتـو» فـي دائـــرة الــرد الحتمي، ولعل هـذا ما يـفـسـر الــتـــحــركــات الــجــيــوســيــاســيــة المــتــســارعــة بـن ألمـانـيـا وفـرنـسـا بـنـوع خـــاص، درءا للخطر القادم في تقديرهما من الجانب الروسي، وكأن الحديث يجري عن مواجهة عسكرية حتمية لا محالة مع القيصر بوتين وجنوده. آسيا بدورها تبدو حبلى بمخاض موجع، بــعــض مـــن عــامــاتــه يــتــبــدى فـــي الـــنـــزاع الـقـائـم والــقــادم بـن الهند وبـاكـسـتـان، وقــد يـــراه ناظر آخر محتدما بين طوكيو وبكين، بجانب تجارب كوريا الشمالية النووية. على عتبات عـام جديد، تبدو الحاجة إلى عالم سلمي مستدام الأمن والطمأنينة فرضا لا نافلة، والدعوة للسلام اليوم ليست رفاهية؛ بل حاجة ملحة لتجنب ويلات انفلاش «مسكونية الــــكــــراهــــيــــة»، مــــن عـــنـــد الــــحــــرب الــــنــــوويــــة، إلـــى الـكـوارث الإيكولوجية، مــرورا بـنـوازل الـذكـاءات الاصطناعية، وأحـاديـث «الـوبـاء إكــس» الـقـادم، وكأنه قدر مقدور في زمن منظور. مــن يـحـمـل شـعـلـة الــســام نــــورا يــضــيء ولا يحرق في العام الجديد للبشرية برمتها؟ إميل أمين OPINION الرأي 14 ... عن معارج السَّلام ومزالق الصدام 2026 لماذا يقاوم النفط معدلات التضخم؟ بـيـنـمـا تــرتــفــع أســـعـــار الـــسّـــلـــع والـــخـــدمـــات كـافّــة دون استثناء حــول الـعـالـم، بسبب زيــادة هائلة فـي مـعـدل الـتَّــضـخـم، تبقى سلعة النّفط عصية على هذه القاعدة، وتواصل الهبوط في معدلات سعر البرميل بشكل يدعو إلى الدّهشة والتعجب. النفط يُعد حالة استثنائية في عالم السّلع. وفـــــي حــــن أن الــتــضــخــم يـــرفـــع أســــعــــار الــســلــع الاســـتـــهــاكـــيـــة (مـــثـــل الــــغــــذاء والـــســـكـــن) نـتـيـجـة زيادة تكاليف التشغيل وضعف القوة الشرائية للعملة، فإن سعر النفط يخضع لقوانين مختلفة تجعله أحيانا يسير عكس التيار. هناك بعض الأســـبـــاب الـرئـيـسـيـة الـتـي تجعل أســعــار النفط قـــد تـنـخـفـض أو تـسـتـقـر فـــي حـــن تــرتــفــع بقية الأسعار، من هذه الأسباب وفرة المعروض مقابل الطلب (تخمة الأسواق). هــذا الـعـام، شهدت الأســـواق العالمية زيــادة كبيرة فـي إنـتـاج النفط مـن دول خـــارج منظمة «أوبــــــــك» (مـــثـــل الـــــولايـــــات المـــتـــحـــدة، وغـــويـــانـــا، والـــبـــرازيـــل). عـنـدمـا يـتـجـاوز المــعــروض العالمي كمية الـطـلـب، تضطر الأســعــار إلـــى الانـخـفـاض بــغــض الــنــظــر عـــن مـــعـــدلات الـتـضـخـم الـــعـــام في الدول. والتباطؤ الاقتصادي العالمي الذي سببه التضخم المرتفع غالبا ما يدفع البنوك المركزية إلــــى رفــــع أســـعـــار الـــفـــائـــدة. هــــذا الإجـــــــراء يـــؤدي إلـــى إبــطــاء الـنـمـو الاقــتــصــادي وتقليل النشاط الـصـنـاعـي. وهــنــاك تــراجــع الـطـلـب عـلـى الـطـاقـة والوقود من قِبل المصانع وشركات النقل. بــالــتــالــي، يــقــل «الـــطـــلـــب» عــلــى الــنــفــط، مما يؤدي إلى هبوط سعره حتى والأسعار الأخرى ترتفع. كما أنـه لا يمكن إغـفـال التحول الطاقي (الـسـيـارات الكهربائية)، فـي حـن لا تملك سلع أخـرى مثل القمح أو اللحوم بدائل تكنولوجية فورية مماثلة. وطـبـعـا هــنــاك قـــوة الــــــدولار الأمـــيـــركـــي، لأن الـــنـــفـــط يُـــســـعّـــر بــــــالــــــدولار. غـــالـــبـــا مــــا يــصــاحــب التضخم العالمي ارتفاع في قيمة الدولار (بسبب رفع الفائدة الأميركية). وعندما يقوى الـدولار، يـصـبـح الـنـفـط أغــلــى بـالـنـسـبـة إلـــى الــــدول التي تستخدم عملات أخـرى، مما يقلل طلبها عليه، فيؤدي ذلـك إلـى انخفاض سعره العالمي المقوّم بالدولار ليتحقق التوازن. وطبعا دور «أوبك» بصفتها منظما للسوق عـلـى عـكـس أســعــار «الـخـبـز» أو «الــخــضــراوات» الـــتـــي تـــتـــحـــدّد بـــــآلاف الــبــائــعــن الـــصـــغـــار، تُــــدار إمــدادات النفط من قِبل تحالفات كبرى (أوبـك). أحيانا تختار هذه الدول زيادة الإنتاج للحفاظ عـلـى حصتها فــي الـــســـوق، مـمـا يـمـنـع الأســعــار مـن القفز إلـى مستويات تتماشى مـع التضخم العالمي. الــتــضــخــم هــــو «نـــتـــيـــجـــة» أحـــيـــانـــا لارتـــفـــاع أســـعـــار الــنــفــط، ولــيــس الــعــكــس. فـالـنـفـط سلعة اسـتـراتـيـجـيـة تــقــود الــتــكــالــيــف، ولـكـنـهـا تـتـأثـر بموازين القوى السياسية والعرض العالمي أكثر من تأثرها بسعر سلة التسوق اليومية. تشير البيانات والسياسات الأميركية في إلـى توجه واضــح نحو الحفاظ على 2025 عـام أسعار نفط منخفضة أو مستقرة، وذلك لأسباب اقتصادية وسياسية واستراتيجية عدة. وهذه بعض التفاصيل: ، تبنّت الإدارة الأميركية 2025 منذ مطلع عام سياسة تـهـدف إلــى زيـــادة إنـتـاج النفط المحلي والوصول به إلى مستويات قياسية (تصل إلى مـلـيـون بـرمـيـل يـومـيـا بـحـلـول ديـسـمـبـر/ 13.6 ). الــهــدف هــو تـعـزيـز مكانة 2025 كــانــون الأول الولايات المتحدة وضمان توافر إمــدادات كافية تمنع قفزات الأسعار. مـــكـــافـــحـــة الـــتـــضـــخـــم: تُــــعــــد أســــعــــار الــنــفــط المنخفضة أداة أساسية في السياسة الأميركية لخفض التضخم. انخفاض أسعار الوقود يقلل مــن تكاليف الـنـقـل والإنـــتـــاج، مـمـا يــعــزّز الـقـدرة الشرائية للمواطن الأميركي. الأهداف الجيوسياسية: صرّح الرئيس في بوضوح برغبته في بقاء 2025 ) يونيو (حزيران الأسعار منخفضة، لافتا إلى أن الارتفاع الكبير في الأسعار يفيد «الأعـداء» (في إشارة إلى دول تعتمد ميزانياتها على عـوائـد النفط المرتفعة مثل إيران وروسيا). : تـشـيـر 2026 الـــتـــوقـــعـــات الـــســـعـــريـــة لـــعـــام )EIA( تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية إلــــى أن مــتــوســط ســعــر خــــام بــرنــت سينخفض دولارا في 74 إلـى نحو 2024 دولارا فـي 81 مـن دولارا في 66 ، مـع توقعات بوصوله إلــى 2025 نتيجة زيادة الإنتاج من خارج دول «أوبك 2026 بلس». هــــنــــاك قــــيــــود وتـــــحـــــديـــــات مـــنـــهـــا الــــرســــوم الــجــمــركــيــة الـــتـــي أثــــــرت عـــلـــى واردات الـصـلـب (المــســتــخــدم فـــي أنــابــيــب الــتــنــقــيــب) فـــي فـبـرايـر على تكاليف الإنتاج المحلي. 2025 ) (شباط توازن السوق: إذا انخفضت الأسعار بشكل دولاراً) فـقـد تضطر 60-55 حـــاد جـــدا (أقــــل مـــن الشركات الأميركية إلى تقليص منصات الحفر، مـمـا قــد يــــؤدي لاحــقــا إلـــى نـقـص فــي الإمـــــدادات وارتفاع الأسعار مرة أخرى. باختصار، تسعى الولايات المتحدة لزيادة الــعــرض الـعـالمـي لـضـمـان أســعــار معقولة تدعم اقــتــصــادهــا الـــداخـــلـــي، وتـــحـــد مـــن نـــفـــوذ الــــدول المنافسة، لكنها تواجه تحدي الحفاظ على سعر لا يضر بربحية شركاتها النفطية. يـــبـــقـــى انــــخــــفــــاض ســــعــــر الــــنــــفــــط، فـــــي ظــل اضطرابات جيوسياسية حول العالم ومعدلات تضخم هائلة، مسألة مثيرة للقلق، خصوصا أنها تتحدى مسلمات اقتصادية ثابتة. حسين شبكشي مخاطر «داعش» المتحور مـــن يـطـلـع عــلــى مـخـطـوطـة «داعــــــش» الـشـهـيـرة «إدارة الـــتـــوحـــش» يـكـتـشـف أن مـــا يـــوصـــف مــجــازا بــالــبــنــاء الـــعـــقـــائـــدي لـلـتـنـظـيـم كــــان أقـــــرب «لمـــشـــروع انتقامي» لا يتقيد ببناء عقائدي محكم، مثلما جرى مع تنظيمات التطرف العنيف الأخــرى كـ«الجهاد» و«الـجـمـاعـة الإســامــيــة»، حـتـى صيغتهما الـعـابـرة للحدود، المتمثلة في «تنظيم القاعدة»، التي اتسمت أيــضــا ببنية عـقـائـديـة صـلـبـة وتـفـسـيـرات مـتـشـددة لبعض النصوص الدينية لتبرير العنف والإرهاب. وربما تكون حالة تنظيم «داعـش» مختلفة من كونه وضع بنية عقائدية مبسطة وسطحية تتكلم في الانتقام أكثر من التفسيرات الفقهية المتشددة، وهـــذا مــا جـعـل مـخـاطـر خــايــاه قـائـمـة فــي أكـثـر من مكان، وخاصة سوريا، رغم تفكك الجانب الأكبر من بنيته التنظيمية. والحقيقة أن هــذه البنية العقائدية المبسطة والــســطــحــيــة جــعــلــت الانـــــخـــــراط فــــي فـــكـــر الـتـنـظـيـم متاحا لكل «من هب ودب» ولا يتم عبر رحلة طويلة من الإعداد العقائدي، كما جرى مع قادة «القاعدة» والــتــنــظــيــمــات الــجــهــاديــة الأخــــــرى، إنَّـــمـــا يـكـفـي أن يـكـون هـنـاك منتقمون لأســبــاب ديـنـيـة أو مذهبية أو سياسية حتى يكون العنصر «الـداعـشـي» على استعداد لممارسة القتل والإرهـــاب ضـد أميركيين، كـــمـــا جـــــرى فــــي تــــدمــــر، واســـتـــلـــزم تــــدخــــا عـسـكـريـا أمـيـركـيـا، أو تـجـاه ســوريــن، كـمـا جــرى فـي مسجد عـلـى بــن أبـــي طـالـب فــي حـمـص، وبـــدا أنـــه لا يوجد فارق يذكر بين من يسمون أنفسهم «تنظيم الدولة الإسلامية» أو «أنصار السنة» من حيث عدم وجود أي كـوابـح أمــام قتل المدنيين أو العسكريين فـي كل مكان. مـــا زال كــثــيــرون يـــتـــذكـــرون جــريــمــة اســتــهــداف مـسـجـد الـــروضـــة فــي سـيـنـاء المــصــريــة، الــتــي خلفت واحدا من أكبر أعداد الضحايا في تاريخ العمليات 305 الإرهابية التي استهدفت بيوت الله، حيث قتل مــن المـصـلـن الأبـــريـــاء فــي نوفمبر (تـشـريـن الـثـانـي) ، ومن البديهي القول إنه «مسجد سني». 2017 صحيح أن «داعــــش الــرســمــي» لــم يعلن تبنيه هذه العملية، لكن خلاياه التي كانت تعمل في هذه المـنـطـقـة، وتـبـنـت صـيـغـة الانــتــقــام والـــتـــرويـــع وقـتـل الأطـفـال والأبــريــاء كانت متورطة فـي هـذه الجريمة النكراء. الـــــافـــــت فـــــي إدارة الــــتــــوحــــش أو «مــانــفــســتــو داعــش» أنـه بـدأ كلامه بفصل تمهيدي حمل عنوان «النظام الذي يدير العالم منذ حقبة سايكس بيكو»، وهـــذا عـلـى خـــاف مـقـدمـات كـتـب جـمـاعـات التطرف الجهادية، التي انطلقت بالكامل من جوانب فقهية، خاصة كتيَّب ميثاق العمل الإسلامي، وأيضا بدرجة أقل، حتمية المواجهة والفريضة الغائبة. ولـعـل المـعـضـلـة الحقيقية فــي خـايـا «داعـــش» الــجــديــدة تـكـمـن فــي أن نـظـرتـهـا الانـتـقـامـيـة لــم تعد الـــنـــظـــم الــقــائــمــة فـــقـــط، كــمــا جــــرى فـــي عــهــد الــنــظــام السوري السابق أو الحكم الحالي في الـعـراق، إنما شملت أيـضـا تنظيمات ومـــذاهـــب أخـــرى أو بسبب حـــســـابـــات إقـلـيـمـيـة ومــحــلــيــة جــعــلــت هــــذه الــخــايــا «تحت الطلب» في أي وقت. إن ضعف الــدولــة، أي دولـــة، أو وجـــود احتقان سـيـاسـي أو مـذهـبـي، هــي عــوامــل تـكـفـي لـكـي تعمل خلايا «داعـــش» الجديدة بسهولة وتـمـارس إرهابا خطيراً، لأن من يقف خلفه هي بقايا تنظيم ومساحة سائلة من الأفكار الانتقامية التي تبرر أي عنف وأي إرهاب، بل فتح «إدارة التوحش» الباب أمام ما سمّاه «الاستفادة من خبرة حركات غير إسلامية في إدارة الــتــوحــش، اسـتـخـدمـت الـعـنـف عـلـى نــطــاق واســــع». وأشـــــار إلـــى حــركــة جـــون قـــرانـــق بـجـنـوب الـــســـودان، وحركات اليساريين في أميركا الوسطى والجنوبية، ووصــفــتــهــم المــخــطــوطــة بــأنــهــم «أبــــدعــــوا فـــي بعض النواحي العملية في إدارة مناطق التوحش هناك» خـــطـــورة «داعـــــــش» الـــجـــديـــد لــيــســت فـــي قــدرتــه فقط على أن يتحرك في المناطق الرخوة والحدودية مـن الساحل والـصـحـراء فـي أفريقيا إلـى سيناء في فترة سابقة، وانتهاء بسوريا حالياً، إنما أيضا في امتلاكه هذه السيولة العقائدية التي تبيح له انتهاك كل الحرمات وسفك الدماء، دون أي رادع. إن التنظيمات الجهادية القديمة التي مارست بـــالـــقـــطـــع إرهــــــابــــــا، واســـتـــهـــدفـــت رجــــــــالات الــســلــطــة والأمـــن، مخالفين في الفكر والعقيدة، كـان من شبه المستحيل عليها أن تستهدف مصلين فـي مسجد، حتى بمعايير الفكر المتشدد التي تبنتها، إذ كانت هـنـاك بعض الـضـوابـط أو سقف للعنف والإرهـــاب، وهــو غير متحقق فـي «داعــــش» الـــذي أصـبـح خلايا وتنظيما ضعيفا لا يتمتع ببناء عقائدي متماسك، ولكنه على استعداد أن يستهدف مسجدا أو كنيسة أو حـسـيـنـيـة ويــقــتــل أطـــفـــالا ونـــســـاء دون أي رادع عقائدي أو تنظيمي. الاســـتـــثـــمـــار فـــي الــعــجــز والإخــــفــــاق الـسـيـاسـي والــــثــــغــــرات الأمـــنـــيـــة والـــهـــشـــاشـــة المــجــتــمــعــيــة، وأي احتقان بـن مكونات الشعب المختلفة، كـل هــذا هو «غــذاء داعـــش». ولــذا علينا ألا نندهش إن كانت كل تنظيمات التطرف العنيف تقريبا مارست مراجعات فقهية ومـــبـــادرات لـوقـف الـعـنـف، إلا «داعـــــش»، لأنـه ببساطة ليس عنده بناء عقائدي صلب لكي يراجعه، وذلك مصدر خطورته. عمرو الشوبكي الاستثمار في العجز والإخفاق السياسي والثغرات الأمنية والهشاشة المجتمعية وغيرها «غذاء لداعش»
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky