الرئيس التنفيذي جمانا راشد الراشد CEO Jomana Rashid Alrashid نائب رئيس التحرير Managing Editors Editorial Consultant in KSA Aidroos Abdulaziz Camille Tawil Saud Al Rayes Deputy Editor-in-Chief مديرا التحرير مستشار التحرير في السعودية محمد هاني Mohamed Hani الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز عيدروس عبد العزيز كميل الطويل سعود الريس 1987 أسسها سنة 1978 أسسها سنة هشام ومحمد علي حافظ رئيس التحرير غسان شربل Editor-in-Chief Ghassan Charbel OPINION الرأي 13 Issue 17200 - العدد Wednesday - 2025/12/31 الأربعاء غدا عام جديد قبل أن يأتي منتصف الليل بأضوائه اللامعة مـعـلـنـا عـــن مــولــد عـــام جـــديـــد، ســـوف يــكــون هـنـاك الكثير مـن الأحــبــار قـد استُهلكت، وجـــرى الكثير من التمنيات المعبرة عن الأحلام أو الحكمة. المهم هــو أنـــه عـنـد هـــذه اللحظة مــا بــن عــامــن، وجسر مــــا بــــن زمــــنــــن، فـــــإن الــتــقــالــيــد الـــبـــشـــريـــة جـعـلـتـه احتفالا يغطيه الإعـــام الكوني مـن أول انتصاف الـلـيـل فــي المـحـيـط الباسفيكي شــرقــا، حـتـى نصل عـبـر المـسـيـرة الـزمـنـيـة غـربـا إلـــى المـحـيـط ذاتـــه من الناحية الأخـــرى غـربـا. العبور لا يجري فقط بين خـــطـــوط الـــطـــول والــــعــــرض، وإنـــمـــا فــــوق مـسـافـات تـقـالـيـد وثـــقـــافـــات، وعـــوالـــم مـخـتـلـفـة الإيـــقـــاع بين الـتـفـاؤل بـعـام يـكـون أكـثـر ســعــادة، وبــن التشاؤم الـذي استسلم أصحابه أن الدنيا كعادتها تنتقل مـن سيئ إلـى الأكـثـر ســـوءاً. قضية الحديث دائما مركزها مدى التغيير فيما كان والتوقع لما سوف يأتي، والعالم ممتلئ بالكثير من أحاديث التغيير والانقلاب رأسا على عقب، والذي يظهر بعده نظم دولية وعالمية جديدة. الأمر هكذا ليس جديدا في حــد ذاتــــه، فكلما حــل بـالـكـوكـب ملمة أو مصيبة، فـــإن هـــذه الـحـالـة تـنـتـاب المـفـكـريـن والمـحـلـلـن، أمـا الساسة فإنهم يتأملون مـا سـوف تأتي بـه الأيـام من وقائع وحقائق يصبح عليهم الائتلاف معها أو معارضتها أو تجاهلها كلية. وما يحدث على المستوى الكوني يجد له صدى في عالمنا العربي، حيث يوجد الشغف بـأن أمــرا جديدا سـوف يجدّ، والمرجح أنه سوف يُنزل بالعرب سوءاً، ونـادرا ما نجد اجتهادا يطرح علينا ماذا يريد أهل منطقتنا أن يكون عليه الكون، وماذا يكون عليه حالنا؟ ) كانت 2020-1990( وعلى مدى العقود الثلاثة قسمات القطبية الأحادية والعولمة هما المحددين الأســـاســـيـــن لــلــنــظــام الــــدولــــي فـــي مــرحــلــة مـــا بعد الـــحـــرب الــــبــــاردة. ولــكــن الــعــامــن الأخــيــريــن شـهـدا تــغــيــرات جــوهــريــة وقـــع فــي مـقـدمـتـهـا أن المعسكر الغربي في عمومه والولايات المتحدة عاشت قدرا كبيرا من الوهن تجسّد في هزيمة الولايات المتحدة وتراجعها وخروجها من الشرق الأوسط، فضلا عن تقلبها السياسي الداخلي ما بين مذاهب سياسية مــتــعــددة أدت فـــي الـنـهـايـة إلـــى انــقــســام وتـــشـــرذم، وعـجـز عـن الـتـوافـق المطلوب فـي مجتمع سياسي ليبرالي ديمقراطي. وثانيها أن مجيء «الجائحة» وفـشـل الــولايــات المـتـحـدة ومعها المعسكر الغربي في مواجهته فضلا عن قيادة العالم في التعامل معه، أخـذ الكثير مـن سمعة الـقـوة والتكنولوجيا الأمـــيـــركـــيـــة. وثــالــثــهــا أن الـــصـــن الـــتـــي أخـــــذت في الاستفادة من العولمة خلال العقود الثلاثة السابقة صـعـدت مــع الأزمــــة إلـــى مـكـانـة الــقــوة الـعـظـمـى في النظام الـدولـي، ومـن ثم بــدأت في دعــوات لمراجعة الـنـظـام الــدولــي بحيث تـقـوم فيه شــراكــات جديدة تختلف عن الانفراد الأميركي. ورابعها أن روسيا التي عانت كثيرا من المهانة خـال العقود الثلاثة السابقة، عـادت إلـى العالم مـرة أخـرى تحت قيادة فلاديمير بوتين لكي تراجع نظام ما بعد الحرب الـــبـــاردة. عمليا أصــبــح هــنــاك نــظــام جــديــد ثلاثي الأقطاب يضم الولايات المتحدة والصين وروسيا، ومـــا بـقـي هــو كـيـف تــجــري الـتـفـاعـات والـعـاقـات بينهم حتى نتحدث عن نظام دولي جديد؟ المـتـغـيـر الأســــاســــي، ومــعــنــاه الـــقـــوة الــدافــعــة للنظام الدولي في تشكيلته وفاعليته، هو قيادة دونالد ترمب للولايات المتحدة وانعكاس قيادته عـلـى أوروبــــا وآســيــا فــي التخلص مــن الليبرالية السياسية والعملية، وعـودة الدولة الوطنية مرة أخـــرى إلــى مكانتها باعتبارها المـكـون الرئيسي للنظام الدولي. هذا المتغير هو صاحب الحضور الأكبر في ساحة الدبلوماسية العالمية لصناعة السلام سواء كانت في غزة أو أوكرانيا أو السودان أو البحر الكاريبي، أو الاستخدام المباشر للقوة المسلحة كما حدث من قِبل الولايات المتحدة تجاه إيــــران. الـجـديـد فـي اسـتـخـدام الـسـاح هـو أن ذلك لا يستسلم إلـــى مـجـال «الــحــرب الأبـــديـــة»، وإنـمـا يوماً 12 كـانـت الــحــرب فــي الخليج منتهية بـعـد وفـي ظـل قـنـوات مفتوحة بـن واشنطن وطـهـران. الـعـالـم الـعـربـي يـواجـه الـعـام الــقــادم والـعـالـم على هــذه الــصــورة؛ ولـكـن يـضـاف لها ظـــروف إقليمية تــتــطــلــب الاهــــتــــمــــام والـــبـــحـــث الـــــــــــدؤوب. أولا أن تأثيرات «الربيع العربي» لا تــزال باقية فـي دول عـــربـــيـــة تــعــيــش ظــــــروف الــــحــــروب الأهـــلـــيـــة، وظـــل المـيـلـيـشـيـات الـعـسـكـريـة، والــتــوجــه نـحـو التفكك والانـقـسـام الطائفي والـعـرقـي والـجـهـوي. وثانيا أن تهافت صفات الـدولـة الوطنية في هـذه الـدول ترجح تعميق الواقع البائس الـذي يـزداد التهابا في اليمن والسودان وسوريا وليبيا والصومال؛ بينما الحالة الفلسطينية تـــزداد عجزا بـا قـدرة عـلـى إنــقــاذ غـــزة والـضـفـة الـغـربـيـة ولا قـــدرة على المصالحة الوطنية. معالجة ذلك يشكل مسؤولية على المجموعة العربية الـتـي نجت مـن «الربيع» المـــــزعـــــوم، والــــتــــي لـــديـــهـــا مــــن الـــتـــمـــاســـك الــوطــنــي والرؤية التنموية ما يكفي للسعي نحو الاستقرار الإقليمي، ولا يتحقق دون تعاونها الاستراتيجي الذي تدعمه نخبة من المفكرين والدارسين لمرحلة من أكثر مراحل التاريخ العربي حرجاً. عبد المنعم سعيد عن اقتصاد السّوق واقتصاديات السُّوء اهـــتـــم جــيــل مـــؤسِّـــس مـــن الاقــتــصــاديــن الــعــرب، ظهر أهم إنتاجهِم العلمي في السّتينات حتى أواخر القرن الماضي، بدلالة الألفاظ ومعاني المُصطلحات. وأســعــدنِــي الـعـمـل بـاحـثـا فــي مـطـلـع التسعينات مع الاقـتـصـادي العربي الـرَّصـن الدكتور يوسف صايغ في مشروع قـادَه عن مستقبل الاقتصاد الفلسطيني بعد مؤتمر مدريد. وتجدُه لا يكتفي بتدقيق مصادر المـعـلـومـات ومـراجـعـة أسـالـيـب التَّحليل، ولـكـنَّــه كـان شــغــوفــا، كــأكــثــر أبـــنـــاء جــيــلــه، بــالــلــغــة فـــا يـسـتـخـدم مصطلحا أجنبيا إل وعرَّبه وبي معناه. تـــذكّـــرت مــع كـتـابـة عــنــوان هـــذا المــقــال مـــحـــاورات الـدكـتـور صـايـغ، كما استرجعت كـتـابـات الموسوعي الدكتور إسماعيل صبري عبد الله ومقالاتِه الرَّشيقة، ضمَّتها سلسلة بعنوان «ألفاظ ومعانٍ». فمَا أقصده بـاقـتـصـاد الـسـوق هـو الـنـظـام المـتـبـع لـإنـتـاج وإدارة المــــوارد والاســتــهــاك وتـوظـيـف الـفـائـض، إذا تحقَّق، اعتمادا على آليات السوق المنظمة من عرض وطلب. أمَّــــا «الاقـــتـــصـــاديـــات» فـالمـقـصـود بـهـا أسـالـيـب العلم المــحــتــكــمــة إلــــى الـــنـــظـــريـــات والـــنـــمـــاذج والـتـطـبـيـقـات والخبرة العملية. وقد أضفت «السوء» للاقتصاديات، لـيـس تـاعـبـا بــالألــفــاظ أو المـقـابـلـة بــن اسـتـخـدامـات الفصحى والعامية الدارجة في بعض البلدان العربية بنطقها كلمة السوء وهي تعني السوق. فالسوء هنا هو كل ما يضر بأحوال المرء من قبح ونقص وفساد بـسـبـب أفـــكـــار سـيـئـة، أو لمــمــارســات مـعـيـبـة. ويـكـون السوق سوءا بمعنى الكلمة إذا غابت القواعد المنظمة، والــرقــابــة الـفـاعـلـة، وغـلـبـت عـلـيـه مـثـالـب المــمــارســات الاحـــتـــكـــاريـــة، وتــــراجــــع فــضــائــل المـــنـــافـــســـة، وهـيـمـنـة بـــيـــروقـــراطـــيـــات الــــدولــــة وســــواعــــدهــــا الـــجـــائـــرة عـلـى مجريات اقتصاد لا علم لها بشؤونه وخصائصه. وهو ما فطن إليه العلامة ابن خلدون في القرن الرابع عـشـر، فــحــذَّر بـمـا فــسَّــره فــي فـصـل كـامـل فــي مقدمته الشهيرة بعنوان «في أن التجارة من السلطان مضرّة بــالــرعــايــا ومــفــســدة لــلــجــبــايــة». فــتــدخــل الـحـكـومـات فـــي أعـــمـــال الاقـــتـــصـــاد يـسـلـب المـنـتـجـن فــرصَــهــم في المـنـافـسـة؛ لمـا عــرف عـن بيروقراطيتها مـن تـرهّــل في الإدارة، وضعف عـن ملاحقة مستجدات الإنـتـاج من ابتكار وتطوير، وتردد في اتخاذ قرارات بالمخاطرة، وبـــطء فــي اتــخــاذ الـــقـــرار، والــخــوف مــن مـراجـعـة قــرار خاطئ اتخذته حتى لو ظهرت بوادر فشله وخسارته. وإن استطاب لها مزاحمة أهل الاختصاص والحِرف والإنـــتـــاج فــي أعـمـالـهـم خـسـرت الـحـكـومـة بـذلـك ثـاث مــــــرات: الأولـــــــى، بـــإضـــاعـــة فــــرص الـــربـــح عــلــى أربــــاب الاقـتـصـاد، فتقل حصائلها مـن الـضـرائـب المفروضة على الأرباح والدخول؛ الثانية، بولوجها في أنشطة كانت ستحقق ربحا لـولا تدخلها فحولتها خسارة تتحملها ميزانية الدولة؛ الثالثة، في أنها بتفضيلها دور الـــاعـــب فـــي الأســــــواق سـتـجـدهـا حـتـمـا مـقـصّــرة فـي دورهـــا حَكما للسوق فلم تقم بتسوية ملعبها، ومــتــجــاوزة فــي دورهــــا راعــيــا لـحـقـوق عــمــوم الـنـاس بعدما صــارت طرفا فـي البيع والــشــراء، ومهملة في دورهــــا فــي تحصيل الإيــــــرادات الـعـامـة بـمـا انشغلت بــه عنها مــن انتحالها وظــائــف يـجـود فيها الإنـتـاج الخاص. وما زالت الأفكار السيئة تستشري، بل وبُستدعى بــعــضــهــا مــــن مـــراقـــدهـــا بـــعـــد ثـــبـــوت فــشــلــهــا بـحـجـج متهافتة من نوع أن نظريتها كانت صحيحة، ولكن أضاعتها تطبيقات سيئة أو ظروف غير مواتية. وما زالت اقتراحات تساق من حين إلى آخر تختلط فيها الأسـاطـيـر بالأباطيل والاستخفاف بالعلم بدعاوى مضللة، مثل «التفكير خــارج الـصـنـدوق»؛ بأساليب أقــــرب لإعـــــادة اخـــتـــراع الـعـجـلـة، مـتـجـاهـلـة مــحــاولات سابقة فاشلة وتـجـارب أخــرى ناجحة جعلتها على استدارتها المتعارف عليها اليوم، ثم أتقنت صنعها والارتقاء بمستحدثات واختراعات بُنيت عليها. وتــــزداد مثل هــذه الـتـرهـات فـي أوقـــات الأزمـــات، التي تـكـررت وكـثـرت، فـبـدلا مـن التصدي لها بالعلم والـــجـــلـــد بـــمـــا يـــتـــاح مــــن مـــــــوارد وانـــتـــفـــاعـــا بــتــجــارب السابقين من الحاذقين يأتيك أحدُهم بما يعدُّه فكرة لم يسبقه إليها الأوائل. وما أكثر هذه الأفكار التعسة التي لا تأتي إلا لمن طـار مع الخيال «على غير قصد ولا مـــأرب»، كما جــاء فـي شطر بيت مـن شعر حافظ إبراهيم، ناصَـر فيه نشدان الحقيقة، حتى لا يصير البريء مع المذنب. وقــد سقت مـن قبل أمثلة لأفـكـار مضللة أحالت اقـتـصـاد الـسـوق المـنـشـود حـقـا لـدراسـة اقتصاديات السوء بأضراره على المجتمع وعموم الناس. وأعيد ســـرد مـا نـوهـت عنه مـن قبل مـن أمثلة لأفـكـار سيئة حـــــذّرت مـنـهـا لـجـنـة الــنُّــمــو الــتــي قـــادهـــا الـبـروفـسـور مايك سبنس الحائز نوبل فـي الاقـتـصـاد، وتشرفت بعضويتها، ومن أمثلتها: - تخفيض عجز المـوازنـة العامة وســداد الديون بالتضحية بالاستثمار الـعـام فـي التعليم والصحة والبنية الأساسية. - حل مشكلة البطالة بتعيينات لا يحتاج إليها الجهاز الإداري للدولة. - التسعير الإداري للسلع بـزعـم السيطرة على التضخم. - منع الاستيراد والتصدير لسلع معينة للتحكم في الأسعار. - تجاهل التنمية الحضرية والريفية. - إهدار الأبعاد البيئية للمشروعات. - اســتــهــداف سـعـر الـــصـــرف بــــدلا مـــن الـتـضـخـم، وعدم توافقه مع السعر العادل. - كبح القطاع المالي، وسوء الإشراف عليه. - تـــجـــاهـــل الـــبـــعـــد الـــنـــوعـــي لمـــخـــرجـــات الـتـعـلـيـم والصحة. - إهدار الدعم، بتجاهل أن الدعم أولى به أن يكون لمستحق بعينه ولـيـس لسلعة لا ضـامـن لوصولها مدعومة لمن يحتاج إليها. - تـجـاهـل اعـــتـــبـــارات الــعــائــد والـتـكـلـفـة لـإنـفـاق العام، وغياب قواعد الاستدامة المالية بحجة تجاوز الأزمــــات الــعــارضــة، واسـتـسـهـال قـيـام الـبـيـروقـراطـيـة بالمشروعات من خلال الاستدانة؛ ثم محاولة طرحها للبيع في سوق غير راغبة فيها. وبالاعتماد على هذه الأفكار السيئة ومثيلاتها، ثم الاعتياد عليها، يكسبها مرور الزمن ألفة وحصانة فُيخشى المساس بها. فإذا بالاقتصاد يواجه مشكلات عـــدة، فـــإن تـأخـر حلها تـحـولـت أزمـــــاتٍ، فـــإن عولجت خـطـأ تـحـولـت كـــــوارثَ؛ وتـلـك مــن مـعـالـم اقـتـصـاديـات السوء وليس اقتصاد السوق. محمود محيي الدين
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky