إذا اسـتـعـرنـا اســتــهــال مــاركــس وأنــغــلــز بيانَهما الـشـيـوعـي الشهير قلنا إن شـبـح إعــــادة الـنـظـر بـالـدول يحوّم فوق المنطقة العربيّة. فالدول التي تشهد احتجاجا على وحدتها القائمة تتكاثر، وكل واحدة تُدرج حركتها في سياق إقليمي قد يختلف عـن السياق الـــذي تـنـدرج فيه الحركة الأخـــرى، كما تتفاوت وتائر السرعة وأشـكـال التعبير، وأحيانا الإيديولوجيّات، بينما تبقى المحطّة الأخيرة واحـدة لا يعتريها التغيير. فــالــســودان، الـــذي تفتك بـه حــرب الجيش و«الـدعـم الـسـريـع»، بـات ينطوي على احتمال تقسيمي خصب، عـلـمـا بــــأن الـبـلـد المـــذكـــور سـبـق لـجـنـوبـه أن انـفـصـل عن .2011 شماله بموجب الاستفتاء الذي أجري صيف ومـــع هـجـوم «المـجـلـس الانـتـقـالـي الـجـنـوبـيّ» على حضرموت والمهرة في اليمن، استعاد الكثيرون انقلاب ، وسيطرتهم على صنعاء وجزء 2014 الحوثيّين، أواخر كبير مــن شـمـال الــبــاد، بينما اسـتـعـاد آخــــرون دولـتـي ، ثـم اندلعت 1990 الشمال والجنوب اللتين اتّحدتا في ، وصـعـد مـا بــات يُــعـرف بـ«المسألة 1994 بينهما حــرب الجنوبيّة». ومــؤخّــرا جــاء الاعــتــراف الإسـرائـيـلـي بـ«جمهوريّة ، بعد 1991 ) الناشئة في 2 ألف كلم 175( » أرض الصومال حـرب دامــت عشر سـنـوات، ليعيد إلـى الـصـدارة تاريخا داميا عاشه بلد معذّب وفقير. وإذ تتعطّل العمليّة السياسيّة في ليبيا يتكرّس الانـقـسـام بـن شــرق الـبـاد وعاصمته بنغازي وغربها وعاصمته طرابلس، ويكاد يغدو أمـرا واقعاً، علما بأن دامت ست سنوات. 2014 الحرب الأهليّة التي اندلعت في ومـن بـاريـس، أعلنت «حكومة القبائل فـي المنفى» استقلال «جمهوريّة القبائل الاتّحاديّة» عن الجمهوريّة الــجــزائــريّــة. والــحــال أن لـأمـر ســوابــق وخـلـفـيّــات: ففي شـهـدت تـيـزي أوزو الـتـحـرّك الــواســع الـــذي سُمّي 1980 «الـــربـــيـــع الأمـــازيـــغـــي» وقـــوبـــل بــالــعــنــف. بـــل لـــم يــكــن قد ،1962 انقضى أكثر مـن عـام على استقلال الجزائر فـي حتّى أعلن حسين آيت أحمد، أحد أبرز قادة الثورة، عن انتفاضة أمازيغيّة. أمّا في المشرق فيلوح التفتّت أشد خصوبة وعمقا وأكثر عــدداً. فالعراق اعتمد نظاما فيدراليّا أتــاح قيام إقليم كـردسـتـان فـي الـشـمـال، إلا أن فيدراليّته المشوبة بالمنازعات والمناكفات، تبقى أقـرب إلى مشروع ناقص يستدعي التصحيح والاستكمال. وفـي هـذه الغضون، لا تكاد تهدأ المطالبة بإقليم سنّي في الأنبار وجوارها حتّى ترتفع المطالبة بحكم ذاتي في البصرة جنوباً. وتــعــيــش ســـوريـــا أوضــــاعــــا أهـــلـــيّـــة غــيــر مـطـمـئـنـة. هكذا جاءت التظاهرات الأخيرة في محافظتي اللاذقيّة وطــرطــوس الساحليّتين، والـتـي رافقتها أعـمـال عنف، لتفاقم الـتـوتّــر الـــذي عرفته الـبـاد مـع أحـــداث الساحل والـــســـويـــداء. وهــــذا فـيـمـا تـشـتـد المـــخـــاوف حــيــال مـــا قد تفضي إليه العلاقة بين السلطة و«قسد»، والاحتمالات الإقليميّة المقلقة التي قد تنجر عن ذلك. ، وعلى رغم التحدّي الإسرائيلي الماثل، 2007 ومنذ نـفّــذت «حـركـة حـمـاس» فـي فلسطين انـقـابـا تـــأدّى عنه فـصـل قـطـاع غـــزّة عــن الـضـفّــة الـغـربـيّــة، وقـــد نجمت عن الانقلاب أكلاف دمويّة باهظة وقطيعة سياسيّة تامّة. أمّا في لبنان، فليس سرّا أن الافتراق بين الجماعات الطائفيّة في نظرتها إلى الشأن العام يبلغ حـدّا مدمّرا للبلد الصغير ولقدرته على الإقلاع والتعافي. وبدوره فــإن تاريخ لبنان الحديث ومـا عاشه من حــروب أهليّة مديدة لا يسمحان كثيرا بالتفاؤل حيال المستقبل. وهــــذا الـسـجـل الــتــنــاحــري والـــدمـــوي يـجـد أسـبـابـه فـــي خــلــيــط مـــن الــعــنــاصــر تــمــتــد مـــن تـــفـــاوت المـــواضـــي الاســـتـــعـــمـــاريّـــة والاســـتـــقـــالـــيّـــة، إلـــــى الأنـــظـــمـــة الـــتـــي لـم تـطـوّر وطـنـيّــات جامعة وجـمـاعـات سياسيّة منسجمة ومواطنين متساوين، ومن ثقافة سياسيّة تُعلي الطائفة والدين والإثنيّة والمنطقة على الدولة والأمّة، إلى انتهاء الـــحـــرب الـــبـــاردة الــتــي كــانــت تــحــد مـــن تـفـجّــر الـخـرائـط التي ارتسمت في عقود أسبق... بيد أنّــه مهما تعدّدت الأسباب يبدو الموت واحداً، وهو أن البلدان المذكورة لم تتقبّل صيغة الدولة الأمّة ذات النظام المركزيّ. وحـتّــى فـي أزمـنـة السلم الـبـارد التي سبقت تفجّر الهويّات الصغرى، أو تعايشت مع كبتها، كانت الثقافة السياسيّة في كثير من تلك البلدان تتغزّل بالأمّة الكبرى المتوهَّمة وتمارس الخجل بدولتها وأمّتها القائمتين. فـــي المـــقـــابـــل، وهــــو مـــا يـــاحَـــظ فـــي مـعـظـم الــبــلــدان المـــذكـــورة، تـرتـبـط الـحـمـاسـة للشكل الـسـيـاسـي الـراهـن بــكــون الــجــمــاعــة المـتـحـمّــسـة أكـــثـــريّـــة عـــدديّـــة أو أكــثــريّــة سلطويّة. فـإذا تغيّر هذا المعطى تحوّلت الحماسة إلى فتور، وربّما إلى عداء. وهـــكـــذا يــبــدو الـــيـــوم أن الإبـــقـــاء عـلـى الـــدولـــة الأمّـــة ذات الـحـكـم المـــركــزي فــي الـنـمـاذج الـسـالـفـة الــذكــر إهــدار لـلـدم وتبديد لـلـمـوارد وصـــد لـكـل طـريـق إلــى المستقبل. ولربّما جاز تطعيم استلهامنا الدولة الأمّــة باستلهام المــديــنــة الأمّــــة فــي نـسـخـة مُــحـسّــنـة تستبعد كـــل تمييز بـن «مـواطـنـن» و«عـبـيـد» مـعـاصـريـن. ذاك أن الصيغة الـحـالـيـة غـــدت، فــي تـلـك الـــــدول، أشـبـه بـجـثّــة يـمـوت كـل أعضائها وتـــذوي قـدراتـهـا مـا خـا الــقــدرة على ابتلاع الأحــيــاء الآخــريــن وتـحـويـلـهـم، بـــدورهـــم، جـثـثـا. ويـبـدو التمسّك الحَرفي الراهن بها في هذه السياقات معاكسا لكل مـا هـو عقلاني وكــل مـا هـو أخـاقـي ســواء بسواء. لكن أسـوأ ما في هـذا التمسّك، فيما نعيش ما نعيشه، تعطيل النقاش حول البدائل الممكنة وإطلاق قوّة الموتى المدهشة في خنق الأحياء. شاهدتُ، مثل كثير من المصريين، فيلم «الست» عن أم كلثوم، وهو فيلم يعيد إلى السطح سؤالا قديما متجدداً: كيف يتحوَّل الصَّوت سلطةً، وكيف يصبح الطرب فعلا سياسيا مـن دون خـطـاب مـبـاشـر؟ أسـتـاذة الإثنوموسيقى بجامعة هارفارد، فرجينيا دانـــيـــلـــســـون، فــــي كــتــابــهــا المــــرجــــع «صــــوت مصر: أم كلثوم، الأغنية العربية، والمجتمع المصري في القرن العشرين»، الذي صدر عام عن دار جامعة شيكاغو الأكاديمية، 1997 وصفت أم كلثوم بأنَّها أسهمت في توحيد الـذائـقـة العربية وتسييس الـسـمـاع دونما خـــطـــاب مـــبـــاشـــر، وهــــــذه الـــعـــبـــارة تــحــديــدا «دونــمــا خـطـاب مـبـاشـر» هـي المـفـتـاح الأهـم لــــقــــراءة الـــفـــيـــلـــم، وربــــمــــا لــــقــــراءة الـــظـــاهـــرة الكلثومية برمتها، وقد وقع الفيلم أحيانا في فخ المباشرة على عكس أم كلثوم. بدايةً، ومن باب رفع الالتباس وتجنب تــشــويــش وســـائـــل الـــتـــواصـــل، أرى أن أداء منى زكي لـدور السيدة أم كلثوم كان جيدا جدا في حدوده الممكنة، ولا ينبغي تحميل الـفـيـلـم أو بطلته أكــثــر مـمـا يـحـتـمـان. من الـــسَّـــذاجـــة تـــوقـــع مــعــجــزة تـمـثـيـلـيـة قــــادرة على احـتـواء كـيـان أسـطـوري بـهـذا الحجم. هـــذه ليست نقطة الـنـقـاش هـنـا. ومـــع ذلــك، استمتعت بالفيلم رغـــم طــولــه، ولـــم أشعر بـحـاجـة إلـــى مـــغـــادرة الــقــاعــة، وهـــو معيار شخصي لا أستهين به. قــبــل دخــــــول قـــاعـــة الــســيــنــمــا، كــــــان فـي ذهني مساران محتملان لحكاية الفيلم: الأول، فيلم عن أم كلثوم بوصفها حكاية وطن: سرد لتحولين كبيرين، من الملكية إلى الجمهورية الناصرية، ومــن نخبة ثقافية محدودة إلى جمهور جماهيري واسع، وكل ذلك عبر الصوت وعلاقتها برجال العهدين. الــثــانــي، فـيـلـم عـــن أم كـلـثـوم بوصفها حـــكـــايـــة إنـــــســـــان: امــــــــرأة لـــهـــا انـــكـــســـاراتـــهـــا ومـــــخـــــاوفـــــهـــــا وصـــــابـــــتـــــهـــــا، وصــــعــــودهــــا الاجـــتـــمـــاعـــي الـــقـــاســـي فــــي عـــالـــم مــحــافــظ، تـهـيـمـن عـلـيـه الـــذكـــوريـــة والـــتـــديـــن الشكلي والسلطة الأبوية، بما يجعل نجاحَها بهذا الشكل أقرب إلى المعجزة الاجتماعية. الفيلم لم يختر هذا المسار ولا ذاك، بل قدّم خليطا بينهما أقرب إلى الكولاج. يبدأ بمشهد حفلة باريس الشهيرة بعد هزيمة ، ثم يعود عبر «فلاش باك» زمني يرسم 1967 حياة أم كلثوم من طفلة في قرى السنبلاوين إلـى مطربة عالمية قــادرة على جمع الأمـوال للمجهود الحربي، وتحفيز نساء مصر على بيع ذهبهن لإسناد الجيش. الأســئــلــة الــتــي يـثـيـرهـا الـفـيـلـم أهـــم من مـتـعـتـه الـجـمـالـيـة الــخــالــصــة. ولــســت ممن يــــرون فـيـه تـشـويـهـا لأم كـلـثـوم أو تمجيدا لــهــا؛ فـهـو لـيـس كــتــاب تـــاريـــخ، ولا تـأريـخـا منهجيا لتلك المـرحـلـة. وربَّــمــا كـانـت أفــام أخــــــرى ســتــغــويــنــي أكــــثــــر، لــــو ركَّــــــــزت عـلـى حكاية واحــدة مكثفة: غـرام أحمد رامــي، أو صــــراع القصبجي مــع خـطـيـب الــســت الــذي أشاعت الصحف أنه سيمنعها من الغناء. كـل واحـــدة مـن هــذه القصص تصلح فيلما كــامــاً. لكن الفيلم رغــم تطرقه للقصبجي ورامي لم يذكر علاقة الست بزكريا أحمد أو السنباطي أو الموجي أو حتى عبد الوهاب، هذا إذا أردت أن تعدد ما ينقص الفيلم، إذا كنت ممن يتصيَّدون الأخـطـاء. ولكن ربَّما سيطيل هذا التفصيل الفيلم. صُـــنّـــاع الـفـيـلـم اخـــتـــاروا رص مـشـاهـد أرشـــيـــفـــيـــة تـــاريـــخـــيـــة إلــــــى جـــــــوار لــحــظــات شخصية حميمة تخص أم كلثوم وعلاقتها بأهلها ووالـدهـا، دون تعميق كــاف في أي اتجاه. هنا، في رأيـي، يكمن فشل التجاور الــبــصــري كـــــأداة ســـرديـــة. فــالــتــجــاور، حين يُــسـتـخـدم بــوعــي جــمــالــي، يمكنه أن يقول ما لا يُقال مباشرة. أمَّا هنا، فبدا أقرب إلى تـكـديـس مـشـاهـد لا تــولّــد معنى ثـالـثـا، ولا تصنع توترا كافيا بين الخاص والعام، بين الصوت والوطن، بين المرأة والتاريخ. النتيجة أن الـفـيـلـم يـتـركـنـا أمــــام ســرد مجزأ، جميل أحياناً، لكنَّه متردد في اتخاذ مـوقـف تحليلي حــاســم، لا تـجـاه أم كلثوم ولا تجاه الوطن الذي صارت صوته. وربَّما يـعـكـس هـــذا الـــتـــردد صـعـوبـة الـقـبـض على العلاقة المعقدة بين الطرب والسلطة من دون الوقوع في المباشرة أو الخطابة. أنـــا لـسـت نــاقــدا سينمائياً، بــل أسـتـاذ للعلوم السياسية بمعناها الـواسـع، الذي يشمل الاجتماع والثقافة والرمز. ومن هذا المنظور، تبدو أم كلثوم حالة نموذجية لفهم السلطة الرمزية: سلطة لا تُمارَس بالقهر، ولا تُفرض بالقانون، بل تُمنَح بالإنصات، وتُـــرسَّـــخ بــالاعــتــيــاد، وتُـــعـــاد إنـتـاجـهـا عبر الطقس. هنا تتجلَّى أهمية قـــراءة دانيالسون للطرب. فهي لا تـراه حالة وجدانية فردية، بل نظام تفاعلي يضم الصوت والجمهور والزمن والسياق السياسي. الطرب عندها مـمـارسـة اجتماعية تنطوي على تفاوض دقـــيـــق حــــول الــســلــطــة. أم كــلــثــوم لا تـفـرض الأداء، لــكــنَّــهــا تـتـحـكـم فـــي شــــروطــــه: متى تـــعـــيـــد، كـــيـــف تـــطـــيـــل، وأيــــــن تــبــلــغ الـــــــذروة. الجمهور يمنح الشرعية عبر الاستجابة لا عبر الصمت. الـتـكـرار، مـثـاً، ليس حشوا بـل تعميق للتجربة. حاول الفيلم محاكاة هذا التكرار بـصـريـا عـبـر إعـــــادة مـشـهـد حـــرق المـــذكـــرات وسـقـوط رمـــاد الـسـيـجـارة، لكنه بــدا تـكـرارا زائدا يمكن حذفه دون أن يتأثر المعنى. فـــي كـتـابـهـا، تــشــرح دانــيــالــســون كيف أدارت أم كلثوم الطرب بوصفه إدارة للزمن: إطــالــة المــقــاطــع، تـنـويـع الإعـــــادة، والـتـاعـب المــــقــــامــــي، بـــمـــا يـــضـــع الـــجـــمـــهـــور فــــي حــالــة انـــتـــظـــار دائــــــم. هــــذه الــســيــطــرة عــلــى الــزمــن ليست موسيقية فقط، بل سياسية بالمعنى الـثـقـافـي؛ فـمـن يملك الــزمــن الجمعي يملك الـــوجـــدان الـجـمـعـي. الـفـيـلـم يلمح إلـــى هـذه الـفـكـرة، لكنَّه لا يجعلها مـحـوراً، ولا يترك للمشاهد مساحة كافية لاستخلاصها دون تصريح. الــــطــــرب فــــي الـــتـــجـــربـــة الـــكـــلـــثـــومـــيـــة لـم يكن ترفيها ولا هـروبـا مـن الـواقـع، بـل كان تنظيما للوجدان الجماعي. صوت أم كلثوم عـلّــق الــزمــن، أعـــاد تشكيل المـشـاعـر، ووحّـــد جــمــهــورا مـتـنـاقـض الـطـبـقـات والـتـوجـهـات والــبــلــدان. لسنا هنا أمـــام دعـايـة سياسية مــبــاشــرة، بــل أمـــام تهيئة وجــدانــيــة تجعل الـجـمـاعـة مستعدة لـفـكـرة الــوطــن، للصبر، للتحمل، وحـتـى لتلقي الـهـزيـمـة. هــذه هي الــســيــاســة فـــي مــعــنــاهــا الــثــقــافــي الـعـمـيـق، وهي الفكرة التي لم ينجح الفيلم تماما في إيصالها. ثيودور أدورنو حول «صناعة الثقافة»، يـرى أن الموسيقى الجماهيرية قد تتحوَّل أداة للهيمنة عبر التكرار وصناعة الامتثال. غير أن تجربة أم كلثوم لا تنطبق بالكامل على هذا النموذج؛ فهي لم تفرغ السماع من معناه، بل حمّلته تركيزا وانتباها عاليين. ومع ذلك، يذكّرنا أدورنو بأن الجمال ليس بريئا دائماً. كذلك يقدّم بيير بورديو مفهوم السلطة الرمزية وحكم الذوق، حيث يصبح تعريف «الجميل» شـكـا مـن أشـكـال السيطرة غير المـــرئـــيـــة. أم كـــلـــثـــوم، بـــهـــذا المـــعـــنـــى، لـــم تكن مـطـربـة عـظـيـمـة فــقــط، بـــل مـؤسـسـة لإعـــادة تـوزيـع الــــذوق، جعلت الـقـصـيـدة الفصحى جماهيرية، والسماع طقسا جمعيا مهيباً. هـــــــذه لـــيـــســـت ســـلـــطـــة الـــــــدولـــــــة، بـــــل ســلــطــة الإجماع، وهي الأخطر. فـيـلـم «الـــســـت» يـقـتـرب مــن هـــذه الـفـكـرة لكنَّه لا يغوص فيها بما يكفي، فقط يكتفي بـــــالإشـــــارة، ولا يــنــجــح دائــــمــــا فــــي تـحـويـل التجاور بين المشاهد إلى معنى يُفهم دون مباشرة. ومـع ذلــك، تبقى قيمتُه في إعـادة فـتـح الـــســـؤال: كـيـف يحكم الــصــوت دون أن يـــأمـــر؟ وكــيــف يـصـبـح الـــطـــرب ســيــاســة بلا شعارات؟ فـــي زمــــن الـــســـوشـــيـــال وعـــالـــم الـــصـــورة يبقى أخطر أنواع السلطة هو ذلك الذي يمر عبر الأذن، ويستقر في القلب، ويبدو لنا في النهاية وكـأنَّــه اختيارنا الحر، وهــذا ما لم يستطع الفيلم أن يمسك بخيوطه كلها. OPINION الرأي 12 Issue 17200 - العدد Wednesday - 2025/12/31 الأربعاء السلطة والطرب... فيلم «الست» هل ثمّة حياة بعد الدولة الأمّة ذات الحكم المركزي؟ وكيل التوزيع وكيل الاشتراكات الوكيل الإعلاني المكـــــــاتــب المقر الرئيسي 10th Floor Building7 Chiswick Business Park 566 Chiswick High Road London W4 5YG United Kingdom Tel: +4420 78318181 Fax: +4420 78312310 www.aawsat.com [email protected] المركز الرئيسي: ٢٢٣٠٤ : ص.ب ١١٤٩٥ الرياض +9661121128000 : هاتف +966114429555 : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: www.arabmediaco.com هاتف مجاني: 800-2440076 المركز الرئيسي: ٦٢١١٦ : ص.ب ١١٥٨٥ الرياض +966112128000 : هاتف +9661٢١٢١٧٧٤ : فاكس بريد الكتروني: [email protected] موقع الكتروني: saudi-disribution.com وكيل التوزيع فى الإمارات: شركة الامارات للطباعة والنشر الريـــــاض Riyadh +9661 12128000 +9661 14401440 الكويت Kuwait +965 2997799 +965 2997800 الرباط Rabat +212 37262616 +212 37260300 جدة Jeddah +9661 26511333 +9661 26576159 دبي Dubai +9714 3916500 +9714 3918353 واشنطن Washington DC +1 2026628825 +1 2026628823 المدينة المنورة Madina +9664 8340271 +9664 8396618 القاهرة Cairo +202 37492996 +202 37492884 بيروت Beirut +9611 549002 +9611 549001 الدمام Dammam +96613 8353838 +96613 8354918 الخرطوم Khartoum +2491 83778301 +2491 83785987 عمــــان Amman +9626 5539409 +9626 5537103 صحيفة العرب الأولى تشكر أصحاب الدعوات الصحافية الموجهة إليها وتعلمهم بأنها وحدها المسؤولة عن تغطية تكاليف الرحلة كاملة لمحرريها وكتابها ومراسليها ومصوريها، راجية منهم عدم تقديم أي هدايا لهم، فخير هدية هي تزويد فريقها الصحافي بالمعلومات الوافية لتأدية مهمته بأمانة وموضوعية. Advertising: Saudi Research and Media Group KSA +966 11 2940500 UAE +971 4 3916500 Email: [email protected] srmg.com الطرب في التجربة الكلثومية لم يكن ترفيها ولا هروبا من الواقع بل كان تنظيما للوجدان الجماعي مأمون فندي السجل التناحري والدموي يجد أسبابه في خليط من العناصر تمتد من تفاوت المواضي الاستعماريّة والاستقلاليّة إلى الأنظمة التي لم تطوّر وطنيّات جامعة حازم صاغيّة
RkJQdWJsaXNoZXIy MTI5OTky